ريشاني: انفراط عقد منطقة اليورو بعيد الاحتمال وحالة التخبط السياسي ستؤدي إلى ركود في أوروبا

نشر في 09-01-2012 | 00:01
آخر تحديث 09-01-2012 | 00:01
No Image Caption
ندوة البنك الوطني استعرضت آفاق الأسواق العالمية في 2012

قال ريشاني إن الأسواق يفترض أن تكون قد تعلمت دروسا هامة ومجانية من الأزمة، في ما يخص المخاطر وإعادة تعريف الأصول الخالية منها والرفع المالي والترابطات والتنويع وخطر انتقال العدوى.

أكد رئيس مجموعة الاستثمارات والخزانة في بنك الكويت الوطني جورج ريشاني أن السياسات الخاطئة للحكومات قد تؤدي إلى ركود في الاقتصادات المتقدمة، خصوصا أن إجراءات التقشف قد تثقل احتمال النمو في العديد من الدول المدينة التي تحتاج إلى نمو من أجل معالجة ديونها.

وأضاف ريشاني، خلال ندوة أقامها البنك الوطني أمس، عن مستقبل الأسواق العالمية في عام 2012، أن الأمور السياسية وحالة عدم اليقين في العديد من الدول هذا العام قد تدفع إلى تفاقم الوضع، ويمكن للجمود السياسي في أوروبا والولايات المتحدة وسياسة الحلول المجتزئة أو تأجيل الحلول أن تجنب الأزمات المالية العاجلة، لكنها تكون فقط قد أجلت التصحيحات التي لابد منها.

واستعرض التحديات التي تواجه التوقعات الاقتصادية في ظل هذه الأوقات الصعبة وغير المسبوقة، متناولا العناوين الرئيسية التي طغت في العام الماضي، والتي كان بعضها امتدادا لعام 2010، لكن مع تركيز أكبر على الدين والسياسات.

دروس مهمة

وذكر ريشاني أن «الأسواق يفترض أن تكون قد تعلمت دروسا هامة ومجانية من الأزمة في ما يخص المخاطر، وإعادة تعريف الأصول الخالية من المخاطر، والرفع المالي والترابطات والتنويع وخطر انتقال العدوى والمعنى الجديد لما هو طبيعي، لكن يبدو أن المستثمرين ينسون كالعادة ويعودون دائما للاعتقاد بأن هذا الوقت مختلف».

وشرح الأزمة الأوروبية بالتفصيل، بمنظاريها التاريخي والفلسفي، مفصلا الخط الزمني للأزمة، وكيف تنتقل العدوى الأوروبية لسائر العالم، مستطلعا الترابط بين أزمة الدين السيادي وسيولة البنوك الأوروبية ومسائل الملاءة، موضحا أن ضعف النمو العالمي ليس مشكلة دورية، بل مشاكل هيكلية وأساسية طويلة المدى تحتاج للمعالجة على مستوى عالمي بدلا من التركيز على الأمر كما لو كان مرحلة ركود دورية كغيرها.

وأضاف أنه لابد للمشاكل غير المسبوقة من حلول غير مسبوقة، ولأولئك الذين يعتقدون بالفلك فإن هذه السنة حسب التقويم الصيني هي سنة التنين، لكن يمكن أن تؤخذ، على سبيل المزاح، على أنها سنة «الأنين» أو «التقنين».

انفراط عقد اليورو

ويرى ريشاني أن انفراط عقد منطقة اليورو أمر بعيد الاحتمال، وأن إعادة تشكيل منطقة اليورو من دول عمق أصغر وأكثر قابلية للحياة أمر أكثر احتمالا، لكنه لم يستبعد احتمال وقوع حالة من التخبّط تؤدي إلى ركود في كل أوروبا.

وحذر من أن الوضع في أوروبا قد يتأزم إذا لم يبد السياسيون الأمور الأساس على مصالحهم الشخصية القصيرة المدى، ويدركوا أن اعتماد سياسة واحدة في معالجة أمور مختلفة، في ما يخص العملة وسعر الفائدة، يمكن أن يكون ناجعا فقط إذا كانت لدينا وحدة مالية تتيح تحويل الأموال من المناطق الغنية في أوروبا إلى المناطق الفقيرة.

وبين أنه إذا لم تتم معالجة التباعد في التنافسية بين عمق أوروبا وأطرافها، فإن المشكلة لن تحل، ولإجراءات التقشف محدوديتها، ويمكن لشد الحزام بشكل مفرط أن يضرب النمو، ولم ينجم انكشاف البنوك الأوروبية الكبير لمخاطر الدين السيادي الأوروبي نتيجة قرارات خاطئة فحسب، بل لابد من إلقاء اللوم أيضا على واضعي الأنظمة ووكالات التصنيف التي اعتبرت كل السندات السيادية في العالم المتقدم خالية من المخاطر ولا تحتاج إلى علاوة.

وأضاف أنه يجب إلقاء اللوم أيضا على البنك المركزي الأوروبي الذي عمم نفس المعاملة بتقييمه السندات في عملية إعادة الشراء مع البنوك الأوروبية، وبالطبع استخدمت البنوك الأوروبية نماذج خاطئة في تقييمها للمخاطر، مفترضة أن الأسواق تعمل بفاعلية، وأن المستثمرين يعملون بعقلانية، في حين أثبتت هذه الأزمة عكس ذلك.

الوضع الأميركي

وبالنسبة للولايات المتحدة، رأى ريشاني أن أرقام النمو قد تحسنت قليلا في الأشهر القليلة الماضية، وأن أسواق الأسهم أبلت بلاء حسنا نسبيا، ولكن بالنظر إلى مستقبل الولايات المتحدة في المدى البعيد، يرى أن اختلالات أساسية فيها لاتزال قائمة، مثل عبء الدين الثقيل، وعدم تمويل التزامات مثل الراتب التقاعدي والرعاية الصحية، ومكونات الإنفاق الحكومي، واستمرار تدفق رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى العدوى من الأزمة الأوروبية من خلال القنوات التجارية والمالية عبر تعرض البنوك الأميركية للمخاطر.

ولا يرى ريشاني استبدالا فوريا للولايات المتحدة كملاذ آمن طالما بقي الدولار الأميركي عملة احتياط مطلوبة جدا من قبل الجميع، بسبب عمق سوقها ومرونته، إلى جانب وجود قوانين وتطبيق العقود والشفافية والوضوح في العملية السياسية، رغم أن هذه الأخيرة قد تأثرت سلبا بعدم التوصل لحل بشأن الميزانية بسبب التناحر المتزايد بين السياسيين.

وأكد أن الدولار الأميركي مازال حيا يرزق، وأن المستثمرين يشترون الدولار الأميركي عند التوجه نحو تجنب المخاطر، وعند سيطرة حالة الخوف على الأسواق، مشددا على أن الحل يجب أن يأتي على شكل واحد وأخير، وهو دفع الولايات المتحدة ودول العالم الغربي إلى الادخار أكثر، ودفع الأسواق الناشئة إلى الإنفاق أكثر.

السياسة النقدية

وعن السياسة النقدية، قال ريشاني إن أسعار الفائدة ستبقى منخفضة لوقت طويل، لأن التضخم ليس مصدر قلق الآن، ولكن مصدر القلق هو الركود والانكماش، لأن البنوك المركزية بما فيها مجلس الاحتياط الفدرالي تعهدت بإبقاء أسعار الفائدة منخفضة حتى منتصف عام 2013، وستبقى أسعار الفائدة على المدى الطويل منخفضة أيضا، لأنه من مصلحة الحكومات أن تخفض أسعار الفائدة الحقيقية أو حتى تجعلها سلبية لترفع الطلب من جهة ولتخفض عبء سداد الدين من ناحية أخرى.

وذكر أن السياسات النقدية التقليدية لم تنجح، بسبب اعتماد البنوك المركزية الرئيسية سياسات غير تقليدية مثل التسهيل الكمي الذي يمثل أسلوبا مقنعا لطبع النقود لتمويل الخزينة للسماح للبنوك المركزية بشراء ديون الخزينة لتمويل الحكومات.

ويمكن لذلك أن يؤدي إلى التضخم في المدى الطويل، لكن حتى هذا لا ينفع الآن، لأن ما نشهده الآن ليس ركودا دوريا بل ركود طويل المدى، بسبب تخفيض الرفع المالي وفخ السيولة، حيث تختزن البنوك السيولة التي توفرها لهم البنوك المركزية ولا تعيد إقراضها للاقتصاد الفعلي، وتدفع الإجراءات الجديدة الخاصة برأس المال البنوك لتخفيض الرفع المالي عبر تقليل أصولها المحملة بالمخاطر عن طريق تخفيض الأصول من الجانب المخصص لها في الميزانية.

دول مثقلة بالديون

وألمح ريشاني إلى أن بعض الدول المثقلة بالديون مثل إيطاليا، التي يبلغ دينها العام الى ناتجها المحلي الإجمالي حوالي 120 في المئة، ترى أن التعثر حل مطروح بدلا من إجراءات التقشف، لأن فوائض الحساب الجاري لديها لا يمكن أن ترتفع بما يكفي للتعويض عن العجوزات الأولية في ميزانيتها.

وبين أن هدف وجود منطقة اليورو هو التقارب بين بلدانها، وبعد مرور 13 عاما على إنشاء منطقة اليورو، نرى أن ذلك لم يتحقق بعد، ولكن على العكس، هناك تباعدات الآن أكثر مما كان في عام 1999، وتبلغ تكلفة اقتراض الحكومة اليونانية مدة خمس سنوات ما يفوق 45 في المئة الآن، بينما تبلغ تلك التكلفة لألمانيا 0.80 في المئة، فكيف يمكن أن نسمي ذلك وحدة نقدية؟

وذكر ان الأزمة كشفت نهائيا الضعف الرئيسي في منطقة اليورو، وهو أنه لا يمكن إيجاد وحدة نقدية من دون وحدة مالية وسياسية، لقد علمنا دائما أن الأوروبيين يحبون المناظرات، لكن الأزمة كشفت أن المناظرة قد تكون خطيرة إذا كانت الدول تتداعى واحدة تلو الأخرى، مضيفا أن السياسيين الألمان يرون في الضعف الحالي لدول أوروبية أخرى فرصة لسيطرة الإرادة الألمانية.

توقعات النمو في أميركا

عن توقعات النمو في الولايات المتحدة قال ريشاني إن النمو مازال غير كاف، إذ يجب أن نتذكر أن نسبة البطالة، البالغة 8.6 في المئة، لاتزال مرتفعة بمقاييس تاريخية، وأن الانتعاش هذه المرة هو غير اعتيادي بمعنى أن هذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي نشهد فيها انتعاشا بدون تحسن سوق الإسكان في الولايات المتحدة.

وتابع أن هذا الأمر يجعلنا نشك في أن يكون هذا انتعاشا حقيقيا أو مجرد ظاهرة مؤقتة ستتلاشى عقب الانتخابات الأميركية في نوفمبر، خاصة أن تنفيذ إجراءات التقشف يبدأ على افتراض أن السياسيين الأميركيين سيفعلون الصواب في النهاية أو يخاطرون، مضيفا أن مؤشر البؤس الأميركي، الذي يقيس التضخم والبطالة معا، هو في أعلى مستوى له منذ عام 1973، ويمكن لذلك أن يكون له تأثير على الانتخابات الأميركية. وتوقع ريشاني فترة من الجمود تحمل في طياتها التضخم القليل إلى المتوسط وانخفاض النمو، حيث يرى أن الولايات المتحدة ستشهد انتعاشا هزيلا والمملكة المتحدة ستشهد ركودا تقنيا والأسواق الناشئة ستشهد أداء متواضعا.

ورأى أن آفاق الدولار الأميركي تعتمد على الحالة في أوروبا، فإذا استقر الوضع يقع الدولار الأميركي تحت الضغط، أما إذا استمرت الأزمة مع استمرار السياسيين في تأجيل الحل فإن الدولار الأميركي سيستفيد من وضعه كملاذ آمن.

وتوقع ريشاني أن تبقى أسعار الفائدة الأميركية منخفضة على الأقل حتى منتصف عام 2013، كما أفاد مجلس الاحتياط الفدرالي، ولا يرى مخاطر من التضخم في المدى القريب، ويمكن أن تكون الأخطاء في السياسات كبرى المخاطر في المستقبل.

وتوقع أيضا ألا تكون طريق المستقبل ممهدة بل تحفل بالمطبات، وبالنسبة للذهب، يرى احتمال أن يتخطى حاجز الألفي دولار، ليس بسبب مخاوف من التضخم (مخاوف التضخم هي مخاطر الغد لا اليوم)، كما يعتقد معظم الناس، بل بسبب استمرار مخاطر الانكماش.

طرق بقاء المستثمرين

نصح ريشاني المستثمرين بالبحث عن طرق للبقاء لا للرخاء، بالتركيز على استراتيجيات تضمن عودة رأسمالهم، وليس عوائد على رأسمالهم، وبالنسبة للشركات، ينصح بأن تكون يقظة، مقدما الإجراءات التالية التي يمكن أن تكون مفيدة في معالجة هذه التحديات، وهي: إدارة التكلفة (خفض التكلفة إذا أمكن)، وإدارة الأسعار، ومركزية في قرارات التسعير، والابتكار عن طريق خلق احتياجات استهلاكية جديدة.

وتضم الإجراءات أيضا استكشاف أسواق التصدير، وتغيير اللعبة عن طريق القيام باستثمارات أو تملك الشركة المنافسة، وتقييم التأثير على حساب الدخل عن طريق النظر إلى حساسية الأسعار لدى كل من الموزعين والمستهلكين، وتقييم التأثير على كشف الميزانية مثل النقد والمبالغ النقدية التي يحتاجها رأس المال العامل والاستثمارات الثابتة، وتنظيم الهيكلية لتحسين الشفافية، واتخاذ القرار، والتواصل ووضع سيناريوهات لمحاكاة الأوضاع، وتطبيق إشارات تحذير مبكر، والاهتمام بخفض المخاطر عن طريق التغطية.

back to top