جنوب السودان دولة مستقلة وسط ترحيب دولي
سلفاكير يؤدي اليمين أمام قبر قرنق... ويتعهد ببناء دولة ديمقراطية
بعد سنوات من الحرب والتوتر، سقط خلالها الكثير من الضحايا، حقق مواطنو جنوب السودان حلمهم بالاستقلال، وإنشاء دولتهم الخاصة، غير أن هذا الإنجاز يبدو أنه سيواجه بعض العقبات، قبل أن تصبح الدولة الوليدة مستقرة سياسياً واقتصادياً، علماً أن هذا الأمر قد يسهل إذا التزم شمال السودان تعهداته باحترام الجار الجديد، وعدم التضييق عليه، مع السعي إلى تخفيف التوتر في المناطق الحدودية.أنزل علم السودان الموحد من على السارية في وسط مدينة جوبا، ورفعت راية "جمهورية جنوب السودان" على مشارف ضريح مؤسس وزعيم "الحركة الشعبية لتحرير السودان" د. جون قرنق الذي ناضل طويلا لتحقيق حلم "الاستقلال".وأقيمت ساحة الاحتفال بإعلان الاستقلال بالقرب من ضريح قرنق، وتم الإعلان، الذي وصف بـ"التاريخي" بقيام الدولة الجديدة، بعزف النشيد الوطني لجمهورية السودان كتحية أخيرة للوطن الأم قبيل إعلان الرسمي الانفصال.حضوروأمام الرئيس السوداني عمر البشير، الذي اضيفت الى القابه صفة الرئيس الذي شهد عصره تقسيم السودان، الى جانب أمين عام الامم المتحدة بان كي مون الذي جاء حضوره تأكيدا للدعم الدولي للدولة الوليدة، وعدد من الزعماء الأفارقة الذين عبّروا عن ارتياحهم لانتهاء أطول نزاع في القارة وأكثر من مليوني مواطن ظلوا يحتفلون ساعات طويلة، أدى زعيم الحركة الشعبية رئيس حكومة جنوب السودان السابق سلفاكير ميارديت القسم كأول رئيس للجمهورية الجديدة، متعهدا ببناء دولة ديمقراطية.سلفاكيروأكد سلفاكير خلال أدائه القسم أنه سيؤدي مهامه بـ"صدق وبطريقة ديمقراطية في سبيل تحقيق التنمية والرفاهية لشعب الجنوب"، وسيعمل على "تعضيد قيم الديمقراطية والحكم الرشيد والحفاظ على وحدة وعزة شعب الجنوب".ووقع سلفاكير الدستور الذي أجازه برلمان الجنوب بعد ليلة حافلة لم تنم فيها جوبا عاصمة الجنوب وسكانها الذين انخرطوا حتى الصباح في احتفاليات متعددة في شوارع العاصمة ابتهاجا بالوصول إلى هذا اليوم الفاصل في تاريخهم.مجتمع علمانيمن جانبه، شدد رئيس المجلس التشريعي بجنوب السودان جيمس واني إيجا على أن "المجلس المنتخب من شعب جنوب السودان أجاز الاستقلال استنادا إلى إرادة الشعب الجنوبي الذي اختار هذا الخيار بأغلبية ساحقة بلغت 98 في المئة في استفتاء تقرير المصير الذي تم إجراؤه في يناير الماضي من أجل إقامة دولة مستقلة وذات سيادة تحترم التنوع وحقوق الإنسان والديمقراطية وتساهم في الاستقرار الإقليمي وتسوية النزاعات بالوسائل السلمية".وقال إن "البرلمان رافق في ذلك النضال البطولي شعب الجنوب من أجل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والانعتاق السياسي والاقتصادي والمعاناة الكبيرة لشعب الجنوب الناتجة عن النزاع بين شمال السودان وجنوبه، وقد قررنا أن نتجاوز تلك العقبات بروح جديدة من الأمل وبروح التسامح والتصالح".واشار إيجا الى أن "جمهورية جنوب السودان ستكون دولة متعددة الأعراق والثقافات واللغات والعرقيات، وأن هذا التنوع سيتعايش سلميا في مجتمع علماني تحترم فيه مصالح المواطنين وحرياتهم، وتعهد بتعزيز العلاقات الأخوية والتعاون مع كل الأمم بما فيها جمهورية السودان، مشيرا إلى الروابط الكبيرة معها".«البشير رجل عظيم»وتحدث نائب رئيس حكومة الجنوب د. رياك مشار، عن الدور البارز الذي لعبه الرئيس السوداني عمر البشير في تحقيق السلام في السودان، ووصفه بأنه رجل عظيم أشرف على توقيع اتفاقية السلام وتنفيذ بروتوكولاتها بشجاعة، وقال إن البشير يملك شجاعة هائلة ورؤية ثاقبة ضمنت وصول اتفاقية السلام إلى نهاياتها، وأثبت البشير أنه من خيرة قادة السودان، ودخل التاريخ من أوسع أبوابه كقائد شجاع وحكيم.الرئيس الكينيمن جانبه، دعا الرئيس الكيني مواي كيباكي إلى التعاون بين دولتي شمال السودان وجنوبه وإلى التعايش السلمي بين الدولتين، الذي وصفه بأنه "أمر مهم جدا بالنسبة إلى المنطقة وما ورائها"، موجها التحية إلى مؤسس وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان الراحل جون قرنق وشعب الجنوب والرئيسين عمر البشير وسلفاكير ميارديت. وقال كيباكي إن "شعب الجنوب له تطلعات كبيرة للحصول على الخدمات من حكومة الدولة الوليدة، وبالتالي هناك تحديات متمثلة في البناء الوطني"، مناشدا حكومة الشمال "دعم الدولة الوليدة حتى توفر الشروط المسبقة للتعايش السلمي"، مؤكدا أن "كينيا ستقف إلى جانب دولة جنوب السودان في تعزيز السلم والتنمية وفي التعاون الاقتصادي".وأكد رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة الدبلوماسي القطري ناصر عبدالعزيز النصر رغبة المنظمة الدولية في مواصلة ومساعدة دولة الجنوب في مسيرتها التنموية، ولن تألو جهدا في دعم مسيرة السلام لتمضي إلى نهايتها، وقال إن دولتي شمال السودان وجنوبه لديهما مصالح، وان الأمم المتحدة على استعداد لدعمهما في القضايا التي تهم السلام، وناشد المجتمع الدولي تكثيف جهوده لتحسين الأمن ودعم الحكم الديمقراطى وبناء القدرات.اعترافاتواعترفت مصر رسمياً باستقلال دولة جنوب السودان، بعد قليل من إعلانها الانفصال عن الخرطوم، في احتفال شعبي ورسمي كبير أمس، وأعلن وزير الخارجية محمد العرابي اعتراف مصر رسمياً بجمهورية جنوب السودان، فور وصوله للمشاركة في احتفالات إعلان الدولة في العاصمة جوبا.وقال بيان لوزارة الخارجية المصرية إن الوفد المصري المشارك في الاحتفالات برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء د. يحيى الجمل وبرفقته وزيرا الكهرباء والطاقة والخارجية، سلم خطابا رسميا بالاعتراف بجمهورية جنوب السودان، وان الوفد أكد حرص مصر على دعم وتعزيز العلاقات مع الأشقاء في جنوب السودان ومواصلة الدور المصري في تقريب وجهات النظر بهدف تسوية المسائل العالقة بين شمال السودان وجنوبه، بما يؤمن علاقات جيدة ومستقرة بينهما في مختلف أنحاء المنطقة.كما اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما والفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الحكومة البريطانية دافيد كاميرون اعتراف دولهم باستقلال جنوب السودان.يأتي إعلان جنوب السودان دولة مستقلة بعدما صوت 98 في المئة من أهالي الجنوب لمصلحة الانفصال في استفتاء جرى في يناير الماضي، وفقا لاتفاق السلام الشامل الذي أبرم عام 2005 ليضع حدا لسنوات طويلة من الحرب بين الشمال والجنوب، هي أطول حروب القارة الإفريقية التي استمرت خمسة عقود.رئيس جنوب السودان يعلن عفواً عن كل المتمردينأعلن رئيس جمهورية جنوب السودان سيلفا كير ميارديث أمس العفو عن كل الجماعات المسلحة التي تقاتل حكومته، وتعهد بإحلال السلام في المناطق الحدودية المضطربة، وذلك فور إعلان استقلال جنوب السودان عن الشمال.وقال الرئيس الجديد في هذا الإطار: "أود أن أنتهز هذه الفرصة لإعلان العفو عن كل هؤلاء الذين حملوا السلاح ضد السودان"، واستطرد: "أود أن أؤكد لمواطني إبيي ودارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان أننا لم ننسهم. عندما تبكون نبكي. عندما تنزفون ننزف. أتعهد لكم اليوم بأن نتوصل إلى سلام عادل للجميع"، مضيفاً أنه سيعمل مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير لتحقيق ذلك. بطاقة تعريفاصبحت دولة جنوب السودان أمس احدث دولة تعلن استقلالها في العالم، وفي ما يلي معلومات اساسية عن الدولة الوليدة التي انبثقت عن اكبر بلد افريقي من حيث المساحة.* الموقع الجغرافي: يحد جمهورية جنوب السودان من الشرق اثيوبيا، ومن الجنوب كينيا واوغندا، والى الغرب جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية افريقيا الوسطى، والى الشمال السودان.* المساحة: 589 الفا و745 كيلومترا مربعا (باستثناء مناطق جبال النوبة وابيي والنيل الازرق المتنازع عليها) ما يمثل 24 في المئة من المساحة الاجمالية للسودان قبل استقلال الجنوب.* تعداد السكان: بحسب تعداد ابريل 2008، اكثر من 8.5 ملايين نسمة، اي 20 في المئة من اجمالي عدد سكان السودان قبل استقلال الجنوب، غير أن الجنوب رفض نتيجة هذا التعداد حيث قال إن الهيئة المركزية للاحصاء بالخرطوم رفضت مشاركة البيانات الاصلية للتعداد الوطني السوداني (ابريل 2008) مع هيئة جنوب السودان للتعداد والاحصاء، بينما قال الرئيس الجنوبي سلفا كير إن عدد سكان الجنوب الحقيقي هو ثلث تعداد سكان السودان).* الدين: غالبية مسيحية الى جانب ارواحيين واقلية مسلمة.* اللغات: الانكليزية هي اللغة الرسمية، كما يتم الحديث على نطاق واسع بلغة محورة عن العربية تدعى "عربي جوبا"، فضلا عن لغات عدة تقليدية لاكثر من 200 مجموعة عرقية.* التاريخ: خضع السودان للحكم البريطاني المصري المشترك من 1899 حتى استقلال جمهورية السودان عام 1956، وشهد ما بين عامي 1955 و1972 حربا اهلية بين الحكومات المتعاقبة في الخرطوم والمتمردين الجنوبيين، وانتهى ذلك الصراع بتوقيع معاهدة عام 1972 منح الجنوب بمقتضاها حكما ذاتيا جزئيا. وفي عام 1983 خرقت الخرطوم المعاهدة ما اشعل حربا اهلية ثانية بين الشمال والجنوب خلفت مليوني قتيل واربعة ملايين مشرد، وقد شكل جون قرنق الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي خاض القتال بمواجهة القوات الشمالية.في التاسع من يناير 2005 انتهت اطول حرب تشهدها القارة الافريقية بتوقيع قرنق اتفاق سلام مع الخرطوم، اعفي بمقتضاه الجنوب من الشريعة الاسلامية التي فرضت على سكانه، واتيحت له فترة ست سنوات من الحكم الذاتي تمهيدا لاستفتاء يصوت فيه الجنوبيون على حق تقرير المصير بين البقاء ضمن سودان موحد او الانفصال عن الخرطوم.في يناير 2011 صوت جنوب السودان على الانفصال عن الشمال باغلبية 98.83 في المئة لمصلحة الاستقلال.* الاقتصاد: بعد عقود من حرب ضروس مع الشمال مازال جنوب السودان يعاني تخلفا اقتصاديا هائلا رغم الاحتياطي السوداني الراهن للنفط البالغ 6.7 مليارات برميل، ومن اجمالي 470 الف برميل يوميا تم ضخها قبل الاستقلال جاءت ثلاثة ارباع الكمية من الجنوب والمناطق الحدودية.ويتم تصدير النفط، الذي يشكل زهاء 98 في المئة من مدخولات جنوب السودان، عبر خط انابيب يمر في الشمال وصولا الى البحر الاحمر، كما يتمتع الجنوب بثروات معدنية من بينها اليورانيوم فضلا عن الطاقات الزراعية الهائلة التي يمكن اطلاقها في بلد مازال غير قادر على استغلالها بسبب الحرب.* القوات المسلحة: لدى الجيش الشعبي لتحرير السودان زهاء 140 الف مقاتل، بحسب تقرير المشروع البحثي للاسلحة الصغيرة الذي يتخذ من جنيف مقرا له.(جوبا - أ ف ب)