ياليتنا من حجنا سالمين

نشر في 04-02-2012
آخر تحديث 04-02-2012 | 00:01
No Image Caption
 بدرية البشر حين قررت المجيء للكويت ظننت أن كل ما سأحظى به هو الفرجة على الانتخابات الديمقراطية في عرس الكويت، والاستماع للناس، والتعرف على تجربة لم أخضها يوماً في حياتي، فلم أمنح يوماً صوتاً لنائباً، ولم يترشح أحد، لم أنتبه أنني سأحظى بما هو أهم وأكثر. حين قررت الكتابة في جريدة الجريدة حظيت باستقبال كريم من أخي العزيز خالد هلال المطيري وبقية الزملاء الذين أكرموني بودهم، فصرت أرسل مقالاتي بالبريد الإلكتروني إلى مكان بعيد عني مثل من يرسل رسالة يضعها في قارورة ويرميها للبحر لتصل إلى شاطئ بعيد، لا تدري من سيلتقطها ويقرأها، كتبت سنة من الزمن كنت أشعر خلالها أنني كمن يقف فوق خشبة مسرح مضاء، أمام جمهور قابع في الظلمة لا يراه ولا يعرفه. حين وصلت الكويت ودخلت البيوت الكويتية والمقار الانتخابية ومكتبة الآفاق وجريدة الجريدة كانت لحظة إضاءة الأنوار قد حانت. شاهدت الناس التي قرأتني وتابعتني يسلمون علي بحرارة، كنت سعيدة أن أكتشف أنني أكتب في جريدة تصل إلى كل هؤلاء الناس، والتي أوصلتني لهم، أضيئت الأنوار أخيراً بعد عام واحد. هذا ما حظيت به، هؤلاء الناس الذين تابعوني وقرأوني وعرفوني، وقد كدت من شدة دهشتي وخجلي أن أختبئ أو أعود من حيث جئت، لقد خجلت من شدة ما غمرني الكويتيون من المحبة ودفء الإشادة وحرص المتابعة. لقد أصبت حقيقة بالرعب، فما عدت أنا هي أنا يوم كتبت قبل عام، وما عدت أنا التي جئت، إذ كل هؤلاء يقرأون لي ما عساني أفعل بعد هذا، ماذا سأكتب؟ أي جهد عظيم يستطيع أن يكافئ كل هذه المحبة العظيمة والمتابعة الحانية؟ في مقر المرشح مشاري العصيمي قابلتني سيدة لطيفة وجميلة قالت لي: "أنا وأمي نقرأ لك" قلت في نفسي ياللمصيبة! جيلان لا جيل واحد رحت وطي. وأنا أمر بجريدة الجريدة لأسلم على الزملاء وفي سعادة رحت أردد جملة ساخرة قالها شاعر شعبي قديم تقول "ياليتنا من حجنا سالمين"، وهذا شاعر ذهب للحج ليتخفف من ذنوبه، لكنه عاد بأكثر منها، فبدلاً من أن يقبل الحجر الأسود في الطواف حول الكعبة رأى خداً أسيلاً لفتاة جميلة أغراه فزرع قبلة عليه، ثم قال قولته الشهيرة "ليتنا من حجنا سالمين" التي صارت مثلاً بين الناس، لكني لا أستطيع أن أقول ما قاله إلا هزلاً، لأن أجمل ما حدث لي في زيارتي للكويت هي تلك اللحظات التي أضيئت فيها الأنوار، وشاهدت كل هذه الوجوه الطيبة وهذه المحبة الغامرة وهذا الكرم الحاتمي. هؤلاء هم الكويتيون الذين لا يتكررون، والذين أعرفهم جيداً مثل البصمة الخليجية في الوضوح، وفي الثقة وفي الوعي والكرم، حفظ الله الكويت وحفظ الله الكويتيين.
back to top