الباحث مكرم سلامة: وثّقت لتاريخ السينما والسياسة في مصر
بمجرد أن تطأ قدماك منزل مكرم سلامة (65 سنة) في مدينة الإسكندرية، أشهر باحث مصري في الوثائق والأرشيفات، تستشعر عبق التاريخ وروائح الزمن الجميل. وثائق الإرهاصات الأولى لصناعة السينما المصرية وخطابات بخط يد الفنانين خلال تلك الفترة ومعاناتهم.تنتقل من سحر السينما إلى غموض السياسة وأسرارها في صور نادرة لرؤساء مصر السابقين، بالإضافة إلى صور «نادرة» أيضاً لتفاصيل الحياة اليومية والمهن في مصر حتى منتصف الخمسينيات بعدسة المصورين الفوتوغرافيين الأرمن والإيطاليين، وغيرها من «كنوز» وثائقية يكشفها مكرم في لقائه التالي مع «الجريدة».
كيف حصلت على هذا الكم الهائل من ملصقات نادرة ومراسلات وخطابات لعمالقة الفن السابع في مصر؟منذ نحو 30 عاماً، في أوائل الثمانينيات تحديداً، بدأت في جمع هذا التراث بشكل مكثف. مثَّلت تلك الفترة بداية أزمة صناعة السينما في مصر وأنهيارها، فأغلقت غالبية دور العرض وشركات الإنتاج والتوزيع السينمائي أبوابها استعداداً للبيع، إضافة إلى بيع عدد كبير من شركات التوزيع تراثها وإنتاجها للقنوات الفضائية.ذهبت إلى معظم دور العرض وشركات الإنتاج والتوزيع السينمائي من الإسكندرية إلى أسوان واشتريت كل ما استطيع من أفلام ومراسلات وملصقات خشية ضياع هذا الكنز، وأنفقت كل ما جمعته طوال حياتي من عملي على السفن خلال 30 عاماً على هذه الهواية التي أصبحت عشقي.كم جمعت من وثائق تخص السينما المصرية؟لديّ نحو مئة ألف ملصق سينمائي خاص بما يزيد على قرابة 2500 فيلم سينمائي، منذ بدايات صناعة السينما في مصر عام 1928، من بينها جميع ملصقات أفلام السينما الصامتة وأعمال أنور وجدي ونجيب الريحاني وإسماعيل ياسين والمخرج العالمي الراحل يوسف شاهين منذ فيلمه الأول «بابا أمين» حتى «هي فوضى». كذلك لدي ملصق نادر باللغة التركية لفيلم «بلال مؤذن الرسول» (ص) يعود إلى منتصف الستينيات، وملصق نادر لفيلم «المؤلفة المصرية» بطولة الفنانة عزيزة أمير، وهو أول عمل سينمائي تركي ناطق في تاريخ السينما التركية.ما أندر الوثائق والصور السينمائية والخطابات والعقود التي استطعت جمعها وتملكها؟لدي مجموعة نيغاتيف كاملة لأرشيف الفنان الراحل أنور وجدي، تحتوي على صور نادرة له منذ شبابه وحتى وفاته، من بينها صور عائلية له مع والدته وزوجته المطربة الراحلة ليلى مراد. كذلك لدي عقود إنتاج وتوزيع غالبية الأفلام المصرية منذ الثلاثينيات وحتى بداية الستينيات اشتريتها من ورثة «بهنا فيلم» (أشهر شركة توزيع سينمائي في مصر آنذاك)، إضافة إلى خطابات ومراسلات بخط يد أشهر نجوم السينما المصرية، من بينها تكاليف إنتاج الأفلام وإيصالات الأجور، أبرزها عقود أفلام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة وعمر الشريف ورشدي أباظة وهند رستم والمخرجين صلاح أبوسيف وحسن الإمام، ناهيك بأصول الدعاوى القضائية بين الفنانين والمنتجين آنذاك والتي كانت تنشأ غالباً بسبب ترتيب الأسماء على الملصق أو تأخر سداد أقساط أجورهم.ما أكثر ما تعتز به من وثائق وأرشيفات سينمائية؟أرشيف المخرج الإيطالي اليهودي توجو مزراحي، صاحب فيلم «سلامة» لكوكب الغناء العربي أم كلثوم، وجميع أفلام الفنان الكوميدي علي الكسار وشالوم «اليهودي». يعتبر الأخير أحد رواد مخرجي السينما المصرية وكانت بدايته في مدينة الإسكندرية، وحياته قريبة الشبه بحياة عميد المسرح العربي يوسف بك وهبي فكلاهما من أسرة ثرية لا تحب الفن الذي كان مهنة وضيعة آنذاك، وكان يطلق على الفنان «مشخصاتي» وكانت لا تقبل شهادته في المحكمة. مع ذلك عشقا الفن وتحديا أسرتيهما، وأحتفظ له بمجموعة «نيغاتيف» نادرة وكاملة لجميع كواليس أعماله البالغ عددها 35 فيلماً اشتريتها من أحد تجار «الخردة» في القاهرة، بدءاً بـ»كوكايين» وهو صامت أنتج عام 1930 وأعيد ناطقاً في ما بعد، نهاية بـ{سلامة» (1945). لماذا أهديت هذه المجموعة لمكتبة الإسكندرية؟أهديتها منذ سنوات في احتفالية مئوية السينما المصرية، بمناسبة تكريم «مزراحي» الذي لم يتم العثور على أي أرشيف وصور فوتوغرافية سينمائية له سوى في حوزتي.ننتقل من سحر السينما إلى عالم السياسة، ما هو أندر ما لديك وأهم ما استطعت جمعه؟أملك أرشيفاً فوتوغرافياً نادراً بالنيغاتيف للواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر عقب ثورة يوليو 52 وحتى عام 1954. اشتريته للأسف الشديد من «جامع قمامة» ولا أدري كيف حصل عليه.يحتوي الأرشيف على 300 صورة لنجيب مع أبنائه الثلاثة في منزله وأثناء حديث له لإذاعة الشرق الأدنى عام 1954، وعلى صور نادرة لأول استعراض للجيش بعد ثورة 1952 تحت إشراف نجيب، وصورة للأخير عند زيارته دار الإذاعة المصرية القديمة، ومع وزير الخارجية الأميركي دالاس والسفير كافري في أحد قصور الرئاسة المصرية وتعود إلى عام 1954 قبل تحديد إقامته وعزله في ما بعد.كذلك يتضمن الأرشيف صوراً للرئيس الراحل جمال عبد الناصر عقب تأميم قناة السويس عام 1956 مع الوفود الشعبية المؤيدة لقرار التأميم برئاسة مجلس الوزراء ومخاطباً الجماهير من شرفة المجلس.هل استطعت جمع وثائق نادرة أيضاً تخص حقبة الملكية المصرية وأسرة محمد علي؟بالتأكيد لأنها حقبة «أسطورية» ليس في تاريخ مصر فحسب بل في تاريخ العالم العربي كله، بالإضافة إلى نحو 3 آلاف صورة نادرة بالنيغاتيف للمصور الأرمني ألبان (مصور الملكين فؤاد وفاروق) تتضمن صوراً للملك فؤاد وزفاف الملك فاروق والملكة فريدة.جمعت أيضاً ما يقرب من 10 آلاف وثيقة نادرة (أهديتها لمكتبة الإسكندرية أخيراً) اشتريتها ضمن طن ورق قديم ومستعمل من تاجر ورق في القاهرة، من بينها وثائق «الري المصري» خلال الفترة من 1870 حتى عام 1912 ويرد فيها عدد الترع والمصارف والأراضي الزراعية خلال الفترة، بالإضافة إلى وثائق «الدائرة السنية» الخاصة بالباب العالي والدائرة الخديوية في عهد «الخديوي إسماعيل»، وتحتوي على حسابات الأراضي وريع الأملاك المملوكة له ولأسرته آنذاك في جميع أنحاء مصر، بالإضافة إلى أول تراخيص لكل من دور العرض السينمائي والمسارح والمقاهي في مصر خلال الفترة من 1897 حتى عام 1900.لديك عدد من ماكينات العرض السينمائي القديم وأفلام 35 و16 ملم، فهل أنت مهتم بالسينما الوثائقية أيضاً؟لدى نحو 500 فيلم وثائقي قديم بنظام 16 ملم أجمعهم منذ نحو 40 عاماً، من بينها افتتاح مؤتمر القمة العربي الثالث في القاهرة في يناير عام 1964 ومدته 20 دقيقة، بحضور الراحلين الرئيس عبد الناصر وأمير الكويت عبد الله الصباح والملك السعودي سعود بن عبدالعزيز. كذلك لدي فيلم وثائقي سعودي يعود إلى عام 1965 باسم «إلى عرفات الله» ناطق باللغات الفرنسية والإنكليزية والإسبانية مدته 10 دقائق يظهر فيه الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز وهو يؤدي مناسك الحج، ناهيك بنحو 16 فيلماً تسجيلياً حياً للحرب العالمية الأولى عام 1917، والثانية 1940 في مصر والعالم باللغة الإنكليزية، فضلاً عن احتفالات العيد الأول لثورة يوليو 52، والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 مصوراً بالطائرة، وزيارة عبد الناصر للهند في الستينيات وجميع مراحل بناء السد العالي.