مخرج Contagion ستيفن سودربرغ: سأعتمد طريقة مختلفة في الإبداع
خلال تصوير فيلم التشويق «العدوى» (Contagion) الذي تدور أحداثه حول المخاطر البيولوجية، قرّر ستيفن سودربرغ ألا يقع في «أفخاخ أفلام الكوارث التقليدية وحواراتها المستهلكة». وأضاف من بيفرلي هيلز خلال حديث أجري معه عبر الهاتف: «لا نستخدم مشاهد لا تظهر فيها شخصيات الفيلم الرئيسة. فلا يرى المشاهد مجموعة من الممثلين الثانويين يموتون في باريس أو الرئيس يدلي بكلمة. كذلك، لم نستخدم مشاهد للمدينة التُقطت من طائرة مروحية. قرّرت ألا نلجأ إلى الشخصيات والمشاهد التقليدية».
بتجنُّب الأوضاع التقليدية المألوفة، نجح هذا المخرج في إضفاء لمسة من الواقعية على Contagion. فبدت مقاربته لنهاية العالم حقيقية. ويتضمّن هذا الفيلم عناصر المفاجئة، التي تميّز بها سودربرغ منذ دخوله عالم الإخراج من بابه العريض.كان هذا المخرج (48 سنة)، الذي وُلد في أتلانتا، يبلغ السادسة والعشرين حين فاز بالسعفة الذهبية عن أول فيلم له عام 1989، وهو Sex, Lies and Videotape. قال مازحاً آنذاك: «ستبدأ مسيرتي المهنية بالتقهقر من اليوم فصاعداً». وطوال عقد، تحوّلت دعابته هذه إلى حقيقة. لكن بعد سلسلة من خيبات الأمل، استعاد عافيته في فيلم عن عالم الجريمة ضمّ كلاً من جورج كلوني وجنيفر لوبيز بعنوان Out of Sight. ومنذ ذلك الحين، راح يعمل بحماسة متّقدة. ففاز بجائزة أوسكار أفضل مخرج عام 2000 عن فيلم Traffic. وفي السنة عينها، أخرج فيلم Erin Brockovich، الذي أتاح لجوليا روبرتس الفوز بجائزة أوسكار أفضل ممثلة. فضلاً عن ذلك، حقّقت سلسلة أفلامه المليئة بالمشاهير Ocean’s Eleven أرقاماً خيالية على شباك التذاكر.لا يهدف سودربرغ إلى الشهرة أو المال. فقد استخدم إبداعه في إعداد أفلام فنية بحت وتحف اجتماعية-تاريخية، مثل سيرة الثائر الكوبي تشي غيفارا الذاتية التي أعدها في جزئين عام 2008. وفي مقابلة معه، تحدّث سودربرغ عن الطابع الواقعي الذي صوّر به فيلمه الأخير وأوضح التقارير الأخيرة عن تقاعده الوشيك من عالم التصوير.سيصوِّر سودربرغ ثلاثة أفلام وذكر في هذا الإطار: «نُشرت معلومات متضاربة بهذا الشأن، حتى بات هذا الموضوع أشبه بتسلية لي. لمَ لا نقل إنني سأقوم برحلة أخضع خلالها لجراحة تجميل؟». كذلك شدّد على أنه ما إن ينتهي من تصوير أفلامه الثلاثة التالية (فيلم الجاسوسية والحركة Haywire الذي يبدأ عرضه في شهر يناير المقبل، فيلم الجاسوسية The Man From U.N.C.L.E. عام 2013، وسيرة حياة ليبرايس عام 2014) «حتى يذهب في إجازة، ولن تكون قصيرة».ثمة مبرّر لانسحاب سودربرغ وهو في أوج مسيرته المهنية، على حدّ تعبيره. أضاف: «من النادر أن يواصل الفنان عمله بمستوى عالٍ حتى نهاية حياته المهنية. صحيح أن ذلك ليس مستحيلاً، إلا أننا قلّما نشهده. وأعتقد بأن هذه المهمة تصبح أكثر صعوبة في البيئة التي نعمل فيها اليوم لا أود أن يُقال عني: سقط عن القمة. تكثر هذه الحالة في عالم الرياضة، وهي تثير جنوني».لا يعني التوقّف عن إخراج الأفلام لبعض الوقت أن أفكار سودربرغ المبدعة قد نضبت. يخطّط هذا المخرج لخوض تجربة جدّية في عالم الفنون البصرية. ولفت في هذا السياق: «أنا محظوط جداً لأنني أستطيع التفكير في إتقان أمر آخر غير الإخراج. لا شك في أنه سيكون مرتبطاً بما أقوم به راهناً. لكنني سأعتمد طريقة مختلفة في الإبداع وسأختبر نفسي لأرى إن كنت سأنجح».ويبدو أن نزعة سودربرغ الى اختبار مقاربة مختلفة تؤثّر اليوم في مسيرته كمخرج. فمن الصعب تحديد قاسم مشترك يجمع كل أعماله المتنوّعة. وعن هذه المسألة، قال: «من حسن حظّي أنني لست مضطراً إلى ذلك. وُجّه إلى أورسون ويلز ذات مرة سؤال مشابه، فأجاب: «أنا العصفور وأنتم الخبراء في تصنيف الطيور». لا أعلم».ربما يمكن تصنيف Contagion في خانة الأفلام الاجتماعية ذاتها كما Traffic وErin Brockovich. ويؤدي فيه مات ديمون دور رجل عادي من مينيسوتا تصبح زوجته (غوينيث بالترو) أول ضحية تُصاب بفيروس ينتقل بسرعة في الهواء. وفيما يهرع المجتمع الطبي والمسؤولون الحكوميون حول العالم الى التغلّب على هذا الفيروس المميت والسريع التحوّل، ينشر صاحب مدوّنة (جود لو) معلومات خاطئة ليحقّق مكاسب شخصية. ومن خلال تركيزه على العلوم الحيوية والإجراءات المتّبعة عادة لمكافحة الأوبئة، يصوّر Contagion الأمة كما لو أنها جسم عليل. يصف هذا الفيلم دولة أميركية اجتاحها الارتباك والخوف عندما خرجت الأمور عن السيطرة وصار على الناس العاديين النضال كي ينجوا من مجتمع بدأ ينهار.لفت سودربرغ: «شعرت بأننا نواكب روح العصر، تلك الروح التي تجلّت أيضاً في Traffic. خُيّل إليّ أن الأجواء مليئة بعبق مميز».بدأ عرض هذا الفيلم عشية الذكرى العاشرة لاعتداءات 11 سبتمبر. إلا أن سودربرغ أكّد أن هذا غير متعمّد. وأوضح: «لا أعلّق أهمية كبيرة على الأرقام والتواريخ. غالباً ما أفكّر في تلك الاعتداءات الإرهابية. إذ ظلّت تشغل بالي بعد مرور ثلاث سنوات وسبع سنوات. أعتقد أن الأمة بأكملها ما زالت تحاول فهم ما حدث أنذاك».هل دروس الفيلم معدية؟صحيح أن هذا الفيلم قد يثير مخاوف المشاهدين، إلا أن أهدافه تثقيفية. قال سودربرغ: «إذا وقعت أحداث مماثلة، فسيفكر الناس: «سبق أن اختبرنا تجربة مماثلة. لقد شاهدنا الفيلم». خلال تفشّي مرض H1N1 (إنفلونزا 2009)، ظننت أن المسؤولين لم يتعاملوا مع هذا الوضع الطارئ بفاعلية. لكنني كنت مخطئاً».يقدّم موقع Take Part الإلكتروني (www.takepart.com/contagion) معلومات عن الاستعداد لمواجهة وباء الإنفلونزا، فضلاً عن روابط مع منظّمة الصحة العالمية ومراكز ضبط الأمراض والوقاية منها.أشار سودربرغ: «عندما تُضاء الأنوار، تدرك فوراً أنك برفقة 400 شخص آخر مغطّين بالجراثيم». وإذا تذكّر المشاهد، وفق سودربرغ، ألا يلمس وجهه خلال موسم الإنفلونزا، فقد ينجح في تفادي الإصابة بهذا المرض.ختم سودربرغ، قائلاً: «هذا منطقي. لا ترسل ولدك الذي يعاني الحمى إلى المدرسة. فأنت بذلك تؤذي الآخرين. لا تذهب إلى العمل وأنت مريض. صار بإمكاننا اليوم القيام بالكثير من الأعمال انطلاقاً من المنزل. لهذا السبب ابتُكر برنامج Skype».