تركيا الصاعدة على أكتاف العرب وإسرائيل

نشر في 17-09-2011
آخر تحديث 17-09-2011 | 00:01
No Image Caption
 أنس محمود الشيخ مظهر يجب الإقرار بأن تركيا اليوم تمتلك طرازا جديدا من الساسة ليس على المنطقة فحسب إنما على السياسة العالمية بمجملها، وذلك بمزج الدور التركي التاريخي في قيادة العالم الإسلامي في عهد الدولة العثمانية مع الفكر العلماني الذي تتبناه الدولة التركية بعد زوال الحكم العثماني، وتمكن الأردوغانيين من التعامل مع هاتين النقطتين بحرفية سياسية رائعة لم تستطع أي من الدول الإسلامية مجاراتها في ذلك.

وفي الوقت الذي أدارت تركيا ظهرها لأوروبا وكفت عن لهاثها المستمر وراء دول الغرب للدخول في ناديها فإنها انفتحت على العالم الإسلامي بما تمتلكه من إرث تاريخي عند الشعوب الإسلامية، والتي تعتبرها تركيا من مخلفات حكمها العثماني في ذات الوقت الذي استمرت بالحفاظ على علاقات جيدة مع الدول الكبرى في العالم وفي مقدمتها أميركا.

ويظهر أن طموح أردوغان السياسي لا يقف عند حدود تركيا فحسب، بل يتعداه إلى إعادة بعض أمجاد الدولة العثمانية العتيدة, ولكي يتحقق هذا الطموح فكان لابد لتركيا أن تكسب ثقة الشعوب العربية والإسلامية من جهة، وأيضا تكسب ثقة السياسة الأميركية وترسي علاقات متينة معها من جهة أخرى؛ مبنية على إعطاء الشعور لصانع القرار السياسي الأميركي بأن تركيا هي الحليف الأقوى لها في المنطقة، والتي من الممكن لها الاعتماد عليها كلما احتاجت أميركا لذلك.

ومن المؤكد أن تركيا لم تجد ظروفا أفضل لها من الظروف التي تمر بها الدول العربية الآن، وما تشهدها من ثورات شعبية كي تثبت موقعها في صدارة حلفاء أميركا الأقوياء في المنطقة, مستفيدة من التناقضات الموجودة في منطقة الشرق الأوسط ابتداء من الشعور الإسلامي لشعوب الدول العربية مرورا بوجود إسرائيل، وعزلتها في المنطقة ووجود إيران كدولة شيعية، وانتهاء بالموقف الأميركي تجاه المواضيع الثلاثة هذه.

موقف تركيا من الدول العربية الآن يتحرك بموازاة مع الموقف الأميركي, فاللهجة التركية تجاه ثورات المنطقة تتناغم كليا مع الموقف الأميركي منها ويتبعه في أدق تفاصيلها، ولم نجد الموقف التركي متقدما على الموقف الأميركي في كل هذه الثورات مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الموقف التركي يتميز عن الأميركي في هذا الموضوع في أن اللغة التي تحاور بها الدبلوماسية التركية هذه الشعوب هي لغة تعتمد على العاطفة الإسلامية، التي استطاعت تركيا من خلالها اختراق هذه الثورات لحد استطاعت في كثير من الأوقات كسب ثقتها، والعمل على عقد مؤتمرات لممثلين من هذه الثورات في تركيا، وبذلك ارتفعت أسهم حكومة التنمية والعدالة لدى الشعوب العربية والحكومة الأميركية.

وحتى تتمكن تركيا من كسب العاطفة العربية بشكل أكبر دخلت في معمعة سياسية إعلامية مع إسرائيل التي تعتبرها شعوب المنطقة العدو الأول لها، فشهدنا تصعيدا إعلاميا ضد إسرائيل ابتداء بموضوع سفينة مرمرة، وتصعيد اللهجة السياسية حيالها، وانتهاء بالتهديدات التركية لتوجيه سفن إغاثة لغزة مصحوبة ببوارج بحرية تركية في محاولة لتحجيم إسرائيل في وقت لا تتمكن فيه إسرائيل من الرد بالتصعيد نفسه؛ لإدراكها أن أميركا الآن تحتاج إلى تركيا أكثر من احتياجها لها للحد الذي حدا بالساسة الإسرائيليين أن يصرحوا بأن إسرائيل أصبحت عبئا على أميركا، وأن هذه الفترة هي أسوأ فترة تمر على إسرائيل.

ومن المؤكد أن التعاطي التركي مع إسرائيل ليس بسبب الحس الإسلامي لتركيا أكثر مما هي إزاحة إسرائيل عن طريقها في بناء علاقات قوية مع أميركا، ولكي تصعد في سلم تحالفات أميركا في الشرق الأوسط وتحل محل إسرائيل ضمن الأجندات الأميركية, وبالمقابل فإن أميركا الآن تحتاج حليفا يكون أكثر تأثيرا في المنطقة من إسرائيل، والتي تعيش عزلة كاملة في المنطقة، ولا تستطيع أن تمثل دورا فاعلا في المتغيرات الحالية بحيث تجيرها لمصلحة أميركا في المحصلة مثلما تستطيع تركيا أن تفعل.

* كردستان العراق - دهوك

back to top