علماء تحت راية الإسلام: عمر الخيام... مبدع الرباعيات وعالم الفلك والرياضيات
عرف عمر الخيام كشاعر من خلال عمله الشعري الأشهر "الرباعيات" الذي ترجم من الفارسية إلى مختلف لغات العالم، إلا أن هذا الجانب طغى على جوانب الإبداع في هذه الشخصية متعددة المواهب، وطمسها، فالخيام قبل أن يكون شاعرا كان عالما كبيرا في مجالي الفلك والرياضيات، وله فيهما العديد من الأبحاث والابتكارات التي تجعله من علماء الصف الأول في حضارة الإسلام، فاستحق الألقاب التي صبغها عليه معاصروه كـ"حجة الحق، وسيد حكماء المشرق والمغرب، وسيد المحققين".ولد غياث الدين عمر بن إبراهيم الخيام في أواسط القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي، في عصر كان يعد وبحق قمة تقدم علم الرياضيات في العالم الإسلامي في مدينة نيسابور الإيرانية، حيث تلقى علومه الأولى ونبغ في الرياضيات والهندسة منذ الصغر، وهو ما لفت نظر عالم الرياضيات الكبير الحكيم أبي الحسن الأنباري فقربه إليه.
وتعلم الخيام على يدي الأنباري وعلى أيدي غيره من علماء العصر مبادئ الرياضيات والهندسة والفلك، ومازال صيت الخيام العلمي في انتشار حتى سمع به السلطان الأعظم ملكشاه السلجوقي الذي أدناه وجعله فلكيه الخاص. وبأوامر من السلطان بدأ مساعدة عدد من العلماء في إصلاح التقويم الشمسي، وهو ما أنهاه بعد خمس سنوات من العمل فأخرجه للناس كأول تقويم شمسي هجري تحت اسم "التقويم السلطاني" أو "التقويم الجلالي" المعروف في الغرب بـ"تقويم عمر" نسبة إلى عمر الخيام، وهو التقويم الذي يعد في نظر كل من درس تاريخ تطور العلوم في الغرب أدق تقويم أخرج إلى الناس ويتفوق على التقويم الجريجوري الباباوي المعمول به في التقويم الميلادي الحالي. فقد قام الخيام بإصلاح نظام التقويم الشمسي بشكل غير مسبوق ولا متبوع، فقد جعل السنة 12 شهرا، كل شهر مدته ثلاثين يوما إلا الشهر الأخير فجعله خمسة وثلاثين يوما، على أن تكبس سنة كل أربع سنوات، بينما جعل الخيام أول أيام السنة الجديدة يوم الاعتدال الربيعي الموافق 21 من شهر مارس في التقويم الميلادي.ويعتبر هذا التقويم من أدق التقاويم المعمول بها على وجه الأرض حاليا، حيث تبلغ نسبة الخطأ فيه يوما واحد فقط لكل 3.8 ملايين سنة في مقابل نسبة الخطأ للتقويم الميلادي البالغة يوما واحدا لكل 3300 سنة، لأن تقويم عمر الخيام جعل السنة 365 يوما و5 ساعات و49 دقيقة و5.45 ثوان، وهي بذلك تزيد على السنة الشمسية الحقيقية بمقدار 19.45 ثانية، بينما تزيد السنة الجريجورية عن السنة الشمسية بمقدار 26 ثانية، ما يعني أن السنة الجلالية أقرب إلى الدقة، على الرغم من أن تقويم عمر الخيام أسبق من التقويم الغربي بـ500 عام.وفي مجالات العلوم الأخرى برع الخيام في علوم الرياضيات، واستطاع أن يحفر اسمه في هذا المجال بكتابه "الجبر والمقابلة" الذي وضع فيه حلولا للجذور الثلاثة للمعادلات التكميلية، وهو عمل كبير لم يتوصل إليه أحد من قبله، كما أنه قام بالتعريف بثلاثة عشر شكلا مختلفا من المعادلات التكعيبية، وأعطى حلولا جبرية وهندسية لعدد منها لم يصل إليه أحد من العلماء حتى الآن. كذلك نبغ الخيام في العلوم الطبيعية، فقد اخترع الخيام ميزان الماء المطلق لوزن ورصد الأجسام ووزن الهواء والماء والذهب والفضة وغيرها من الأجسام الدقيقة، وهو الميزان الثالث في التاريخ بعد ميزاني أرشميدس والبيروني.