نتنياهو وأوباما... رصيد غائب من المودة والثقة
ما لم يجد أوباما وبنيامين نتنياهو طريقة للتعاون حول مشروع كبير يضمن تلميع صورتهما معاً ويسمح لكل واحد منهما بالاستفادة من الآخر، فقد تسير العلاقة الأميركية الإسرائيلية على طريق متعرج.
يواجه باراك أوباما مشكلة إسرائيلية، فبعد ثلاث سنوات تقريباً، لا يستطيع الرئيس حتى الآن تحديد ما إذا كان يريد الرضوخ لرئيس الوزراء الإسرائيلي أو الضغط عليه، ومع اقتراب موعد الانتخابات في عام 2012، سيصبح الخيار الأول إلزامياً، غير أن ضمان إعادة انتخاب الرئيس قد يجعل الخيار الثاني ممكناً أيضاً. ليستعد الجميع للمرحلة المقبلة! ما لم يجد أوباما وبنيامين نتنياهو طريقة للتعاون حول مشروع كبير يضمن تلميع صورتهما معاً ويسمح لكل واحد منهما بالاستفادة من الآخر، فقد تسير العلاقة الأميركية الإسرائيلية على طريق متعرج.ترتكز رؤية الرئيس الأميركي عن إسرائيل على واقعين أساسيين: للواقع الأول طبيعة بنيوية وهو يرتبط بالطريقة التي ينظر فيها أوباما إلى العالم، أما الواقع الثاني، فهو ظرفي ويرتكز على نظرته إلى نتنياهو شخصياً وإلى السياسات الإسرائيلية. اتحد هذان الواقعان ليولدا مستوى عميقاً من التوتر الذي يوشك أن يتحول إلى غضب عارم.على عكس بيل كلينتون وجورج بوش الابن، لا يحبذ أوباما فكرة كيان إسرائيل، فعلى الصعيد الفكري، هو يفهم ويدعم معسكر إسرائيل مجازياً (دولة ديمقراطية صغيرة لها ماضٍ غامض وتواجه تهديداً وجودياً)، ولكنه مجرد موقف ظاهري.في المقابل تأثر كلينتون وبوش عاطفياً بالحكاية الإسرائيلية ورؤساء الحكومات الذين سردوا تلك الحكاية، فأصغى كلينتون إلى كلام إسحق رابين (الزعيم الحقيقي وبطل السلم والحرب) كما يصغي التلميذ إلى أستاذ لامع (وقال البعض كما يصغي الابن إلى أبيه). وكتب الرئيس الأسبق في مذكراته: "لم يكن ممكناً ألا أحبه... ونادراً ما أُعجبتُ بشخص آخر بهذه الطريقة".صحيح أن بوش كان يواجه مشاكل كثيرة مع أرييل شارون، إلا أنه كان يحب قصصه عن تاريخ "العهد القديم" وحكايات الحرب في التاريخ المعاصر، فكان بوش يتفاعل من كل قلبه (كما فعل في قضايا كثيرة أخرى) حين يتعلق الأمر بأمن إسرائيل، وفيما كان الرئيس بوش يحلّق مع شارون فوق مساحات إسرائيل الضيقة، قال بتعجّب: "لدينا في تكساس مداخل أوسع من هذه المساحات!".ترتكز وجهة نظر أوباما عن إسرائيل على تقييمه الشامل للصراع وكيفية حل المشاكل، فلم يعتمد أوباما حتماً على فيلم "الهجرة الجماعية" (Exodus) لتكوين رأيه عن إسرائيل، فقد ظهر الإسرائيليون في هذا الفيلم على شكل رعاة بقر فيما كان العرب أشبه بالهنود. كما أنه لا يشعر بالضعف مثل كلينتون أو بوش تجاه "الكتاب المقدس" الذي يعتمده المجمع المعمداني الجنوبي من جهة أو تجاه تعاليم الإنجيل الذي يعتبر إسرائيل "الأرض المقدسة" من جهة أخرى. ترتكز آراء أوباما على معيار مختلف، وهو منطقه الخاص وبيئته الجامعية حيث طور نزعته الفكرية ومعاييره الأخلاقية الخاصة. وفق وجهة النظر هذه، لا يُعتبر الصراع العربي الإسرائيلي نوعاً من الألعاب الأخلاقية التي تضع قوى الخير في وجه قوى الشر، بل إنها حكاية أكثر تعقيداً ولا تتعلق بالأبطال والأشرار بل بصراع بين حقين وقضيتين.إنه صراع حيوي بالنسبة إلى المصالح الأميركية، وقد أصبحت تلك المصالح مهددة بسبب الانقسام القائم بين الأطراف التي تريد حلاً وترغب في تحقيق تقدم جدي والأطراف التي لا تتعامل بجدية مع الوضع لإيجاد الحلول المناسبة وتخطي العوائق، بعد ثلاث سنوات في الحكم، من الواضح أن الرئيس الأميركي وضع الإسرائيليين في خانة الأطراف غير الجدية والفلسطينيين في خانة الأطراف الجدية.تتعزز العلاقة السيئة بين أوباما ونتنياهو بفعل النزعة الشائعة إلى مقاربة وضع إسرائيل من الناحية التحليلية بدل الناحية العاطفية ورؤية الصراع من منظور المصلحة الوطنية بدل الاستناد إلى الناحية الأخلاقية. من المعروف أن أوباما غير معجب بنتنياهو، كما أنه لا يثق به وبآرائه ويعتبره رجلاً مخادعاً. لقد عمد رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى إثارة استياء أوباما وإحراجه وأعاق آماله بإيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، علماً أنه كان يسعى بكل حماس إلى إيجاد الحل المنشود منذ وصوله إلى الحكم لكن من دون وضع استراتيجية فاعلة. ما زاد الوضع سوءاً هو أن نتنياهو تراجع عن خطة تجميد الاستيطان بعد زيارة أوباما مباشرةً، فكان الوضع مهيناً للغاية بالنسبة إلى الرئيس الأميركي.تجدر الإشارة إلى أن التوتر بين الرؤساء الأميركيين ورؤساء الحكومات الإسرائيلية أمر شائع، وتحديداً بين الرؤساء الديمقراطيين ورؤساء الوزراء المنتمين إلى حزب الليكود، وإن ثمة أمرين يمكن أن يحسّنا الوضع، لكن بشكل موقت فقط: يتعلق الأمر الأول بمشروع مشترك يرتبط في العادة بعقد السلام بين العرب والإسرائيليين، حيث يستفيد الطرفان من الوضع ويظهران بصورة إيجابية. تتعدد الأمثلة على ذلك، منها معاهدة السلام التي عُقدت مع مصر برعاية جيمي كارتر ومناحيم بيغين، ومؤتمر مدريد للسلام برعاية جورج بوش الأب وإسحق شامير، وحملة "الحرب على الإرهاب" بين شارون وبوش الابن.أما الصيغة الثانية، فهي لا تحسّن المشكلة بل تلغيها من أصلها، فيتعلق الأمر بالهزيمة السياسية التي تطاول أحد الطرفين وبظهور شخصيات جديدة يمكن أن تنشئ علاقة ثنائية فاعلة. هذا ما حصل تحديداً مع جورج بوش الأب وشامير (فقد نجح كلينتون ورابين في تولي منصبَيهما). في ما يخص علاقة كارتر وبيغين، سرعان ما أصبح رونالد ريغان رئيساً للبلاد (وهو واحد من أبرز الرؤساء المؤيدين لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة). لكن حتى ريغان نفسه اختلف مع بيغين مع أن العلاقة الأميركية الإسرائيلية زادت قوة في تلك الحقبة.أكثر ما يثير الاهتمام في المستقبل القريب هو أن احتمال إنشاء مشروع مشترك فاعل أو تغيير القادة يبقى مستبعداً، ويبقى الملف الإيراني موضوعاً شائكاً وسط هذه المعطيات كلها، فلا يمكن تجاهل الأثر المترتب على أي ضربة إسرائيلية محتملة ضد المواقع النووية في إيران، لكن يعتبر البعض أن تداعيات هذه القضية ستساهم في تقريب المسافة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وتحديداً في حال وجود رد إيراني صارم.في نهاية المطاف، من المتوقع أن تتدهور العلاقة القائمة بين باراك أوباما ونتنياهو لأن الثقة تبخرت بينهما منذ فترة طويلة، فإذا بقي الرجلان في منصبهما في عام 2013، فستستمر لعبة شد الحبال بين الطرفين. بعد العودة إلى السلطة ونظراً إلى استمرار الشكوك ومشاعر الاستياء، لن يكون أيٌّ من الطرفين مستعداً لمد يد المصالحة.في ظل غياب أي مشروع مشترك يجمع الطرفين ونظراً إلى وجود قضايا شائكة عدة تفرق بينهما (مثل الاستيطان وعملية السلام)، ستزداد العلاقات سوءاً وسينعكس هذا الوضع على الروابط الأميركية الإسرائيلية وأمن إسرائيل والمصالح الأميركية، وسيتبدد حتماً أي أمل بإقرار حل الدولتين.