النكتة المحلية أحلى

نشر في 19-11-2011
آخر تحديث 19-11-2011 | 00:01
No Image Caption
 بدرية البشر تقول أشهر نكتة عن الطغاة إن الجنرال الإسباني فرانكو، الذي حكم شعبه بالنار والحديد، كان مريضاً على فراش الموت فسمع جلبة في الخارج فسأل عما تكون هذه الجلبة فقالوا له: هذا الشعب جاء يودعك، فقال: لماذا؟ أين سيذهب شعبي؟ ثم تالياً أصبحت مضحكة هذه الأنا المتضخمة التي تضخمت حتى صارت الوجود كله، صارت المركز، والشعب هو الهامش الذي يدور في فلكه.

اليوم لم نعد بحاجة لهذه النكتة لكي نضحك على دكتاتورينا العرب الذين يتوهمون أنهم مركز العالم والشعب هو الهامش، فقد وصل العرب إلى حالة من الاكتفاء الذاتي في مجال صناعة النكت الساخرة من الدكتاتور، خاصة بعد أن تقدمت النكتة التي تقول إن تونسياً يشتكي لليبي ما حاق بهم قائلاً: هل تصدق أن رئيسنا بن علي بعد ٣٢ سنة قال: «الآن فهمتكم»، فقال له الليبي احمد ربك، فنحن قال لنا رئيسنا: من أنتم؟ أما علي صالح فقد فاق فرانكو الإسباني تضخماً، فالشعب اليمني حين خرج في التظاهرات مردداً: ارحل، رد عليهم: ارحلوا أنتم.

أين يرحل ٢٤ مليون إنسان، هل هو صادق؟ لهذا لم يجد اليمنيون المساكين الذين لم يلتفت أحد إلى ثورتهم ولا إلى دمائهم التي سفحت إلا أن حاولوا الاستعانة بالجن عليه، فرفعوا له يافطة كبيرة تقول: «ارحل شلوك الجن»، وقد استجاب الجن، فرمته بقذيفة مجهولة المصدر قتلت دفاعه وحمل علي صالح إلى الرياض في طائرة شبه ميت، لكنه بعد أشهر عاد يقول لهم إنه مات ١٥ يوماً ثم عاد، وهذا صحيح فقد عاش ١٥ يوماً على الأجهزة يعافر الجن، لكنه عاد وابتلش اليمن به. فالجن نفسه لم تقو عليه. لكن كل النكات، التي خرجت من بطون الثورات العربية تضحك من ألمها وصبرها، لا تعادل نكات المصريين في ثورتهم، فهم الذين رفعوا منذ أيامهم الأولى يافطة جلس تحتها مصري تقول: «ارحل ايدي وجعتني»، والآخر كتب «ارحل الواد مش عاوز يشوفك، مراتي بتولد»، وحين لم يسمع مبارك ولم يرع، قالوا له «طيب خليك آعد احنا جاييلك»، وحين تنحى رفع مصري يافطة تقول «ارجع كنا بنهزر معاك».

يبدو أن صناعة كل شيء يجب أن تكون بعرق جبينك، لا تستطيع أن تعيش الديمقراطية لمجرد أنك تقرأ عنها وتعجبك، لا تستطيع أن تعيش حب الوطن لمجرد أنك تضعه في نشيد وطني لا في عقلك، كل شيء يجب أن يمر من قلبك ثم عقلك وتصنعه يداك. المشكلة أن الخليجيين شعوب استهلاكية، تعتاش على ما يصنعه الآخرون، وتظن أنها متحضرة مثلهم، وربما أحسن منهم، لكن ليس كل شيء قابلاً للاستهلاك، تماماً مثل الفرق بين النكتة المستوردة، والنكتة المحلية.

back to top