الصين لم تعُد قادرة على ادّعاء الفقر

نشر في 29-10-2010
آخر تحديث 29-10-2010 | 00:01
خلال الـ15 سنة المقبلة من المحتمل ان يصبح الاقتصاد الصيني أكبر من الاقتصاد الأميركي
 الغارديان إن أيَّ شخص يتحدث بصورة منتظمة إلى المسؤولين الصينيين سيألف الفكرة القائلة "إن الصين دولة نامية"، لكن شنغهاي, التي زرتها في الأسبوع الماضي تسخر من هذا الوصف المتواضع، ومع طرقاتها السريعة ذات الـ8 حارات, ومترو الأنفاق الحديث والكفء, والمجموعة الضخمة من ناطحات السحاب المضاءة بالنيون, ومطارها الجبار الجديد وفنادقها الأنيقة، فإن العاصمة التجارية للصين متطورة بامتياز.

وبالطبع, توجد في المدينة جيوب فقيرة، وشنغهاي ليست الصين, إذ لايزال يعيش 150 مليون نسمة (من أصل سكان الصين الذين يعدون أكثر من مليار و300 مليون نسمة) بأقل من دولارين في اليوم، وحتى في هذه الحال، فإن إصرار الصين على أنها دولة فقيرة ونامية بدأ يضعف إلى حد ما، لأن الصين بعد كل شيء, بلد يملك أكثر من 2500 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي.

وبطرق مهمة, تعتبر الصين دولة غنية، لكن إصرارها على أنها لاتزال "دولة نامية" تحوّل الى ترس لحماية نفسها من التغيرات السياسية والاقتصادية الحيوية التي تنطوي على أهمية بالنسبة الى بقية دول العالم.

وتقول الصين إنها غير متقدمة الى حد كبير يمنعها من التفكير بالسماح لعملتها بالتعويم بحرية في أسواق تبادل العملات الأجنبية، وبدلاً من ذلك، فإن الصين تدير مستوى عملتها عبر التحكم بالرسملة والتدخل المستمر في أسواق تبادل العملات،  وتمكنت من تحقيق فائض تجاري ضخم، وخلق مصدر رئيسي للتوتر مع الولايات المتحدة, ما تسبب في الحديث عن حرب عملات دولية, وعن انهيار النظام الاقتصادي العالمي.

ولو أن الصين كانت دولة متوسطة الحجم, لكان بوسع العالم تجاهل سياستها المتعلقة بالعملات، لكنها اليوم أكبر مصدر في العالم, وأكبر دولة مصنعة في العالم، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ورغم ذلك، فإنها الدولة التجارية الكبرى الوحيدة التي تستخدم الرقابة على الرسملة من أجل منع عملتها من الارتفاع الى مستويات السوق، وهذا هو الأساس في التوترات الاقتصادية العالمية الحالية.

وحتى الولايات المتحدة لا تطلب من الصين الانتقال الى عملة قابلة للتحويل بصورة تامة بين عشية وضحاها، وقد يكون النظام المصرفي الصيني غير متطور جداً حتى الآن من أجل مواكبة تدفقات "الأموال الحارة" التي سيولدها، لكن من حق بقية دول العالم أن تتوقع من الصين السماح لعملتها بالارتفاع بصورة أسرع, وأن تحدد إطاراً زمنياً من أجل الانتقال الى معدلات تبادل يحددها السوق.

ورغم ذلك، فإنني عندما اقترحت تلك الأفكار أمام مجموعة من الأكاديميين الصينيين في الأسبوع الماضي بمدينة شنغهاي، تلقيت رداً بارداً بشكل واضح وملموس. يومها قيل لي إن الصين إذا سمحت لمستوى العملة بأن يتحدد من قبل الأسواق, فإن الولايات المتحدة ستعمد بشكل متعمد الى استخدام مؤسساتها المالية من أجل زعزعة الاستقرار في الصين، وشيء آخر: إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة الى هذا القدر بشأن التنافسية, لِمَ لا تدفع الى الأميركيين أجوراً مماثلة للمستوى الصيني؟

وقد أظهر ذلك الحوار أن ما يتعين أن يكون قضية اقتصادية فنية -إدارة العملات- أصبح الآن مسألة عاطفية ومسيّسة بقدر كبير.

وفي ضوء هذا الواقع، يبدو الآن أن الدعوة الى تحقيق الديمقراطية في الصين أكثر سهولة من الدعوة الى عملة أقوى.

هذا التناقض عبّر عنه بشكل شخصي رئيس الوزراء الصيني "ون جيابو"، الذي أثار في الأشهر القليلة الماضية ضجة عندما تحدث في مناسبات عدة عن الحاجة إلى انتقال الصين إلى الديمقراطية، وأياً كان ما يعنيه السيد "ون" في حقيقة الأمر، فقد كان اللافت ان الكلمة التي كانت محظورة تماما في وسائل الاعلام الصينية الرسمية أصبحت موضع ترديد وترويج.

ورغم ذلك, فإن السيد "ون" ظل في قضية العملة بالغ التشدد، وقد حذّر في الآونة الخيرة من ان إرغام الصين على تحقيق عملة أقوى يهدد بالتسبب في فوضى اجتماعية ستزعزع استقرار العالم بأسره.

المجادلات المتعلقة بالعملة والديمقراطية متشابهة تماماً، وفي الحالتين يقول الخط الرسمي إن الصين ليست مستعدة بعد، وهي دولة نامية، ولكن في السياسة كما في الاقتصاد, يصبح ذلك الخط أقل إقناعاً مع تحول الصين الى دولة أكثر ثراءً.

وتتمتع الصين اليوم بمعدل فردي للناتج المحلي الاجمالي أعلى من معدل إندونيسيا التي حققت الانتقال من الديكتاتورية الى الديمقراطية.

إن الاستثناء الصيني الحقيقي عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية ليس الفقر النسبي فيها، بل تاريخها المضطرب والمأساوي، وحجمها الكبير وخوف الحكومة من أن يشجع المزيد من الانفتاح في النظام السياسي النزعة الانفصالية في التيبت واقليم زنغيانغ.

وتصر الحكومة الصينية على ان الأجانب ليس لديهم اهتمام مشروع في التطورات السياسية الداخلية فيها، لكن من جديد فإن حجم الصين يجعل من الصعب قبول ذلك الجدال، وخلال الـ15 سنة المقبلة فإن من المحتمل ان يصبح الاقتصاد الصيني أكبر من الاقتصاد الأميركي، وفي تلك المرحلة -وللمرة الأولى في قرن وأكثر من الزمن- سيكون أقوى اقتصاد في العالم غير ديمقراطي، ويتعين أن تستشعر بقية العالم بصورة مشروعة الخطر الناجم عن ذلك.

* جديون راشمان | Gideon Rachman

back to top