الفيلي في دراسة خص بها الجريدة: قرار ترحيل الجلسات منعدم وباطل ويخالف الدستور

نشر في 06-02-2011 | 00:00
آخر تحديث 06-02-2011 | 00:00
يؤكد الخبير الدستوري أستاذ القانون العام في كلية الحقوق د. محمد الفيلي أن قرار ترحيل جلسات مجلس الأمة إلى ما بعد شهر فبراير يثير شبهات دستورية، فضلا عن مخالفته اللائحة التي تشترط التأجيل بعدم وجود مواضيع مدرجة على جدول أعمال المجلس، وفي ما يلي نص الدراسة التي خص بها الفيلي «الجريدة».

قرار مجلس الأمة بالموافقة على الاقتراح بترحيل جلسات مجلس الأمة إلى ما بعد نهاية فبراير يثير تساؤلات عن مدى جواز اتخاذ مثل هذا القرار وآليه اتخاذ مثل هذا القرار حال جوازه وآثار هذا القرار.

اولا: دستورية القرار ومشروعيته: يقرر الدستور حدا ادنى لمدة دور الانعقاد لا تقل عن ثمانية أشهر وفق المادة 85، مع وجوب أن تكون بداية دور الانعقاد العادي في ميعاد معين وفق ما تقرره المواد 86 و87. والعلاقة بين المجلس والحكومة قد تحتاج الى فترات من التهدئة، ولذلك جعل الدستور للحكومة ان ترفع لسمو الأمير مشروع مرسوم في حال التصديق عليه توقف جلسات المجلس لمدة شهر قابلة للتجديد ولكن التجديد يحتاج الى موافقة من مجلس الأمة وفق حكم المادة 106 وكما هو واضح فإن المبادرة في وقف الجلسات ليست لمجلس الأمة فهل يملك مجلس الأمة ان يتخذ بنفسه قرارا من هذا النوع؟ تقرر المادة 71 من اللائحة الداخلية لمجلس الامة: «يجتمع المجلس في جلسة عادية يومي الاثنين والثلاثاء مرة كل اسبوعين وتعتبر جلسة يوم الثلاثاء امتدادا لجلسة يوم الاثنين السابق عليه، ما لم يقرر المجلس غير ذلك او لم تكن هناك اعمال تقتضي الاجتماع». واذا كان النص السابق يجيز للمجلس تقرير «غير ذلك» فإن هذا الاحتمال ينصرف منطقيا لزيادة ايام الاجتماع لأن الخيار الثاني وهو إلغاء تخصيص يوم للاجتماع مرتبط بعدم وجود «اعمال تقتضي الاجتماع». ولذلك فإننا نعتقد ان نص المادة 71 من اللائحة يربط عدم تحديد يوم للاجتماع بفرضية واحدة وهي عدم وجود مواضيع للاجتماع وبالتالي لا يجوز تأجيل او ترحيل الاجتماعات استنادا لها، ما دامت هناك اعمال للمجلس تقتضي الاجتماع. ومع ذلك فقد يفسر المجلس النص السابق على نحو اخر ويقرر ان له الحق في فهم عبارة «ما لم يقرر المجلس غير ذلك» على نحو مطلق وبالتالي فله الحق في تأجيل الاجتماعات او ترحيلها، والمجلس قد يقرر في هذه الحالة تجميع الاجتماعات التي قام بترحيلها في اوقات اخرى او الا يضيف مدة الترحيل الى مدة الثمانية اشهر المقررة كحد ادنى لدور الانعقاد وبالتالي يكمل المدة المرحلة. لو افترضنا سلامة الحل السابق فما هو اسلوب تقرير الترحيل؟

ثانيا: آلية اتخاذ القرار: يرسم الدستور كما اللائحة الداخلية لمجلس الامة اسلوب اتخاذ القرار في مجلس الامة، والاجراءات التي تقررها النصوص تنطلق من اهداف موضوعية تتجسد في القواعد الإجرائية ولذلك قيل إن الشكل هو ثوب المضمون، ونقدم لذلك أمثلة:

- ربط التصويت كأصل عام بوجود الاقتراح على جدول الأعمال الموزع مع الدعوة للاجتماع. والحكم السابق تقرره المواد 72 و76 والحكمة منه هي ربط التصويت بمعرفة الموضوع وبالتالي تكون الموافقة او الرفض بناء على القناعة التي كونها العضو في وقت سابق نتيجة اطلاعه على الموضوع وتدبره فيه.

- إمكان اتخاذ القرار في ما هو غير موجود على جدول الأعمال ولكن بعد أخذ قرار مستقل على إدراجه في جدول الاعمال وفق ما تقرره المواد 76 و181 من اللائحة. وبالرغم من المحاذير التي تنشأ عن هذا الأسلوب فإنه يوفق بين حد ادنى من عدم المباغتة وتوفير الفرصة للمجلس لمواجهة المستجدات.

- وجوب عرض الموضوع المقترح ومناقشته قبل التصويت عليه كأصل عام حتى تكون المواقف متخذة على بينة، ونلاحظ ان جوازية التصويت بدون نقاش كما تقرر المادة 76 استثناء يؤكد الأصل.

- عدم ادارة الرئيس للجلسة عند تقديمه لاقتراح موضوعي باعتبار ان النقاش سيدور فيه وهو ما يجعله، عمليا، مشاركا في النقاش (م 77)، والنص السابق هو تطبيق لمبدأ حياد المنصة. وهذا الحكم لا ينصرف للاقتراحات الإجرائية على نحو ما تقرره المواد 76 و84 مثلا لأن اللائحة تعتبر هذه الاقتراحات من ضمن أدوات الرئيس في الادارة.

ونلاحظ ان اقتراح الترحيل لم يرد في جدول الاعمال، كما لم تتم مناقشته قبل التصويت عليه ولم يحدد اسم صاحب الاقتراح وهو ما دفع بعض الأعضاء لتأكيد ان الاقتراح مقدم من الرئيس وقد قام الرئيس بعرضه بدون فتح باب النقاش فيه، كل الملاحظات السابقة تؤكد ان قرار المجلس شابته مخالفات جسيمة مع شبهة مخالفة بعض احكام الدستور فهل نحن امام قرار منعدم ام نحن امام قرار باطل؟

فعلية التصويت وشبهة الاستناد للمادة 71 تجعلنا مترددين في القول بالانعدام بمعنى صيرورة القرار مجرد عمل مادي.

والقول بالبطلان، وهو ما نعتقد به، يحتاج لجهة ينعقد لها الاختصاص بتقريره وترتيب الآثار العملية عليه. نلاحظ في هذا الصدد ان مكتب المجلس يمكن ان يتولى هذا الاختصاص وفق حكم الفقرة الاولى من المادة 39 ولكن ممارسة هذا الاختصاص تحتاج لقرار من المجلس وبالتالي لا يمكن للأقلية تحريك الموضوع وهذا نقص يلزم تلافيه فلا يجوز قصر الحق في الحصول على الحماية القانونية على الاغلبية، بل ان الحاجة الحقيقية في الحصول على الحماية تنصرف للأقلية وعلى كل حال فإن احترام المشروعية امر مطلوب لذاته. والقرار المشار إليه يثير عددا من الاشكالات من حيث آثاره.

ثالثا: آثار القرار: قرار المجلس بترحيل الجلسات سيئ من حيث هشاشة سنده وعدم وضوح مضمونه فترحيل الجلسات غير محدد المحل، هل محله الجلسات العامة ام جلسات اللجان؟ هل يقاس الترحيل على التأجيل وفق حكم المادة 106 من الدستور ام هو اقرب الى الفترة بين ادوار الانعقاد؟ كما ان توقيت صدوره يجعلنا امام اثرين احدهما متوقع لتداول موضوعه والآخر قد يكون أقل بروزا لعدم التداول فيه ولكنه عظيم الخطر من حيث اثاره المستقبلية؛ نعني بذلك طلب الاستجواب المقدم لوزير الداخلية وطلب التفسير المحال من قبل الحكومة بشأن المسؤولية السياسية لرئيس مجلس الوزراء وهو طلب متشعب يمتد الى علاقة السلطات العامة باستقلال القاضي في قضائه.

أ – طلب الاستجواب: وفق المادة 135 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة كان موجبا تحديد موعد للاستجواب المقدم لوزير الداخلية. ترحيل الجلسات يعوق بالتأكيد تحديد موعد الاستجواب ما لم يقرر المجلس عقد جلسة خاصة لهذا الامر. بغض النظر عن حقيقة الاسباب الدافعة لاتخاذ قرار ترحيل الجلسات فإن اثر قرار الترحيل على موضوع الاستجواب يقود الى مشروعية الاعتقاد أن قرار التأجيل قد اتخذ بغرض تأجيل تحديد موعد الاستجواب.

ب – طلب تفسير الدستور: أحالت الحكومة الى المحكمة الدستورية طلبا لتفسير الدستور (الجريدة 24/1/2011) وبحث هذا الطلب يقتضي عرضه على مجلس الامة فوفق القانون 8/2007 اضيفت للائحة الداخلية لمجلس الامة مادة جديدة تحت رقم 30 مكرر ويجري نصها» يمثل المجلس رئيسه أمام جميع المحاكم في الدعاوى والطلبات التي ترفع منه أو عليه، وله أن ينوب عنه في ذلك أحد أعضاء المجلس أو العاملين فيه أو من المحامين المقيدين للمرافعة أمام المحاكم، وله توقيع صحف الدعاوى.

ويجب على الحاضر عن المجلس أمام المحكمة الدستورية أن يعرض لجميع وجهات النظر المثارة في شأن النزاع المطروح أمامها، وعلى الأخص الرأي الذي يتقدم به عشرة أعضاء على الأقل من المجلس لعرضه على المحكمة. والنص السابق يفترض ان طلب التفسير المحال للمحكمة الدستورية من قبل الحكومة قد تم عرضه على مجلس الامة كي يتسنى للاقلية تكوين وجهة نظر واجبة العرض على المحكمة الدستورية. وقد يقول قائل ان طلب التفسير ليس خصومة يلزم فيها حضور الخصوم ولكن ذلك لا ينفي ان طلب التفسير المقدم هو في جوهره نقاش في اختصاص مجلس الامة واعتراض عليها وبالتالي لا يستقيم بحثه في غيبته.

وقد ربطت المحكمة الدستورية اختصاصها التفسيري المستقل بفكرة المنازعة المستقلة عن الطعن (قرار تفسيري 3/ 1986) كما ان نص القانون المشار اليه لم يقم تفرقه بين طلبات التفسير والطعون. ويترتب من الناحية العملية على النص السابق ان بحث طلب التفسير مرهون ليس فقط بعرض الموضوع على مجلس الأمة ولكن ايضا على ترك مهلة زمنية معقولة كي تقرر الاقلية استخدام حقها في تكوين موقف ترى وجوب عرضه على المحكمة.

وبعد عرض النقاط السابقة نود الوقوف عند بعض الاستفسارات التي تثار حول حق مجلس الأمة في تقرير اجازته البرلمانية وامكان تقرير اوقاتها، وعن امكان استخدام تأجيل الجلسات كأسلوب لتحقيق الملاءمة السياسية.

- الإجازة البرلمانية: رغم شيوع المصطلح السابق فإنه غير مستخدم في النصوص القانونية، التي تستخدم تعبير «بين ادوار الانعقاد». اذا بداية الإجازة البرلمانية يقتضي نهاية دور الانعقاد.

والى جوار الاجازة البرلمانية هناك العطل الرسمية المقررة على مستوى الدولة وتشير المادة 86 من الدستور الى هذا الامر وتقرر مشروعيته.

-الملاءمة السياسية: تقرر اللائحة الداخلية بعض الأدوات القانونية التي تسمح لرئيس المجلس مواجهة بعض حالات انفراط النظام من خلال التهديد برفع الجلسة او رفعها مؤقتا او نهائيا، كما ان الدستور يعطي الحكومة ادوات تسمح لها بتقدير الملاءمة السياسية في استمرار الجلسات في ظروف معينة. قرار المجلس يمثل اضافة جديدة خارج النصوص، وهو امر غير مستحب لأنه يحمل شبهة قلب الادوار فالمجلس يتخذ قرارا كان من المنطقي ان تتخذه الحكومة بنفسها وفق الادوات القانونية التي وفرها لها الدستور.

back to top