استراتيجية أوباما الإيرانية اليائسة
انهيار الجولة التالية من المحادثات قد يؤدي إلى حالة جمود بالغة الخطورة، فقد تبالغ إيران في انطوائها على ذاتها، طالبة من مواطنيها "شد الحزام" وتحمل مشاكل أسوأ بغية صون نقاوة الثورة الإسلامية، أما الولايات المتحدة، فقد يفيض بها الكيل وتتخلى عن جهود أوباما للتقرب من إيران وتبدأ العد التنازلي للمواجهة العسكرية.
يُرجح أن تجلس إيران والولايات المتحدة مع سائر أعضاء مجموعة «الخمسة زائد واحد» (البلدان الدائمة العضوية في مجلس الأمن، فضلاً عن ألمانيا) في جنيف أو فيينا في منتصف شهر نوفمبر لاستئناف المحادثات بشأن برنامج إيران النووي، لكن المؤسف أن إدارة باراك أوباما ستعتمد خلال هذه المحادثات استراتيجية سيكون مصيرها الفشل لا محالة.إن لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لتقر بأن إيران، التي وقعت على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، تتمتع بحق تخصيب اليورانيوم على أراضيها، فلا أمل للمفاوضات بالنجاح، فقد أظهرت سنوات من المناقشات السرية غير الرسمية بين مسؤولين إيرانيين وعدد من الدبلوماسيين الأميركيين المتقاعدين الرفيعي الشأن أن هذه الأزمة لا تُحلّ إلا بتسوية ترضي جميع الأطراف. ولا شك أن التسوية المرضية التي تحتاج إليها إيران تتمحور حول الإقرار بحقها في التخصيب، أما ما يرضي الولايات المتحدة والأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية فيقوم على قبول إيران بخضوع عملها لمراقبة مشددة من قبل محققي الوكالة وفق بروتوكولات جديدة صارمة وشاملة.رغم محاولة أوباما التقرب من إيران منذ توليه منصبه في شهر يناير عام 2009، لم يعلن هذا الرئيس مرةً أن إيران تملك الحق في مواصلة برنامجها لتخصيب اليورانيوم. ولكن في شهر يونيو الماضي، أخبر السيناتور جون بيري المقرب من أوباما، والذي قدم له النصائح منذ دخوله مجلس الشيوخ عام 2004، صحيفة Financial Times أن إيران تتمتع فعلاً بهذا الحق. وفي خطابه الشهير الذي ألقاه في القاهرة في الشهر عينه وحدد فيه رؤيته لعلاقات أفضل بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، ذكر أوباما أن إيران تحتفظ بحق استخدام الطاقة النووية بطرق سلمية.كنت في تلك الفترة في طهران في اجتماع مع علي أكبر رضائي، المدير العام لشؤون أميركا الشمالية والوسطى في وزارة الخارجية الإيرانية، وكان رضائي قد قرأ خطاب القاهرة بتأنٍّ بالغ، فأخبرني: «لم يقل الرئيس أوباما إن من حقنا تخصيب اليورانيوم. لكنه لم يذكر أيضاً أن هذا ليس من حقنا. لا ندري إن كان قد تعمد حذف هذه النقطة. لا نعرف ماذا يجول في خاطره».قد يكون الغموض المبتكر مفيداً أحياناً في المجال الدبلوماسي، ولكن مع اقتراب موعد المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي، آن الأوان للتحدث بوضوح أكبر.في الخريف الماضي، توصلت مجموعة «الخمسة زائد واحد» وإيران، في أول اجتماع لهذه الأخيرة مع الولايات المتحدة خلال ثلاثة عقود، إلى صفقة يُنقل بموجبها ثلثا اليورانيوم الإيراني المنخفض التخصيب (أي نحو 1200 كيلوغرام من الألف والثمانمئة تقريباً التي امتلكتها آنذاك) إلى روسيا وفرنسا. وهناك يخضع للمزيد من التخصيب ويُحوَّل إلى قضبان وقود تُستعمل في مفاعل طهران للأبحاث، وكان هدف هذه الصفقة بناء الثقة، وبتنفيذها لا يتبقى لإيران كمية كافية من اليورانيوم المنخفض التخصيب لبناء قنبلة نووية واحدة، في حال تابعت تخصيب ما تملكه حتى نسب تصلح أن تُستخدم في الأسلحة. ويمكن القول أيضاً إن اتفاق أكتوبر عام 2009 قَبِل من الناحية التكتيكية ببرنامج إيران لتخصيب اليورانيوم، بما أن إيران لم تحتج وفق بنوده إلى وقف برنامجها هذا.إلا أن هذه الصفقة بدت غامضة، ولم ترضِ الجميع، فسقطت ضحية السياسة الداخلية الإيرانية غير الشفافة، إذ عارضها المتشددون والحركة الخضراء المعارضة وآية الله علي حامنئي، المرشد الأعلى الإيراني. كذلك، أخفقت جهود إعادة إحيائها في الربيع الماضي من خلال مناورة دبلوماسية مبتكرة قامت بها تركيا والبرازيل، ويعود هذا الإخفاق في جزء منه إلى أن الولايات المتحدة رفضت الاقتراح التركي- البرازيلي قبل أن يبصر النور.منذ ذلك الحين، تواصل إيران تكديس اليورانيوم المنخفض التخصيب، حتى باتت تملك أكثر من 3100 كيلوغرام، لكن الولايات المتحدة تبدو اليوم مقتنعة بأن العقوبات الدولية المتشددة ستُرغم إيران على القبول بصفقة أقل جاذبية مما رفضته قبل سنة، لذلك، تنوي أن تقترح عليها نقل بين 1800 و2000 كيلوغرام من مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى خارج البلد، أي بزيادة قدرها نحو 50% مقارنة باقتراح السنة الماضية. يشير الخبراء إلى أن صنع قنبلة نووية يتطلب نحو ألف كيلوغرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب، شرط أن يعالج إلى نسب يمكن استعمالها لإعداد الأسلحة، وذلك يعني أن الاقتراح الجديد غير متقن لأنه يترك لإيران كمية كافية من اليورانيوم لصنع قنبلة، في حال قررت ذلك. علاوة على ذلك، لا يقدم هذا الاقتراح لإيران عروضاً أفضل مما جاء في الصفقة التي قبلت بها ثم رفضتها قبل سنة. لكن هذا الاقتراح يبقى خطوة لبناء الثقة، تاركاً التعاطي مع لب المشكلة، الذي يتطلب عملاً مضنياً، إلى مفاوضات لاحقة.ولكن إذا وضع أوباما كل أوراقه على الطاولة (أي أخبر إيران أن بإمكانها الاحتفاظ ببرنامجها مقابل عمليات تفتيش تضمن أنها لن تسعى إلى تطوير سلاح نووي)، يختبر بشكل حاسم استعداد إيران للتوصل إلى تسوية منصفة تنهي حالة الجمود هذه.لا شك أن التوصل إلى خاتمة سعيدة لن يكون بالمهمة السهلة، فمن يتحكمون بكل من الولايات المتحدة وإيران هم متشددون يرفضون أي تسوية مع الطرف الآخر، ولكن بما أن آية الله خامنئي حاكم مستبد، يستطيع على الأرجح تخطي المتمردين أو قمعهم بسهولة. أما أوباما فمضطر إلى مواجهة مجموعة واسعة من المحافظين الجدد والمتشددين الموالين لإسرائيل والجمهوريين الذين قد يهاجمون أي صفقة قد تترك برنامج تخصيب اليورانيوم على حاله، حتى لو أُخضع لمراقبة مشددة، وبعد المكاسب الكبيرة التي حققها الجمهوريون في انتخابات يوم الثلاثاء، باتت حرية أوباما محدودة جداً. فقد بدأت معارضته المحافظة تستعد للضغط على الرئيس في مطلع السنة المقبلة وحمله على التحدث بحزم أكبر عن اتخاذ خطوات عسكرية ضد منشآت إيران النووية. كذلك، تشير صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن البيت الأبيض يناقش راهناً ما إذا كان على الرئيس أن يبدأ اليوم بالتشديد على الخيار العسكري.تذكر إدارة أوباما أن للعقوبات الجديدة القاسية تأثيراً سلبياً كبيراً في الاقتصاد الإيراني، ولا شك أن هذا صحيح، فالخصوم الداخليون لآية الله خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد، بمن فيهم مير حسين موسوي (الذي ترشح ضد أحمدي نجاد عام 2009) وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني (الرئيس السابق الماكر والفاحش الثراء الذي دعم موسوي)، يؤكدون أن العقوبات تؤذي الاقتصاد. ويلومون سياسة أحمدي نجاد الخارجية المغامِرة على قطعها الاستثمارات والتكنولوجيا الغربيتين عن الاقتصاد الإيراني.ولكن من المستبعد أن تنجح العقوبات، مهما كانت صارمة، في إقناع خامنئي وأحمدي نجاد بالتخلي عن برنامج إيران النووي، بما أنهما قادران على استخدام مجموعة كبيرة من رجال الشرطة والوحدات شبه العسكرية لقمع أي اضطرابات سياسية أو إضرابات أو تظاهرات قد تنشأ بسبب البطالة والتضخم.نستخلص من كل ما تقدم أن انهيار الجولة التالية من المحادثات قد يؤدي إلى حالة جمود بالغة الخطورة، فقد تبالغ إيران في انطوائها على ذاتها، طالبة من مواطنيها «شد الحزام» وتحمل مشاكل أسوأ بغية صون نقاوة الثورة الإسلامية، أما الولايات المتحدة، فقد يفيض بها الكيل وتتخلى عن جهود أوباما للتقرب من إيران وتبدأ العد التنازلي للمواجهة العسكرية. لذلك، من المقلق حقاً ألا يتوصل البيت الأبيض إلى أي اقتراح جديد يقدّمه لإيران في جولة المفاوضات المقبلة.*صحافي استقصائي مستقل في العاصمة واشنطن، يكتب في The Nation وRolling Stone وغيرهما من المنشورات. له مدونة بعنوان The Dreyfuss Report، تظهر في موقع TheNation.com. وهو مؤلف كتاب Devil’s Game: How the United States Helped Unleash Fundamentalist Islam.