ميرال... سبب قصّة حب بين يهودي وفلسطينيّة
بعيد فوز الفنان والمخرج المشهور جوليان شنابل بجائزة أفضل مخرج في مهرجان «كان» السينمائي عن فيلمه The Diving Bell and the Butterfly، التقى في روما في ربيع عام 2007 رولا جبريل، صحافية سياسية وشخصية تلفزيونية فلسطينية.قدِم شنابل إلى العاصمة الإيطالية لحضور افتتاح معرض لأعماله الفنية في قصر البندقية (Palazzo Venezia). فحضرت جبريل الافتتاح والعشاء الذي تبعه وكان مخصصاً لعدد من الشخصيات البارزة. وهكذا، تجاذبا أطراف الحديث. وما هي إلا لحظات حتى سألته إن كان يود الاطلاع على نص مستوحى من روايتها «ميرال». تتناول هذه السيرة الذاتية قصة تأسيس ميتم فلسطيني عام 1948 والأجيال الثلاثة من النساء التي علقت على خطوط التماس في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
يخبر شنابل وهو جالس في فندق Raleigh في منطقة الشاطئ الجنوبي في ميامي: «ظننت أن النص لن يعجبني على الأرجح لأن لا شيء ينال إعجابي في الواقع. ولم أرد التصرّف كما لو أنه سيعجبني، فقط لأنها شابة جميلة. أعتقد أن هذا تصرف فظ».صدق حدس شنابل الذي لم يُعجب بالنص الأول. فقال لجبريل: «لا أظنه نصاً جيداً. ولكن يبدو أنه مقتبس من رواية عظيمة. هل يمكنني قراءة كتابك؟». فأرسلت له جبريل روايتها، فعشقها شنابل ووافق فوراً على تحويلها إلى فيلم. وخلال مرحلة الإنتاج، أُغرم شنابل بصاحبة الرواية.أدت علاقة شنابل بهذه الجميلة التي وُلدت في حيفا والتي تصغره بـ22 سنة إلى طلاقه من زوجته الثانية، الممثلة وعارضة الأزياء الباسكية أولاتز لوبيز غارمنديا، التي أنجبت له صبيين توأمين.لكن هذه العلاقة التي دارت في كواليس «ميرال» لا تُعتبر المسألة الوحيدة المثيرة للجدل المرتبطة بهذا الفيلم، الذي يُفترض أن ينزل إلى صالات العرض في الولايات المتحدة في شهر مارس (آذار) المقبل. فلا تؤدي الشخصية الرئيسة «ميرال» (نسخة خيالية من جبريل) ممثلة عربية، بل بطلة فيلم Slumdog Millionaire الممثلة فريدا بينتو. فضلاً عن ذلك، تبدو القصة في معظم تفاصيلها منحازة إلى الرواية الفلسطينية عن هذا الصراع الطويل، الذي بدأ مع ولادة دولة إسرائيل. لكن شنابل، الذي وُلد في بروكلين، يهودي. وكانت والدته رئيسة هداسا- منظمة نساء الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة.قدِم شنابل إلى ميامي للمشاركة في معرض Art Basel Miami Beach وليقدّم فيلمه الجديد ويلتقي بأهم شخصيات عالم الفن المدعوة إلى عشاء يُقام بعد الفيلم في مقرNew World Symphony المذهل، الذي صممه حديثاً فرانك غيري. يوضح هذا المخرج: «أدركت أن هذه المسألة ستثير الكثير من الجدل». وخلال تلك الأمسية، بيعت خمس لوحات لشنابل في المزاد العلني. وهكذا، جمع مليون دولار لـJ/P HR، منظمة إغاثة هايتية أسسها الممثل شون بن والمحسنة ديانا جنكنز بعد زلزال السنة الماضية المدمّر.يذكر شنابل في هذا الصدد: «شون صديق حميم»، مع أنه لا يوافقه الرأي في بعض المواضيع. يشتهر بن بتحدّثه بفخر عن فيدال كاسترو وأخيه راوول (قد يتكلم أيضاً بفخر عن القائد الفنزويلي هوغو شافيز). لكن شنابل عرض بكل وضوح وشفافية المظالم التي عانتها كوبا في عهد كاسترو في فيلمه Before Night Falls. تناول هذا الفيلم الذي عُرض عام 2000 قصة الروائي الكوبي رينالدو أريناس، الذي حظرت الحكومة الكوبية أعماله واضطهدته وسجنته بسبب ميوله الشاذة ومعارضته للثورة. وأدى بن دوراً ثانوية صغيراً في هذا الفيلم. يضيف شنابل: «يدرك بن نظرتي إلى كاسترو. أرفض الجلوس معه إلى الطاولة نفسها، فما حدث في كوبا غير مقبول. زرت هذا البلد قبل سنوات لأحضر مهرجان هافانا السينمائي. كنت أدخن السيجار حين قيل لي إنني إذا أردت التحدّث إلى كاسترو، فعلي وضع السيجار جانباً. لكني رفضت. كان يقف على مقربة مني، غير أنني لم أودّ تجاذب أطراف الحديث معه».على رغم ذلك، لا يود شنابل أن يوصف بالمعادي لنظام كاسترو أو الموالي للقضية الفلسطينية والمناهض لإسرائيل، أو حتى العكس. يوضح: «لا أريد أن أمثّل اليمين أو اليسار. فعندما أخرجت فيلم Before Night Falls، لم أشأ أن يعتبرني الناس مناهضاً لنظام كاسترو. أردت أن أعرض فحسب وجهة نظر رينالدو أريناس. وهذه كانت أيضاً مقاربتي لرواية {ميرال}. وددت التحدّث عن أناس حقيقيين عالقين وسط صراع دموي. وقد تعلّمت الكثير خلال إنتاجي هذا الفيلم».يؤكد شنابل أنه الشخص المناسب ليروي القصة الفلسطينية بما أنه يهودي: «فلو أخرج هذا الفيلم فلسطيني، لقال الناس: لا شك في أن النقمة تعتمل في قلبه».على غرار الكتاب، يبدأ فيلم {ميرال} عام 1948 مع اندلاع أعمال العنف في القدس. ويروي قصة هند حسيني، التي تعثر على 55 ولداً مشرداً فتأويهم، مؤسِّسة في النهاية دار الطفل للأيتام في ما كان سابقاً منزل عائلتها. بعد سنوات، تنتحر والدة جبريل في البحر بعد أن عاشت حياة مضطربة نتيجة اغتصاب والد أمها المتكرر لها. فيصطحبها والدها إلى هذا الميتم.في الفيلم، تؤدي جبريل نفسها دور الأم التي تسير نحو البحر وتغرق فيه. يخبر شنابل: «لا تجيد الفتاة التي كان يفترض بها أداء دور الأم السباحة. ومع أنني أرغمتها على أخذ دروس في السباحة كي تتمكن من النزول عميقاً في المياه، لم تفلح. لذلك طلبت من رولا جبريل في النهاية أن تمثل مشهد انتحار والدتها. الفيلم مؤثر جداً. لقد فطرت القصة بأكملها قلبي. ولهذا السبب حوّلتها إلى فيلم».ولكن هل قلق شنابل حيال رأي أمه في هذا الفيلم؟ فيصف البعض فيلم «ميرال» بأنه متحيز وغير عادل لأنه لا يعكس أيضاً مأساة الإسرائيليين.عن هذه المسألة يقول شنابل: «من المستحيل إنتاج قصة شاملة عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لذلك أخبرت قصة تلك الفتاة بالتحديد. أدرك أن أمي رغبت في بناء عالم مثالي في إسرائيل، دولة ديمقراطية حيث يستطيع اليهود العيش بسلام وازدهار. وهذا ما أوده أنا أيضاً. وكما قال (المخرج) جان رينو، تكمن المشكلة الرئيسة في العالم في أن «لكل إنسان أسبابه». ولكن ما من سبب يبرر موت طفل، سواء كان إسرائيلياً أو فلسطينياً. تحوّل المجتمع المدني إلى رهينة بين يدي المتعصبين من كلا الطرفين».لا شك في أن شنابل محق. ولكن ما كانت والدته، التي توفيت عام 2002، لتقول في هذا الصدد؟ يخبر: «التقيت بخالتي قبل يومين. فقد قصدت منزلها في بالم بيتش. تبلغ 92 سنة. وأكدت لي أن والدتي كانت ستفخر بي».