بدعة «المصادر الجامعية المطلعة»

نشر في 10-08-2010
آخر تحديث 10-08-2010 | 00:01
 د. صلاح الفضلي في العادة عندما يريد أحد السياسيين أن يعبِّر عن موقف ما أو يسرب معلومة معينة دون أن يكشف عن هويته، فإنه يتخفى خلف مسمى "مصادر سياسية مطلعة"، هذا الأمر معروف ومفهوم في الحقل السياسي، لكن أن يتخفى مسؤول أكاديمي في جامعة الكويت خلف ستار "مصادر جامعية مطلعة" فهذه بدعة كويتية جديدة، تنم عن جبن هذه المصادر وخوفها من إظهار هويتها.

في الأسبوعين الماضيين ازدادت بدعة "المصادر الجامعية المطلعة" ظهوراً، خصوصاً بعد صدور حكم محكمة التمييز بإلغاء قرار مدير الجامعة بمعاقبة كاتب المقال، وأصبحت وثائق الجامعة، التي دائماً ما كان يقال لنا إنها سرية، "سمردحة" تُسرّب إلى الصحف جهاراً نهاراً، ومن بين ما سربته "المصادر الجامعية" إياها "تفويض مزعوم" من قبل وزير التربية الأسبق د. عبدالله الغنيم لمديرة الجامعة السابقة د. فايزة الخرافي، في محاولة للإيحاء بأن عدم تقديمه إلى المحكمة هو الذي تسبب في خسارة الجامعة للدعوى، وهو عذر أقبح من ذنب، فلماذا لم يقدم "التفويض المزعوم"- طوال ثلاث سنوات ونصف السنة هي مدة نظر الدعوى- إذا كان سيقلب الموازين، وما الجهة المسؤولة عن ذلك والتي حاولت "المصادر الجامعية المطلعة" في تصريحها إلقاء اللوم عليها؟ هل هي الإدارة القانونية في الجامعة أم إدارة الفتوى والتشريع؟ وأين كانت إدارة الجامعة كل هذا الوقت لكي تفاجأ بأن التفويض لم يقدم إلى المحكمة؟ من الواضح أن "المصادر الجامعية" لا تريد أن تقع في مشكلة مع إدارة الفتوى والتشريع إذا ما كشفت هوية هذه المصادر، لأن في التصريح تلميحا للفتوى والتشريع بالتقصير، وهو الأمر الذي بالتأكيد لن تسكت عنه الفتوى والتشريع.

هناك احتمالات عدة لعدم تقديم "التفويض المزعوم" من قبل جامعة الكويت إلى المحكمة، وأول هذه الاحتمالات أن يكون "التفويض المزعوم" مزوراً، وبالتالي لا يمكن تقديمه إلى المحكمة لأنه "مضروب"، وإلا يصبح حال الجامعة مثل حال المثل الذي يقول "يا أم حسين كنا بواحد صرنا باثنين".

أما الاحتمال الثاني، فهو أن الإدارة القانونية في الجامعة تعلم أن "التفويض المزعوم" منتهي الصلاحية ولا يعتد به، ولذلك لم تجرؤ على تقديمه إلى المحكمة، لأن في تقديمه إدانة للإدارة الجامعية بأنها تعمل بتفويض "بايت".

الاحتمال الثالث هو أن الإدارة القانونية في الجامعة "ما تعرف رجلها من حماها"، ولا تفقه أبجديات التقاضي أمام المحاكم، ولا تعرف أي قدميها أطول، ولذلك فهي كما قال حكم محكمة التمييز "نكلت عن تقديم التفويض المزعوم".

إذن كل الخيوط تنتهي عند الإدارة القانونية في الجامعة، التي بدلاً من أن تبدي الرأي القانوني في هذه القضية وبقية القضايا بتجرد أصبحت مثل الخياط الذي يخيط لصاحب الثوب ما يريد، فهي تجعله قصيراً إلى الركبة إذا أراد "المعزب" ذلك، وهي مستعدة لجعله متدلياً إلى الأرض إذا ما قرر "المعزب" ذلك أيضاً، فهي تتصرف وفقاً لقاعدة "أنا عبد المأمور". وغير بعيد عن هذا السلوك مستشارو مدير الجامعة الذين أكل عليهم الدهر وشرب، والذين جل ما يهمهم المحافظة على "أكل عيشهم".

"المصادر الجامعية" إياها لم تكتف بتسريب وثائق الجامعة والرد على الأحكام القضائية على صفحات الجرائد، بل أصبحت ترد حتى على تصريحات النواب، فهذه المصادر "الشجاعة" والمطلعة جداً- وهنا بالتأكيد لا أقصد مكتب مدير الجامعة- ردت على تصريح النائب حسن جوهر الذي طالب فيه وزيرة التربية موضي الحمود بإقالة مدير الجامعة على خلفية حكم محكمة التمييز، واتهامه بأنه يصفي حسابات شخصية مع مدير الجامعة. هل هكذا إدارة جامعية تتعامل بطريقة "الدس" والتخفي والتسريب تستحق مجرد التفكير في التجديد لها، أم هي إدارة فاقدة الأهلية، ابتليت الجامعة بها طوال أربع سنوات عجاف، وحان الوقت لكي ترحل بأسرع ما يمكن، لأن إكرام الميت دفنه؟

تعليق أخير: إدارة الجامعة لم تنفذ حتى الآن حكم محكمة التمييز، ونتمنى أن تثبت هذه الإدارة على موقفها "العقلاني" هذا، حتى يتم عزلها بحكم قضائي لعدم تنفيذها للأحكام القضائية النهائية، كما حدث مع وكيل وزارة الصحة الأسبق عبدالرحيم الزيد، وهو الأمر الذي تسبب في إطاحة وزير الصحة الأسبق د. محمد الجارالله في الاستجواب الذي قدمه النائب بورمية... ورحم الله الشاعر حيث يقول:

لكل داء دواء يستطب به       إلا الحماقة أعيت من يداويها

back to top