أيرلندا بين مطرقة الأزمة الاقتصادية وسندان المعونة الأوروبية

نشر في 24-11-2010 | 00:01
آخر تحديث 24-11-2010 | 00:01
تتجه إلى دمج البنوك بعد قرارات التأميم وضخ السيولة في القطاع المصرفي
أخيرا، وبفعل الضغوط الهائلة الناتجة عن العجز القياسي في ميزانيتها العامة والتدهور غير المسبوق في المراكز المالية لمصارفها، تخلت ايرلندا عن تحفظها عن قبول مساعدات مالية خارجية تعينها على تجاوز محنتها الاقتصادية، وذلك بإعلان رئيس حكومتها برايان كوين أن بلاده تقدمت بطلب رسمي للحصول على دعم مالي سخي من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لدعم قطاعها المصرفي المتعثر وتمويل العجز في ميزانيتها العامة، وكان خبراء اقتصاديون قد أكدوا منذ مطلع الشهر الجاري أنه لم يعد أمام ايرلندا خيار غير قبول الأموال من الخارج، وهو الخيار الذي كانت الحكومة الايرلندية قد حرصت على استبعاده رغم متاعبها، وذلك لتفادي الشروط التي قد ترتبط بها قروض الاتحاد الأوروبي أو الصندوق الدولي، والتي قد تتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية في ما يتعلق برسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

وساطة بريطانية وحذر من ألمانيا

ويعود الفضل في إقناع الحكومة الايرلندية بالتراجع عن موقفها الرافض للمعونة الخارجية إلى المملكة المتحدة، التي لعبت دور الوسيط النشيط بين دبلن والمفوضية الأوروبية في بروكسل. وتجدر الإشارة إلى أن من شأن تحسن الحالة الاقتصادية في ايرلندا أن يعود بمنافع مباشرة على المملكة المتحدة، وذلك نتيجة للعلاقات الاقتصادية الوطيدة بين البلدين، ويرجع الخبراء الاقتصاديون الجزء الأكبر من متاعب الاقتصاد البريطاني إلى الصعوبات التي تواجهها ايرلندا، كما تخشى لندن من أن يؤدي ضعف حكومة دبلن إلى دعم قوة الجناح الراديكالي الذي يدعو إلى ضم ايرلندا الشمالية إلى جمهورية ايرلندا. بينما يشير آخرون إلى حساسية ايرلندية من المساعدة الأوروبية بسبب ما يصفونه بالهيمنة الألمانية على الاتحاد الأوروبي، وهم الذين يتهمون الشركات الألمانية بلعب دور نشيط في التوسع العقاري المفرط في ايرلندا الذي تسبب في الأزمة الراهنة.

وكان كوين قد انتظر طويلا قبل أن يناشد الايرلنديين مساعدته في خطة التقشف المرتقبة، حيث أعلن هذا الأسبوع أن حكومته تخطط لاستقطاع 6 مليارات يورو من الموازنة المالية الجديدة التي تبدأ في ديسمبر المقبل، ونحو 15 مليار يورو من موازنات السنوات الأربع المقبلة، لتلبية متطلبات سداد القروض الدولية، فضلا عن خطة رباعية لخفض العجز وخطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، مما يشير إلى احتمال دمج عدد من الوحدات المصرفية وتدابير إضافية لدعم الاقتصاد الايرلندي.

ثبات الضريبة على الشركات

ولكن الحكومة الايرلندية مازالت عند وعدها بعدم زيادة معدل الضريبة على الشركات، وهذا أمر لا يحبذه الاتحاد الأوروبي، فمعدل الضريبة هذا يعتبر متدنيا وفقا للمقاييس الأوروبية، حيث يبلغ 12.5 في المئة، وتبدي دول الاتحاد الأوروبي وخاصة ألمانيا وفرنسا امتعاضا من هذا المعدل المنخفض، لأنه يعطي أيرلندا ميزة تنافسية غير عادلة في مواجهة باقي الشركات الأوروبية. لكن أكثر من مسؤول ايرلندي من بينهم رئيس الوزراء ونائبته ماري كوجلان ووزير الشؤون الأوروبية في ايرلندا ديك روتش كانوا قد أعلنوا أن معدل الضرائب على الشركات أمر غير قابل للتفاوض، ولكن في المقابل ستتخذ الحكومة الايرلندية سلسلة إجراءات تقشفية مرغوبة من قبل دول منطقة اليورو، من بينها إعادة مستويات ضريبة الدخل إلى ما كانت عليه في عام 2006، ومن المتوقع أن تكشف دبلن عن خطتها التقشفية للسنوات الأربع المقبلة اليوم الأربعاء.

ووفقا لوزير المالية الأيرلندي بريان لينهان فإن حكومته ستطلب أقل من 100 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، اللذين قدما في مايو الماضي 110 مليارات يورو لمساعدة اليونان في اجتياز أزمتها المالية. وتأمل الحكومة الايرلندية ألا تضطر إلى إجراءات تقشفية قاسية على غرار تلك التي أقدمت عليها أثينا، ذلك أنها قد تزيد ضعف موقفها في السلطة، خاصة أن شعبية الحزب الحاكم قد تدنت في استطلاعات الرأي منذ مطلع عام 2009 إلى أدنى مستوياتها، واحتل الحزب المرتبة الثالثة بعد أن كان يحتل المرتبة الأولى، وتواجه الحكومة ضغوطا شعبية هائلة تطالب برحيلها عن السلطة. وقد وعد رئيس الحكومة مؤخرا بأنه سيحل حكومته بمجرد الانتهاء من عملية التصويت على ميزانية عام 2011، والمقرر إجراؤها في الأسبوع الأول من ديسمبر هذا العام.

وكانت الأزمة المالية لأيرلندا قد ازدادت سوءا بعد اكتشاف فضيحة القروض السرية لأكبر بنوكها، وهو البنك الانكليزي الايرلندي (أنجلو آيرش بانك) الذي اضطرت الحكومة إلى تأميمه في مطلع عام 2009، وتفاقمت الأزمة في سبتمبر الماضي عندما اضطرت دبلن إلى التدخل لتوفير مساعدة قدرها 45 مليار يورو لخمسة بنوك أيرلندية لتفادي إفلاسها. وأدى هذا الدعم إلى ارتفاع العجز في الميزانية العامة إلى 32 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن الحد الأقصى المسموح به للعجز في ميزانية أي دولة من دول منطقة اليورو، وأيرلندا واحدة منها، هو 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وكانت ايرلندا قد أعلنت اثر ذلك التدخل أنها تسعى إلى الوصول بقيمة عجز الميزانية إلى أقل من الحد الأقصى بحلول عام 2014.

أهداف المساعدة الأوروبية

وتهدف حزمة المساعدات المالية الأوروبية، التي أقرها وزراء مالية الاتحاد الأوروبي يوم الأحد الماضي، إلى تحقيق عدة أهداف أهمها:

1- تهدئة مخاوف المستثمرين في أسواق الأوراق المالية الذين سعوا إلى التخلص من سندات الدين الأيرلندي السيادية، التي ارتفع معدل الفوائد التي تحققها فئة العشر سنوات من هذه السندات إلى أعلى من 9 في المئة هذا الشهر بسبب ارتفاع معدل المخاطر المرتبطة بهذه السندات.

2- الحد من عملية نزوح المدخرات من النظام المصرفي الايرلندي، حيث شهدت بنوك أيرلندا نقصا كبيرا في حجم الودائع، وكان مسؤولون في أكبر مصارف ايرلندا قد ذكروا أن حجم الودائع انخفض بمقدار 17 في المئة منذ يناير الماضي.

3- الحد من مظاهر فقدان الثقة باقتصادات الدول الأخرى الأعضاء في منطقة اليورو التي تعاني مصاعب مالية مشابهة، ولكنها لم تصل بعد إلى حد الأزمة اليونانية أو الايرلندية، مثل البرتغال وإسبانيا وايطاليا. وكان وزير المالية البرتغالي قد ذكر أن بلاده من بين اشد المتضررين بالأزمة الأيرلندية، نظرا إلى تشابه ظروفها مع ايرلندا واليونان، بينما أعلن محافظ بنك اسبانيا المركزي حزمة إجراءات عاجلة وموسعة للسيطرة على المشكلة الاقتصادية، مشيرا إلى أن أحد أهم أسباب تفاقم أزمة أيرلندا هو تلكؤها في اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة.

4- دعم سعر صرف اليورو حفاظا على القوة الشرائية للدول الأعضاء في منطقة اليورو التي تتميز بارتفاع معدلات التجارة البينية بين دولها، رغم أن بلدانا داخل الاتحاد الأوروبي، ومن بينها فرنسا، لا ترى ضيرا في انخفاض هذا السعر من أجل تعزيز القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي على صعيد الأسواق العالمية.

أسباب الأزمة الراهنة

وتعود الأزمة المالية الراهنة في ايرلندا إلى عام 2008، فمع تفاقم أزمة الرهن والائتمان العقاري الأميركية، تبينت هشاشة النظام المصرفي الايرلندي الذي توسع على نحو هائل في منح الائتمان العقاري خلال سنوات الرواج الكبير في الفترة ما بين عامي 1995 و2007، مما أدى إلى تعرض الاقتصاد الايرلندي لأول حالة ركود اقتصادي له منذ عقد الثمانينيات من القرن العشرين، حيث انتشرت حالات الإعسار في القطاع العقاري الذي يزيد عدد وحداته الشاغرة على ربع مليون وحدة تم بناؤها خلال فترة الرواج الاقتصادي التي سبقت الأزمة، كما تدهورت مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي، وتصاعدت معدلات البطالة، وتراجع مؤشر بورصة دبلن من نحو 10 آلاف نقطة قبل الأزمة إلى أقل من ألفي نقطة بحلول عام 2009.

وكانت أيرلندا أول دولة في منطقة اليورو، التي انضمت إليها في عام 1999، تدخل حالة الركود الاقتصادي منذ شهر سبتمبر 2008. ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية ظهرت متاعب الميزانية العامة وأقفلت العديد من الشركات أبوابها وغادر المهاجرون ايرلندا واضطر مسؤولون ماليون كبار إلى الاستقالة. ومع الإجراءات التقشفية للحكومة الايرلندية، التي شملت إعادة هيكلة الرواتب، وإغلاق عدد من معسكرات الحراسة على حدودها مع ايرلندا الشمالية، وإلغاء تطعيم طلبة المدارس، وطرح مشروع إلغاء بطاقات الرعاية الصحية وإعادة العمل بنظام رسوم التعليم الجامعي، شهدت البلاد سلسلة من الاعتصامات والتظاهرات على مدى عام 2009، وكان من بين الشعارات التي رفعها المتظاهرون "التعليم حق وليس منحة حكومية".

الاقتصاد الأيرلندي

ايرلندا دولة صغيرة نسبيا يصل عدد سكانها إلى نحو 4.5 ملايين نسمة، وكانت تتمتع حتى عام 2007 بمعدل نمو اقتصادي عال ومستقر وصل متوسطه السنوي إلى نحو 10 في المئة، ومتوسط دخل الفرد الايرلندي هو الثاني بعد لوكسمبورغ من حيث الارتفاع في أوروبا، وهي غنية بالموارد المعدنية، ويحقق قطاع التعدين نحو 25 في المئة من القيمة المضافة، بينما تحقق الصناعة التحويلية، وهي أحد أهم الأنشطة في البلاد حيث تشتهر ايرلندا  بصناعة البرمجيات، نحو 22 في المئة، بينما تساهم أنشطة الخدمات السياحية والتجارة والنقل والمواصلات بنحو 20 في المئة، والنشاط العقاري بنحو 10 في المئة، أما النسب المتبقية فتحققها الزراعة والثروة السمكية والأنشطة الأخرى.

back to top