(11/ 9) بعد 9 سنوات: أحداث ونتائج وعبر

نشر في 15-09-2010
آخر تحديث 15-09-2010 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري مرت 9 أعوام حافلة بأحداث جسام على هجمات (11/ 9)، 19 انتحارياً عربياً ضربوا برجي الشموخ الأميركي وأسقطوا 3000 ضحية بريئة، فرح الأنصار والأتباع بنصرهم وسموه "غزواً مباركاً"، ووصفوهم بـ"العظماء الـ19"، واحتفلوا وتبادلوا التهاني سراً وعلانية، تلك الاعتداءات كانت نقطة تحول في تاريخ أميركا والعالم، كانت زلزالاً هز أميركا- حكومة وشعباً- له توابعه وتداعياته التي شملت العالم كله، وإذا كان الهجوم الياباني المباغت على الأسطول الأميركي في "بيرل هاربر" 1941 زلزل أميركا ودفعها إلى تغيير سياستها والدخول في الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور وضرب اليابان بأول قنبلتين نوويتين، فكذلك الهجوم القاعدي المباغت، إذ كان هو الدافع في انطلاق المارد الأميركي الجريح في كرامته طلباً للثأر والانتقام، فغيرت أميركا سياستها من الحفاظ على الأوضاع القائمة في المنطقة ضماناً للاستقرار في مواجهة النفوذ الروسي إلى سياسة التدخل وتغيير الأنظمة القائمة باعتبارها البيئة المنتجة للمعتدين، وتبنت خطة (الحرب الاستباقية) فلاحقت المعتدين إلى عقر دارهم ودمرت أوكارهم سعياً لتغيير البنية التي أفرزت الإرهاب، وكان من تداعياتها:

1 - غزو أفغانستان ودك دولة "طالبان" وتشريد "القاعدة" وزعيمها وتعقب فلولها واصطيادهم ونقلهم مصفدين إلى أقفاص غوانتانامو الرهيبة، وكان من نتائجه: القضاء على دولة كانت ترعى "القاعدة" وتوفر لها الملاذ الآمن ومعسكرات تدريبية يتوافد عليها شباب العالم الإسلامي، وضاعت الدولة "الحلم" التي هي النموذج الأعلى للتيارات والرموز المتشددة كافة، واسترد الشعب الأفغاني حريته، لكن أكثر الناس فرحاً كانت المرأة التي خرجت من محبسها إلى عملها ومدرستها.

2 - غزو العراق وإسقاط نظامه القمعي وحل البعث، وكان من نتائجه: استعادة العراقيين حرياتهم التي حرموا منها طويلاً، وتم وضع دستور جديد وجاءت حكومات منتخبة وحصل الأكراد على الحكم الذاتي، وتنفس الكويتيون الصعداء وأمنوا، وتخلص الخليجيون من جار كان مصدر تأزم.

3 - تشجيع دول المنطقة وتكثيف الضغوط- أحياناً- لإدخال إصلاحات شاملة على بنيتها السياسية والاجتماعية- ظناً بأن الإرهاب إفراز لبيئات قمعية متعصبة محرومة من نور الديمقراطية والثقافة المنفتحة- وكان من نتائجه: أن شهدت المنطقة حراكاً سياسياً واسعاً حول الإصلاح امتد من نواكشوط إلى الدوحة عبر مؤتمرات للديمقراطية ومنتديات للحوار بين الأديان، كان للعاصمة الدوحة النصيب الأوفر في احتضانها، وانشغلت المنطقة بجدلية الإصلاح، وهل يكون بأيدينا أو بيد عمرو... حتى صرح عمرو موسى بأن السماء تمطر مبادرات، شمل هذا الحراك الميادين كافة، ففي الميدان التربوي: قامت حركة نشطة لمراجعة المناهج التعليمية بهدف تطويرها وتنقيتها من بذور التطرف والتعصب والكراهية، وتم إبعاد المدرسين الذين خطفوا المناهج لمصلحة أجندات إيديولوجية، وفي الميدان الديني: شهدت المنطقة مؤتمرات تعنى بتجديد الخطاب الديني وتضمينه قيم التسامح وقبول الآخر، وأنشأت الكويت مركزاً عالمياً لتعزيز الوسطية كما أنشأت قطر مركزاً لحوار الأديان واستقطبت الدوحة معظم مؤتمرات حوار الأديان والمذاهب، وعملت دول المنطقة على ضبط العمل الخيري حتى لا يستغل في تمويل الإرهاب، وأبعد آلاف من الأئمة والخطباء عن منابر التوجيه ووضعت ضوابط للحد من فوضى الفتاوى.

 وفي الميدان الاجتماعي: حصلت المرأة الخليجية على حقوقها السياسية وأصبحت قاضية ووزيرة وصدرت تشريعات للأسرة أكثر توازناً، وفي الميدان السياسي: حصلت انفراجات سياسية وشهدت الأرض العربية ولأول مرة انتخابات نزيهة أوصلت نواب "الإخوان" إلى مجلس الشعب المصري وأفرزت الانتخابات الفلسطينية وصول "حماس" إلى السلطة، وما كان ذلك ممكناً لولا الضغط الخارجي، وأنشئت جمعيات لحقوق الإنسان ونعمت المنطقة بربيع الديمقراطية الذي لم يستمر طويلاً.

 وعلى المستوى العالمي توحد العالم في حربه على الإرهاب وقطع تمويله ومطاردة خلاياه، وأفلحت الأجهزة الأمنية في العديد من الدول في إجهاض المئات من العمليات، اليوم وبعد مرور 9 سنوات: كيف أصبحت صورة الإسلام؟ وكيف أصبح المسلمون؟ لا شك أن هجمات 11/ 9 وتوابعها في العواصم الأوروبية والإسلامية، ألحقت أبلغ الإساءات بالإسلام وشوهت صورته لدى العالم وقدمت خدمة كبرى لليمين الأوروبي المتطرف فاستغلها للإساءة إلى الإسلام ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، كما وظف تلك الأعمال للتخويف من المسلمين في الغرب فأصبح المسلم محل شك وريبة، لكن الله عز وجل ناصر دينه، والإسلام بقواه وخصائصه الذاتية يكسب كل يوم أفئدة وعقولاً، والمسلمون في ازدياد في الغرب وأميركا، وإذا كانت "القاعدة" فرحت بإدماء أنف المارد الأميركي واحتفلت به، فإن المسلمين هم الذين دفعوا الثمن الأفدح وهم- اليوم- المبتلون بنار الإرهاب المشتعلة في ديارهم، وآلاف الأبرياء من المسلمين وغيرهم تساقطوا ومازالوا يتساقطون، خصوصاً في الشهر الفضيل، ضحايا للأعمال الإرهابية، ولم تفلح "القاعدة" في تنفيذ عمل إرهابي آخر ضد أميركا على امتداد السنوات التسع، فانقلبت على المسلمين قتلاً وتفجيراً، لا تراعي حرمة لشهر ولا قدسية لمكان ولا كرامة لنفس معصومة، تقتل المسلمين بالجملة في السوق والمسجد والمطعم حتى مجالس العزاء والمقابر لم تسلم.

 تأمل اليوم أحوال المسلمين وانظر على امتداد الساحة ولك أن تتساءل كما تساءل عائض القرني- مستنكراً- ماذا أصاب أمة الإسلام؟! وقال: انظر إلى خارطة العالم فستجد أن القتل والتدمير والتفجير في الدول الإسلامية! وعلى الجانب الآخر، في أميركا حيث رئيس يمجد الإسلام ويتودد للمسلمين، مازالت المشاعر العدائية باقية في نفوس البعض، ولم يفلح مرور السنوات التسع ولا جهود المسلمين المبذولة هناك في تهدئتها، ولأن العيد يتزامن مع ذكرى اليوم الحزين فإن المسلمين في أميركا قرروا عدم الاحتفال والاقتصار على المراسم الدينية، مراعاة للمشاعر الحزينة، لكن قارن هذا الموقف الإنساني الحضاري بموقف هذا الذي بلغ به الغل أن صرح بأنه سيحرق نسخاً من كتاب الله تعالى في الذكرى التاسعة لهجمات سبتمبر!

يتطاول على كتاب الله! ألا يخشى أن يخسف به جبار السموات والأرض؟!

خلال السنوات التسع تسارعت الأحداث وأفرزت نتائج بعضها لا يسعدنا، وتغيرت الدنيا التي عهدناها إلى دنيا يهيمن عليها الهاجس الأمني وأصبح الإنسان مراقباً وملاحقاً في المطارات والفنادق والشوارع، ترى هل كان زعيم "القاعدة" عندما خطط لغزوه مدركاً أبعاد هذه التداعيات؟! وربما تساءلنا: لو أن شيطان "القاعدة" لم يزين لشبابنا أن يفجروا أنفسهم في برجي مركز التجارة العالمي، هل كانت هذه الأحداث والنتائج حاصلة؟! لم تطو صفحة الحادي عشر من سبتمبر بعد، وتداعياتها باقية وفاعلة حتى اليوم، لكن لننظر إليها من جانبها الإيجابي، يقول تعالى "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم"، فلولا تلك الاعتداءات وتوابعها التي هزت العواصم الغربية والعربية والإسلامية لما اكتشفنا المرض الكامن بين أظهرنا والذي أخذ يستشري ويتمكن من عقول أبنائنا، ولما أدركنا عوامل الخلل وضعف المناعة والتحصين في مناهجنا التعليمية وخطابنا الديني والثقافي، ولما قمنا بمراجعة واسعة لتلك المناهج التعليمية والدينية بهدف تنقيتها من أمراض التطرف والكراهية، ولو لم تضرب "القاعدة" أميركا وأوروبا والدول العربية والإسلامية لما تغيرت أحوالنا السياسية والاجتماعية والثقافية ولاستمر الوليد القاعدي ينمو ويكبر ولأصبح مارداً متوحشاً لا عقل له ولا قلب ولاستعصى علاجه! ولو لم تضرب "القاعدة أميركا وتستدرجها لشن حرب شاملة ضدها وتنسيق الجهود الدولية لمحاصرتها لما استطاعت الدول العربية والإسلامية- وحدها- مواجهة "القاعدة" وخلاياها وشبكاتها الممتدة في نسيج المجتمعات العربية والإسلامية.

 يقول أحد المحللين: "مازلت أجزم بأن أحداث 11/ 9 أنقذت دول المنطقة من أن تستفرد بها (القاعدة)، السبب أن تلك الهجمات جرت الأميركيين إلى حرب لم تخطط لها، فأعفت ما لا يقل عن 5 دول عربية من المواجهة المنفردة، تصوروا (القاعدة) بمعسكراتها وجيش من المقاتلين لا يقل عن 5 آلاف مدربين على القتال بهدف الموت واستهدفوا كل دولة عربية، من المتوقع أن يقدروا على تخريب أي جهه يستهدفونها، معظم هؤلاء دفنوا أو شردوا أو اعتقلوا في حرب أفغانستان، وما كان بمقدرة الحكومات العربية على فعل ما ألحقته الأجهزة الأميركية بـ(القاعدة)، وهو أكبر مما نتصوره، بدءاً بالحرب على (طالبان) وانتهاءً بتجنيد دول العالم للركض وراء التنظيم الدولي وتجريده من التمويل وتضييق الخناق عليه وحصره في المناطق الحدودية"... وتلك هي عبرة التاريخ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

* كاتب قطري

back to top