انقسامات داخلية بين المتشددين في إيران

نشر في 17-08-2010
آخر تحديث 17-08-2010 | 00:01
يعتقد معظم منتقدي الرئيس في الحكومة أنه لو أظهر ولاءً لخامنئي وأدار دفة البلاد وفق مشورة المرشد الأعلى، لتبددت معظم المشاكل الراهنة، لكن أحمدي نجاد يريد إثبات نفسه، وصياغة خطاب وهوية انتخابية مختلفة. لذلك يرحّب بمعركة مع المحافظين القدامى الذين يستفيدون أيضاً من دعم خامنئي ويشهد تاريخهم الطويل على تعزيز سلطته.
 معهد واشنطن صرّح علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى علي خامنئي، خلال زيارته سورية في التاسع من أغسطس، بأن إيران مستعدة للتفاوض مع الولايات المتحدة في ما يخص برنامجها النووي. لكن الناطق باسم وزارة الخارجية، رامين مهمانبرست، أعلن قبل أيام أن إيران لا تعتزم إجراء مفاوضات ثنائية الجانب مع واشنطن. تشير هذه البوادر المتضاربة وغيرها بالتالي إلى انقسامات داخلية بين الحلفاء السابقين في المعسكر المتشدد في إيران. وتشكل مثل هذه الانقسامات جزءاً من نموذج قائم منذ زمن طويل في الجمهورية الإسلامية: ما إن يستحوذ فصيل على السلطة عبر استبعاد معارضيه حتى ينقسم إلى أحزاب متخاصمة.

خلافات أحمدي نجاد مع المحافظين القدامى

بعد أن فاجأت إيران المراقبين العام الفائت باحتجاجات الحركة الخضراء، ستفاجئهم على الأرجح مجدداً في وقت قريب بخلاف مرير بين المتشددين الذين انقسموا مسبقاً إلى فصيلين أساسيين: المحافظون القدامى والمحافظون الجدد. حتى وقت ليس ببعيد، ظلت هاتان المجموعتان متحدتين لأنهما رأتا في حركة الإصلاح خطراً جدياً على النظام، لكن خامنئي يعتقد اليوم أن آلة القمع التابعة للنظام نجحت في معالجة أزمة ما بعد الانتخابات. بنتيجة الأمر، اتضحت الفجوة غير القابلة للردم بين محيط الرئيس محمود أحمدي نجاد ومراكز السلطة التقليدية مثل رجال الدين وتجار البازار. وقد سلطت أحداث عدة أخيرة الضوء على هذا الصدع:

• رجال الدين المتشددون: شدد اسفنديار رحيم مشائي، كبير مستشاري الرئيس الإيراني، في المؤتمر الكبير للإيرانيين المقيمين في الخارج الذي عُقد أخيراً، على مدى رغبة الحكومة في العمل مع المهاجرين الإيرانيين، معتبراً هؤلاء جزءاً من "المدرسة الإيرانية" التي قد تساعد على تقويض خطط الغرب. رداً على ذلك، أعلن آية الله محمد تقي مصباح اليزدي، من أبرز الداعمين السابقين لأحمدي نجاد بين رجال الدين: "لم نوقع عقد أخوة مع الجميع. فإن انحرف أحدهم عن المسار الصحيح، ننصحه أولاً، ومن ثم نضربه بعصا". تظهر مثل هذه الانتقادات بالتالي كيف دمر أحمدي نجاد آخر جسر يربطه بالمؤسسة الدينية. كذلك أكد مصباح اليزدي أن الأزمة السياسية المقبلة في إيران قد تنشأ عن أشخاص يبدون اليوم موالين للنظام، مشيراً ضمناً إلى محيط الرئيس بوصفه التهديد المحتمل المقبل على الجمهورية الإسلامية.

• البازار: انتقد رجل الأعمال المشهور حبيب الله عسكر أولادي أيضاً تعليقات مشائي معقباً: "قد ترغب الولايات المتحدة في مكافأة هؤلاء الأشخاص (أمثال مشائي)، وإن لم تدفع لهم بعد، فهم إذن خدم بلا أجر (لديها)". فضلاً عن ذلك، أقفلت البازارات في طهران ومدن كبرى عدة أبوابها في الآونة الأخيرة لعدة أيام احتجاجاً على الزيادة الضريبية الحادة التي فرضها أحمدي نجاد على التجار.

• الجهاز القضائي ومجلس الشورى: هاجم أحمدي نجاد علناً الجهاز القضائي بسبب طريقة تعامله مع الصحافيين المؤيدين له، فرد عليه رئيس السلطة القضائية، صادق لارجاني، هذا الأسبوع: "نتوقع أن يستخدم الرئيس خطاباً منطقياً ومهذباً وعبارات مقبولة، وأن يكون مستقيماً وعادلاً". على نحو مماثل، جهر أعضاء المجلس بانتقاداتهم لسياسات أحمدي نجاد ولهجته. جاء على لسان أحدهم: "إن استخدام مفردات سوقية والابتعاد عن الخطاب الدبلوماسي يضران بالبلاد". من جهته، انتقد آية الله أحمد جناتي، شخصية محافظة بارزة وأمين مجلس صيانة الدستور النافذ، أحمدي نجاد لعزله بعض الموظفين الحكوميين واستبعاده أعضاء محافظين.  

• استراتيجية أحمدي نجاد: صناعة هويته السياسية الخاصة

حاول الرئيس المطوّق بالانتقادات منذ زمن طويل التمييز بينه وبين المحافظين القدامى الذين ساعدوا روح الله الخميني على تولي السلطة منذ 21 عاماً. لتحقيق ذلك، احتاج إلى ناخبين جدد من طبقات اجتماعية أهملها المحافظون التقليديون أو همّشوها، الأمر الذي اضطرّه إلى اختيار القومية مساراً سياسياً أساسياً له ومزاوجتها بمبدأ نهاية العالم.

كان الهدف من ترويج مبدأ نهاية العالم جذب الأصوليين في الحرس الثوري وغيره من المنظمات العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، في الأغلب الأفراد المتدينون المرتبطون بشكل مباشر أو غير مباشر بالحكومة. أما المسار القومي فكان يقصد به غزو قلوب الشباب والعلمانيين الذين يملكون رصيداً قيّماً مثل الثروة، والتعامل التجاري مع الغرب أو الروابط السياسية، أو الميول الثقافية الغربية. لا يحب هؤلاء العناصر اليساريون عموماً الجمهورية الإسلامية بالضرورة، لكنهم يفتخرون بسياسية إيران النووية الجريئة وأيضاً بالمواقف المعادية لإسرائيل والولايات المتحدة.

في المقابل، يميل أنصار مبدأ نهاية العالم والقومية إلى معارضة رجال الدين، وقد اتضح ذلك في قرار أحمدي نجاد بتجاهل مشورة الفقهاء الشيعة في مسائل عدة، منها تعيين نساء في الوزارات الحكومية وتجاهله اجتماعاً لمهاجرين إيرانيين في مؤتمر فخم لأن المشاركات لم يلتزمن بالرداء الإسلامي.

يعتقد معظم منتقدي الرئيس في الحكومة أنه لو أظهر ولاءً للخامنئي وأدار دفة البلاد وفق مشورة المرشد الأعلى، لتبددت معظم المشاكل الراهنة، لكن أحمدي نجاد يريد إثبات نفسه وصياغة خطاب، وهوية انتخابية مختلفة. لذلك يرحّب بمعركة مع المحافظين القدامى الذين يستفيدون أيضاً من دعم خامنئي ويشهد تاريخهم الطويل على تعزيز سلطته.  

أما في ما يتعلق بسبب شعور أحمدي نجاد بالحاجة إلى مثل هذه الاستقلالية، فلا بد من استرجاع كيفية قدومه إلى السلطة في المقام الأول: عبر جذب الطبقات الفقيرة ووعدها بالازدهار الاقتصادي ومعاقبة الفساد الحكومي، لكن بعد أكثر من خمس سنوات، وبالرغم من ارتفاع أسعار النفط إلى مستوى غير مسبوق في التاريخ، تفاقم الوضع الاقتصادي في إيران. لذلك يأمل الرئيس إنقاذ مستقبله السياسي بمزيج من مبدأ نهاية العالم والقومية، فضلاً عن سياسات اقتصادية تهدف إلى كسب دعم الشعب وخطاب سياسي سوقي.

لكن بغض النظر عن استراتيجيته، سيواجه أحمدي نجاد ووسطه مصاعب جسيمة خلال انتخابات مجلس الشورى في العام المقبل. وكما في الماضي، سيستميل على الأرجح المواطنين الإيرانيين العاديين الذين أهملهم المحافظون التقليديون على مر السنوات الثلاثين الماضية، وقد يحاول أيضاً إقناع الأصوليين في الحكومة بأنه سيكون ملاذهم الأخير في معرض أي اضطراب سياسي وليس خامنئي. في هذا الضوء إذن يجب قراءة سياسته التي تقضي بتقديم امتيازات اقتصادية قدر الإمكان للحرس الثوري.  

• المأزق والسلوك الفوضوي

يجد الفصيلان المتحاربان أنفسهما اليوم في مأزق: فالمحافظون القدامى يسيطرون على فرعي الحكومة (القضاء فضلاً عن مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور المرتبط به)، بينما يتولى قيادة الفرع التنفيذي الأكثر قوةً المحافظون الجدد بزعامة أحمدي نجاد، لكن أياً من الفصيلين لا يستطيع على ما يبدو استبعاد الآخر من المشهد السياسي، لكن كلاً منهما قادر على إعاقة مبادرات الآخر، مثل تقويض جهود الآخر بالتودد إلى المجتمع الدولي وحل الأزمة النووية.  

لذلك، سيواصل كلا الفصيلين على الأرجح تسليط الضوء على اختلافاتهما الإيديولوجية والسياسية، استراتيجية غريبة على ما يبدو بالنظر إلى أن كليهما يريدان الحفاظ على ترتيبات السلطة الأساسية في الجمهورية الإسلامية، والتي يرفضها معظم الإيرانيين كما تبين من خلال احتجاجات العام الماضي. لكن الجمهورية اتصفت بالاقتتال الحاد بين الفصيلين منذ ولادتها، والمواجهة الحالية لا تشكّل استثناءً. في ظل اختلاف أحمدي نجاد وخصومه حول مكامن المصالح القومية، يعد المستقبل القريب بعملية صناعة أكثر فوضويةً للسياسة المحلية والخارجية في طهران.

Mehdi Khalaji مهدي خلجي

* أستاذ بارز في "معهد واشنطن"، يركّز على سياسة إيران والمجموعات الشيعية في الشرق الأوسط.

back to top