كلفة الحرب

نشر في 28-12-2010 | 00:01
آخر تحديث 28-12-2010 | 00:01
لنتأمل في تأثير حرب أفغانستان في قدرة اقتصادنا التنافسية؛ بدأت الولايات المتحدة حرفياً بالانهيار، فقد باتت البنية التحتية القديمة والمتداعية تشكل خطراً واضحاً، نتكبد خسائر في الأرواح حين ينهار جسر في مينيابوليس أو تتكسر السدود في نيو أورلينز، فضلاً عن ذلك، تبتلع أنظمة الصرف الصحي المتداعية السيارات في نيويورك، ويرتاد الأولاد مدارس تشكل خطراً على صحتهم.
 Katrinal vanden Heuvel قال الجنرال ديفيد بتريوس: "الولايات المتحدة تنتصر في أفغانستان"، وأعلن الرئيس باراك أوباما أيضاً أن مراجعة ديسمبر العسكرية تُظهر "أننا نسير في الاتجاه الصحيح"، ولا شك أن الرئيس أوباما والجنرال بتريوس محقين، فيمكننا أن نواصل "إحراز التقدم" قدر ما نشاء، مواصلين ما بات يُعتبر اليوم أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، إلى أن ننسحب في النهاية بعد أن نُهزم أو نُستنفد سياسياً، فنتساءل حينذاك عما حققناه ودفعنا مقابله ثمناً باهظاً من أرواح شعبنا وموارده المالية.

تؤكد مراجعة الرئيس ما يعرفه منذ زمن المراقبون المطلعون على مجريات الأحداث في أفغانستان، أن القوات الأميركية تستطيع النصر في أي معركة، لكن ذلك لا يزيد من أمننا أو يساهم في جعل أفغانستان بلداً أكثر استقراراً ونمواً، ومهما حاولت القوات الأميركية والحليفة المحتلة الحد من تأثيرها في الشعب الأفغاني، فإن أعمالها تولّد في نهاية المطاف أعداء يُضاهون مَن تقتلهم عدداً لا في أفغانستان فحسب، بل في البلدان الإسلامية المختلفة أيضاً، ومهما قدمنا من مساعدة للشعب الأفغاني، نبدو كمن يعمل باسم حكومة يعمها الفساد والسرقة، لا حكومة ديمقراطية.

ولكن كيف يمكننا أن نقيس التقدّم الذي نحرزه في ما يمكننا وصفه بدقة أكبر "حرباً باتت اليوم غير ضرورية وتؤدي إلى نتائج عكسية"؟ نُطارد في مناطق شمال وزيرستان وبلوشستان الوعرة على الحدود الباكستانية مجموعة متضائلة من إرهابيي "القاعدة" ما عادت تُشكل خطراً كبيراً، في حين أن حلفاءنا الباكستانيين يحاولون بمكر جني المكاسب من كلا الطرفين.

ننفق كل سنة مئة مليار دولار على بلد كان ناتجه القومي الإجمالي لا يكاد يتخطى الملياري دولار حين عزوناه عام 2001، وقد بلغت نفقاتنا هذا الحد المرتفع لأننا نمول طرفَي النزاع (ينتهي المطاف بالكثير من المساعدات إلى جيوب "طالبان"، فضلاً عن أسياد الحرب المحليين الذين لا يدعمون حكومة كرزاي). يشتت التركيز على الأعمال العسكرية الانتباه الذي يجب أن نوليه للدبلوماسية المحلية وعقد تسوية سياسية داخل أفغانستان. لكننا، بدلاً من ذلك، "نحرز التقدم"، مع أن المراجعة العسكرية ترجئ بصمت موعد انسحابنا من عام 2011 إلى 2014.

فضلاً عن ذلك، لم تأتِ مراجعة الرئيس هذه على ذكر كلفة الحرب الفعلي، ويشمل ذلك ما يدعوه علماء الاقتصاد "تكلفة الفرصة البديلة" أو ما سنضيعه إذا تمسكنا بمسارنا هذا. فبحلول عام 2014، تكون هذه الإدارة قد اضطرت إلى تخصيص أكثر من 700 مليار دولار لأفغانستان. صحيح أن كلمة "فقر" لا تتردد كثيراً في واشنطن، إلا أن هذه الآفة تبتلي 43 مليون أميركي. كذلك، بدأ "فقر الأطفال" يزداد باطراد، وعلى صعيد الأمة، كان واحد من كل سبعة مراهقين ذكور سود يملك وظيفة خلال الربع الأول من هذه السنة. يجب ألا نخدع أنفسنا، فقد حُكم على جيل من الأولاد الذين تربوا في شوارع خطرة بالعيش في البؤس بمظاهره المختلفة، من الجوع والعائلات المفككة إلى البطالة والمخدرات والجريمة. وهكذا تكون الأمة التي نخفق في بنائها في أفغانستان أمتنا نحن.

إذا بدا الفقر مصدر قلق غير كافٍ، فلنتأمل في تأثير حرب أفغانستان في قدرة اقتصادنا التنافسية؛ بدأت الولايات المتحدة حرفياً بالانهيار، فقد باتت البنية التحتية القديمة والمتداعية تشكل خطراً واضحاً، نتكبد خسائر في الأرواح حين ينهار جسر في مينيابوليس أو تتكسر السدود في نيو أورلينز. فضلاً عن ذلك، تبتلع أنظمة الصرف الصحي المتداعية السيارات في نيويورك، ويرتاد الأولاد مدارس تشكل خطراً على صحتهم. بالإضافة إلى ذلك، تضيع ساعات طويلة حين تتعطل القطارات الهرمة وتنهار أنظمة الصرف والمجارير وتتفاقم زحمة السير. حتى أسس الحياة المدنية، مثل الحصول على مياه نظيفة، صارت مهددة بسبب أنظمة الصرف الصحي البالية. علاوة على ذلك، تعجز شبكتنا الكهربائية ونظاما البث والنقل عن مجاراة ما يتمتع به منافسونا حول العالم. لكننا إذا أضفنا السبعمئة مليار دولار المخصصة لأفغانستان إلى السبعمئة مليار التي ستُبدد بسبب الإعفاءات الضريبة المقدمة للـ1% الأغنى في الولايات المتحدة خلال العقد المقبل، نحصل على مبالغ تُعتبر طائلة، حتى في نظر واشنطن. ولا شك أن الولايات المتحدة ما عادت قادرة على هدر هذا الكم الكبير من المال بسبب ما تتعرض له من ضغوط وتحديات.

تغفل هذه المراجعة أيضاً عن ذكر كلفة الحرب البشرية، ولا يتوانى الجميع عن إغداق المديح على أعمال مَن يتطوعون في جيشنا، كذلك تعهد الكونغرس ذو الأغلبية الديمقراطية خلال عهد الرئيس جورج بوش الابن وأوباما من بعده بتحسين رواتب الجيش والإعانات التعليمية والطبية والعناية النفسية. لكننا بالاكتفاء بالإعراب عن التقدير لشجاعة الجنود ننسى سؤالاً أساسياً: كيف يمكننا أن نطلب من هؤلاء الشبان والشابات التضحية بأرواحهم وأطرافهم في سبيل قضية ندرك أنها خاسرة، أو لا مبرر لها؟

إذن، لا تُعتبر مراجعة ديسمبر العسكرية سوى مناورة سياسية متوقعة، فمعها يفي الرئيس بوعده بإعادة بعض الجنود إلى الوطن عام 2011، ويحصل الجنرال بتريوس على التزام بمواصلة الاحتلال لأربع سنوات إضافية، قبل أن تتمكن الحكومة الأفغانية من "تحمّل مسؤولياتها". وفي السباق الرئاسي عام 2012، يستطيع أوباما الترويج للانسحاب بين السياسيين المستائين الذين ينتمون إلى "الحمائم"، مستغلاً في الوقت عينه الالتزام بمواصلة الحرب لاسترضاء "الصقور".

تحتاج حرب أفغانستان اليوم إلى مَن يكشف حقيقتها، لذلك، على مجلس الشيوخ أن يجري مراجعة مستقلة للحرب كي يتحدى (على غرار ما قام به السيناتور جيمس وليام فولبرايت خلال حرب فيتنام) رئيساً غير مستعد لإنهاء صراع ندرك أننا لن ننتصر فيه. ويشاء القدر أن يكون رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور جون كيري. فقبل أربعين سنة، تحدى هذا الملازم الشاب العائد من فيتنام مجلس الشيوخ وحضه على القيام بواجبه، قائلاً إن "شخصاً يُضطر كل يوم إلى التضحية بحياته كي لا تعترف الولايات المتحدة بأمر يدركه العالم بأسره... وبأننا ارتكبنا خطأ... كيف يمكنكم أن تطلبوا من رجل أن يكون الشخص الأخير الذي يموت من أجل غلطة؟".

أمازال السيناتور كيري، الذي بات اليوم مخضرماً في عالم السياسة في واشنطن، يتحلى بشجاعة ذلك الشاب؟ هل يقف، كما فعل فولبرايت، ليتحدى رئيساً ينتمي إلى حزبه، محاولاً الدفاع عن مصلحة الأمة؟ لا شك أن جيلاً جديداً من الشبان والشابات يعتمد عليه ليقودهم.

*رئيسة تحرير وناشرة صحيفة The Nation وتكتب عموداً أسبوعياً في صحيفة "واشنطن بوست".

back to top