الاختبار الأول للدبلوماسية الأوروبية

نشر في 18-03-2011 | 00:00
آخر تحديث 18-03-2011 | 00:00
 غايلز ميريت لقد استغرق الأمر ثماني سنوات من الجدال السياسي المتوتر من أجل إنشاء خدمة الاتحاد الأوروبي الدبلوماسية الجديدة، ولكن مصير هذه الخدمة- ومصير القائمة عليها كاثرين أشتون- قد يتقرر في غضون الأسابيع القليلة القادمة، والواقع أن فشل الاتحاد الأوروبي حتى الآن في الاستجابة للأزمة التي تجتاح العالم العربي بالشكل اللائق كان سبباً لانتقادات حادة موجهة إلى وزراء الخارجية في أنحاء أوروبا المختلفة.

من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي فإن الاضطرابات التي تجتاح العالم العربي ما كانت لتأتي في توقيت أسوأ من التوقيت الحالي؛ ذلك أن خدمة العمل الخارجي الأوروبي، التي كان المقصود منها تمكين الاتحاد الأوروبي من «التحدث بصوت واحد»، لم تبدأ عملها إلا في نهاية عام 2010، ولايزال عدد كبير من المناصب العليا في هذه الخدمة شاغرا، ولكن هذا يشكل عذراً واهياً لعجز الاتحاد الأوروبي عن الإدلاء بدلوه في الأزمة.

والواقع أن البيروقراطيين في بروكسل يدركون تمام الإدراك أن اندلاع الاضطرابات المنتشرة الآن في البلدان العربية المختلفة لم يكن سوى مسألة وقت، ففي تسعينيات القرن العشرين، بدأ المسؤولون في الاتحاد الأوروبي، بإلحاح من إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، بصياغة استراتيجية البحر الأبيض المتوسط الرامية إلى تحفيز التجارة والاستثمار في العالم العربي، وكانت أوروبا تخشى بالفعل أن يؤدي ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب في المنطقة إلى خلق حالة خطيرة من عدم الاستقرار على طول الجناح الجنوبي لأوروبا.

ولقد أثبتت هذه المبادرة التي عرفت باسم «عملية برشلونة» ضعفها وعدم فعاليتها، وذلك لأن قسماً كبيراً من تمويلها تم تحويله إلى أوروبا الشرقية لتغطية تكاليف المساعي الطموحة الرامية إلى توسعة الاتحاد الأوروبي، وفي الآونة الأخيرة ظهرت جهود لإحياء هذه الاستراتيجية من خلال إعادة تسميتها بالاتحاد من أجل منطقة المتوسط، ولكن الإنجازات كانت هزيلة رغم ذلك.

وفي تناقض صارخ مع الطريقة التي تم بها اجتذاب بلدان الكتلة السوفياتية السابقة إلى الاقتصاد الأوروبي، فإن البلدان العربية لم تتلق سوى مساعدات ضئيلة من الاتحاد الأوروبي، على الرغم من التحديات الضخمة التي تواجهها، كما أدت السياسات الزراعية الأنانية التي تتبناها أوروبا إلى تفاقم الفقر في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث تضاعف عدد السكان إلى 350 مليون نسمة في أثناء الأعوام الثلاثين الأخيرة، وبات من المتوقع أن يتضاعف عددهم مرة أخرى بحلول عام 2030، والآن تتعرض الحكومات الأوروبية إلى انتقادات شديدة بسبب دعمها لأنظمة عربية استبدادية، ولكن فشلها الحقيقي كان في تقاعسها وعدم مبالاتها: نقص التعاون الاقتصادي ومساعدات التنمية المقدمة للمنطقة.

في الماضي، استمعنا إلى أحاديث في بروكسل عن مساعدة البلدان العربية على إقامة ارتباطات تجارية متبادلة وثيقة، ورغم ذلك، ظلت تلك البلدان تشكل جزراً منعزلة من التخلف: أقل من 2% من تجارة بلدان المغرب العربي الخمسة تجري فيما بينها، ويصدق القول نفسه تقريباً على بلدان شرق البحر الأبيض المتوسط وبلدان الخليج. والواقع أن بذل جهود عازمة من قِبَل الاتحاد الأوروبي من أجل مواجهة التشرذم العربي ومعالجة المشاكل التي تتراوح بين ندرة المياه الحاد إلى التعليم الهزيل من شأنه أن يعود بفوائد جمة.

والواقع أن أوروبا تستطيع أن تقدم الكثير للعالم العربي في وقت بدأ فيه العالم بالخروج من ركوده السياسي والاقتصادي، ولكن يتعين عليها أن تفعل ذلك بوضوح وتحت راية زعامة الاتحاد الأوروبي، ولكن مثل هذه الجهود كانت هزيلة للغاية. وكان التركيز منصباً على استجابة أوروبا للأحداث التي بدأت في تونس، والتي أدت إلى سقوط الرئيس المصري حسني مبارك، والاضطرابات في البحرين واليمن، ثم الصراع الأهلي في ليبيا الآن، ففي الحادي عشر من مارس اجتمع في بروكسل المجلس الأوروبي، الذي يجمع رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي، ولكنه لم يتفق إلا على دعوة الزعيم الليبي معمر القذافي إلى الاستقالة، ولم تُطرَح أي خطة أعرض نطاقاً لتشجيع البلدان العربية على تبني الديمقراطية، بل لم يُطرَح أي اقتراح من شأنه أن يجعل التعاون الاقتصادي من جانب الاتحاد الأوروبي مشروطاً بالإصلاح السياسي.

وكان صوت البارونة أشتون في إطار المجلس الأوروبي الأخير خافتاً بشكل خاص، فقد قامت حتى الآن بزيارة تونس ومصر من دون الإعلان عن موقف سياسي موحد يسترعي الانتباه من جانب الاتحاد الأوروبي، وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، هم الذين تنافسوا على الأضواء، تاركين أشتون في الظل، والواقع أن أسلوبها منذ وصولها إلى بروكسل باعتبارها رئيسا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كان متواضعاً بوضوح، ولكن هذا لا يعني أنها غير قادرة الآن على إظهار همتها واغتنام المبادرة.

والواقع أن مسألة التدخل في ليبيا بفرض منطقة حظر طيران كانت سبباً في انقسام زعماء الاتحاد الأوروبي، وكان القرار الذي اتخذته جامعة الدول العربية بدعم اقتراح فرض حظر الطيران يعني أن قرار الحظر لابد أن يتخذ بواسطة حلف شمال الأطلنطي، إلى جانب الأمم المتحدة، ولكن الاتحاد الأوروبي قادر على تقديم مساهمة أكثر إيجابية وأهمية في هذه الصحوة العربية من خلال إطلاق استراتيجية اقتصادية على غرار الخطوط التي طرحها وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني، ونائب رئيس الوزراء البريطاني نيك كليغ.

وكان بوسع خدمة العمل الخارجي الأوروبي تحت قيادة أشتون أن تؤسس لزعامة واضحة في مرحلة مبكرة من خلال الاستجابة علناً للاضطرابات المنتشرة في العالم العربي، وكانت ستصبح فكرة جيدة على سبيل المثال أن يتم إرسال مراقبين من خدمة العمل الخارجي الأوروبي إلى بلدان مختارة بهدف تقييم مزاجها السياسي واحتياجاتها الاقتصادية، ولكن من المؤكد أن الأوان لم يفت لوضع خطة محددة جديدة للتعاون العربي الأوروبي.

ولن يحدث ذلك إذا ظلت البارونة أشتون حريصة على البقاء في الظل، وفي هذه الحالة فإن خدمة العمل الخارجي الأوروبي ذاتها من الممكن أن تقع ضحية للأحداث، ولن تموت هذه الخدمة بطبيعة الحال، لأن البيروقراطيات الدولية نادراً ما تموت، ولكنها تجازف بأن تصبح غير ذات صلة، وبالتالي تسرق من أوروبا صوتها العالمي.

* رئيس تحرير «عالم أوروبا»، ورئيس مركز بحوث «أصدقاء أوروبا» ومركز بحوث «أجندة الأمن والطاقة» اللذين يتخذان من بروكسل مقراً لهما.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة».

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top