خذ وخل: حذار من تونس الحمراء!

نشر في 17-01-2011
آخر تحديث 17-01-2011 | 00:00
 سليمان الفهد • أعترف بداية بأني لم أتابع المظاهرات التونسية؛ بظني أنها مجرد احتجاج عابر يتلاشى ويزول بحضور وفعل قوات مكافحة الشغب القمعية إياها، لاسيما أن سكني في وسط القاهرة قريب جدا من مقر نقابة الصحافيين، حيث يتحول درجها إلى فضاء لممارسة الوقفات الاحتجاجية المزنرة بقوات الأمن المركزي الذي يقطرها ويحاصرها إلى حين انتهائها!

وقد اعتدنا- نحن معشر العرب- أن نطيح بالنظام حين يصير زمانه «عهدا بائدا»، وحري بنا صب جام غضبنا على رئيسه وفضح سوءة سياسته المستبدة المستبيحة للمال العام وما إلى ذلك من أخطاء وخطايا لا يأتي أحد على سيرتها إلا إذا أطيح بالسيد الرئيس ونظامه، والعبد لله يخبر تونس «بورقيبة» جيدا، وذرعت حواضرها شرقا وغربا وشمالاً، ولم يبقَ سوى جنوب البلاد الذي حالت ظروفي دون السباحة فيه.

ولعلي أزعم أن الشعب التونسي مسيس حتى النخاع كما أنه يتسم بذائقة فذة تجاه الطرب العربي الأصيل، الأمر الذي يحرض المطرب (من الجنسين) على الإتقان والتجويد كما يتبدى ذلك في حفلات «الست» أم كثلوم في ربوع تونس، ومن هنا لنا أن نتوقع ونستشرف ثورته العارمة تجاه الاستبداد وغياب الحقوق الإنسانية الأساسية، فهذا الشعب الفنان الطروب العاشق للحياة لا يمكن أن يقبل الضيم والظلم والقمع والفقر والبطالة التي كابدها أكثر من عشرين سنة كانت كلها عجافا، رغم الوعود الوردية التي هتف بها الرئيس بن علي في مستهل حكمه.

• وكان يمكن لسيناريو الثورة الشعبية أن يحيل تونس الخضراء إلى تونس الحمراء المضرجة بدماء إخوتنا التوانسة كافة لو لم يبادر الرئيس بالرحيل العاجل، ذلك أن حسه وحدسه الأمنيين لكونه مديرا للمخابرات ووزيرا للداخلية حرضاه على تأمين خروجه الآمن الذي جنب البلاد والعباد انهمار حمامات دم، وإهدار المال العام للبلاد المستباح بداية من نظام بن علي الذي حرضته الثورة الشعبية على الفرار من تونس بسرعة شديدة «كجلمود صخر حطه السيل من عل».

في البداية شرع «بن علي» بنعت الحراك الشعبي الاحتجاجي العامر بـ«ثورة إرهابيين» تأسيا بمقولة الرئيس السادات الذي وصف ثورة الجياع في مصر بـ«انتفاضة الحرامية» والنعت والوصف، كما ترى، يدلان على قراءة خاطئة تجهل معدن الشعب الذي قال فيه شاعره الشهير أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر

ولابد لليل أن ينجلي... إلى آخر أبيات القصيدة المعبرة ببلاغة شديدة عن روح الشعب التونسي، وكأن الشابي أبدعها لتوه متزامنة مع إيقاع الثورة الشعبية، وقُدّت من روحها، ولعل اختيار الطاغية اللجوء إلى المملكة العربية السعودية يطمئن المعارضة إلى أنه «سيتوب» عن الحكم إياه، ولن يفكر البتة باستعادة عرشه؛ ربما لأنه شبع وأزلامه من نهب بيت المال، وقد يفكر في التوبة النصوح من خطاياه كافة التي لا يغسلها البحر الأبيض المتوسط كله!

والحق أن العبد لله في هذه الخاطرة لا يروم المشاركة في الاحتفالية الفلكلورية العرباوية المتبدية في مقولة» إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه»، لأن هذا الفعل من حق وشأن التوانسة وحدهم، وأيا كان الأمر فإن الإخوة التوانسة مدعوون إلى التصدي للتحديات الوجودية والحياتية والحقوقية التي كابدوها طوال حكم الحزب الواحد الذي لا شريك له في السلطة أبدا، وإذا كان «الحمير» يتعلمون من التكرار فإن الطغاة يكررون أخطاءهم على الدوام.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

 

back to top