إسرائيل والولايات المتحدة... علاقة غير سويّة

نشر في 09-12-2010
آخر تحديث 09-12-2010 | 00:01
الولايات المتحدة تدين تطوير الأسلحة النووية باعتبارها خطراً مستقبلياً يهدد البشرية أجمع، ومن ثم فإن وجود برنامج إيران النووي، بغض النظر عن غايته الحقيقية، يفرض على واشنطن التعامل بشفافية والالتزام الجدي بالمعايير الدولية، لكن حين يتعلق الأمر بإسرائيل، فإن واشنطن تتبع سياسة "لا تسل شيئاً ولا تخبر شيئاً".
 لوس أنجلس تايمز تعطي الصفقة التي تفاوض بشأنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون- أي التزام إسرائيل بتجميد نشاطاتها الاستيطانية طوال 90 يوماً للمرة الأخيرة مقابل 20 طائرة مقاتلة من طراز "إف-35" ووعد أميركي برفض أي قرار ضد إسرائيل يصدر عن الأمم المتحدة- فكرة واضحة جداً عن طبيعة العلاقة التي تجمع الولايات المتحدة بإسرائيل.

أكثر ما يثير الاهتمام في هذا المجال هو التفاوت الهائل بين العرض الأميركي والرد الإسرائيلي. اليوم، تجد الولايات المتحدة نفسها في موقع العاشق الذي يمنح الحبيب أسخى الهدايا بينما يحصل في مقابلها على دلالات عاطفية باردة. لا حاجة إلى كبار الخبراء للتأكيد على وجود خلل معين في هذه العلاقة.

طوال عقود، لطالما سعت السياسة الأميركية إلى تحقيق هدفين على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي. أولاً، كانت واشنطن تسعى إلى إقناع العرب بتقبل وجود اسرائيل. ثانياً، كانت تسعى إلى تهدئة المخاوف الأمنية الإسرائيلية. وبعد أن تأكد الإسرائيليون من أن وجودهم لم يعد عرضة للخطر، يُفترض أن يتريثوا قبل اللجوء إلى الحل العسكري.

لقد كان التقدم نحو تحقيق الهدف الأول حقيقياً، مع أنه كان صعباً وناقصاً. أما التقدم نحو تحقيق الهدف الثاني، فلم يحصل قط، إذ نجحت بصعوبة معاهدات السلام مع مصر والأردن في معالجة مخاوف إسرائيل من اقتراب المخاطر منها، وكذلك، لم يقدم تحول منظمة التحرير الفلسطينية إلى السلطة الفلسطينية الهشة أي ضمانات كبرى لطمأنة إسرائيل. حتى اليوم، يبقى الجيش الإسرائيلي، المدعوم بشدة من دافعي الضرائب الأميركيين- وقد كان كذلك طوال عقود- أقوى جيش وأكثرهم بطشاً في الشرق الأوسط من دون منازع. لكن استناداً إلى التصريحات الصادرة من القدس، يبدو أن المشككين بإسرائيل لم يختفوا بعد. نتيجة لذلك، لايزال ميل إسرائيل إلى استعمال القوة قائماً، علماً أنها توجه ضرباتها بعنف ولا تعتذر مطلقاً عن أفعالها.

إلى جانب القوة المتفوقة، تتمتع إسرائيل بامتيازات فريدة من نوعها تتمثل بموقعها النووي. كمبدأ عام، تدين الولايات المتحدة تطوير الأسلحة النووية باعتبارها خطراً مستقبلياً يهدد البشرية أجمع. بالتالي، يفرض وجود برنامج إيران النووي، بغض النظر عن غايته الحقيقية، على واشنطن التعامل بشفافية والالتزام الجدي بالمعايير الدولية، لكن حين يتعلق الأمر بإسرائيل، فإن واشنطن تتبع سياسة "لا تسل شيئاً ولا تخبر شيئاً".

قد يتوقع البعض أن تجد الولايات المتحدة ترسانة مؤلفة من 200 سلاح نووي تقريباً. وقد يتوقع البعض الآخر أيضاً أن يرتاح الإسرائيليون لدى معرفتهم أنهم وحدهم يملكون قوة دمار شامل بين جميع دول المنطقة. لكن بدل ذلك، تدعي واشنطن أن الترسانة الإسرائيلية غير موجودة، ما يفسح المجال أمام اتهامها باتباع معايير مزدوجة. في غضون ذلك، يروّج الاسرائيليون لفكرة أنهم المستضعفون كما لو كانت الدولة اليهودية أشبه بداوود المحاط بمجموعة من أنصار جالوت.

يبقى هذا الشعور بانعدام الأمان مترسخاً جداً في نفوس شعب لم ينسَ قط معسكر "أوشفيتز" النازي، بل هو يبدو لهم احتمالاً مرتقباً في المستقبل القريب. لا علاقة للأمر بما إذا كانت هذه المخاوف تعكس هوساً مرضياً جماعياً أو تقديراً في محله لاستمرار الحركة المعادية للسامية. ما يجب أن يدركه الأميركيون الآن هو أن مخاوف إسرائيل لن تختفي مطلقاً مهما فعلت الولايات المتحدة، بل إن واشنطن ترسخ تلك المخاوف من خلال إعطاء اسرائيل عدداً أكبر من الأسلحة ومنحها امتيازات إضافية.

صحيح أن منح هدية هي عبارة عن طائرات مقاتلة بقيمة 3 مليارات دولار قد يعزز أرباح مصنعي الأسلحة الأميركية أو يُكسب الرئيس أوباما بضع أصوات إضافية، في نوفمبر 2012، إلا أن هذه الخطوة لن تعزز أمن إسرائيل. ما من خطر مرتقب يمكن أن تعالجه طائرات "إف-35".

كذلك، لن تؤدي حماية إسرائيل من النقد في الأمم المتحدة إلى دفعها إلى التخلي عن مقاربة الردع الغريبة التي تعتمدها، استناداً إلى توقعات مفادها أن تلقين الخصوم درساً قاسياً يُكسِب الاحترام. ولن ينجح ذلك في إقناع القدس بأخذ المخاوف الأميركية بالاعتبار في المرة المقبلة التي تشعر فيها إسرائيل بالخطر من جانب "حماس" أو "حزب الله" أو موكب إعانات متجه نحو قطاع غزة. بالتالي، ستؤدي هذه المقاربة إلى التأكيد على صحة مسار إسرائيل، بدل كبح الميل الإسرائيلي إلى توجيه ضرباتها أولاً ثم طرح الأسئلة لاحقاً، وستتحمّل الولايات المتحدة العواقب في نهاية المطاف.

فضلاً عن ذلك، يؤدي التقليل من قيمة الصداقة الأميركية إلى تبرير إقدام إسرائيل على التشكيك بأهمية الصداقة الأميركية والدعم الأميركي بالنسبة إليها.

في هذا الإطار، قال نتنياهو عام 2001، في تسجيل فيديو صدر في الصيف الماضي: "أعرف طبيعة الولايات المتحدة. الولايات المتحدة هي كيان يمكن تحريكه بسهولة كبرى ويمكن توجيهه نحو الاتجاه الصحيح".

لكن ما قيمة حليفٍ يمكن التلاعب به بهذه السهولة؟

كما يحصل في الحب، كذلك في السياسة: العلاقة الوحيدة التي تستحق العناء- أو تكون قابلة للاستمرار- هي تلك التي ترتكز على الاحترام المتبادل. من أجل إنقاذ أي علاقة حب شائبة، على العاشق الذي يشعر بالاستغلال أن يتصرف بحكمة أكبر، وتقضي الخطوة الأولى نحو ترميم العلاقات الأميركية الإسرائيلية بالتوقف عن منح أي هدايا إضافية، إلا إذا كان الطرف الآخر يستحقها بشكل كامل.

* أستاذ تاريخ وعلاقات دولية في جامعة بوسطن. أحدث كتاب له يحمل عنوان "قوانين واشنطن: مسار الولايات المتحدة نحو حربٍ دائمة" (Washington Rules: America's Path to Permanent War)

back to top