محادثات السلام في الشرق الأوسط... بصيص أمل

نشر في 08-09-2010
آخر تحديث 08-09-2010 | 00:01
الاختلاف الأكبر، الذي يميز هذه المفاوضات عن الجولات الست الماضية، يتمثل في أمر خارج عن سيطرة الأطراف الجالسة إلى طاولة المفاوضات كلها: إيران. فقد وحّد خطر تطوير إيران أسلحة نووية مصالح إسرائيل ومعظم الدول العربية والولايات المتحدة، ودفعها إلى العمل معاً ضد قوة إقليمية يخشاها الجميع.
 لوس أنجلس تايمز حدث أمر غير متوقع الأسبوع الماضي مع استئناف المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، فقد لاح في الأفق بصيص ما يمكن اعتباره تفاؤلاً.

بعد سنتين من الخلافات والاضطرابات، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، التصرف بأفضل طريقة ممكنة. فأحسنا التحدث عن استغلال الفرصة، حتى انهما تصافحا كصديقين حميمين، مع أنهما ليسا كذلك.

طبعاً، سبق أن شاهدنا مراسم افتتاحية مماثلة. ويعتقد كثيرون أن هذا الود ما هو إلا مسرحية تهدف إلى استرضاء الرئيس أوباما، الذي عمل جاهداً لعقد هذه المحادثات منذ تبوئه منصبه. فمازال هذان الطرفان مختلفين بشأن مسائل قسّمتهما وفرَّقتهما طوال عقود. ولا يبدو الناخبون الإسرائيليون ولا المقاتلون الفلسطينيون مستعدين لقبول أي تسوية. وفي الشرق الأوسط، غالباً ما يصدق المشككون.

لكن بعض المشككين يرى أن عناصر جديدة أُضيفت إلى هذه الصورة، وقد تمنح المحادثات فرصة أفضل لتحقيق تقدم أكبر مما شهدناه مع نحو ست جولات أخفقت إخفاقاً ذريعاً.

صحيح أن نتنياهو ينتمي إلى الصقور المتشددين، ويعارض بعناد اتفاق أوسلو لعام 1993 بين إسرائيل والفلسطينيين، غير أنه يعبّر اليوم عن رغبته في أن يكون اتفاق السلام إرثاً يخلفه. ويؤكد مساعدوه وشركاؤه أنه صادق في كلامه هذا.

أما أوباما فقد تراجع قليلاً بعد سلسلة من الصدامات المبكرة مع نتنياهو، وقرر تقبل هذا الإسرائيلي القاسي وفق شروطه هو.

لكن الاختلاف الأكبر، الذي يميز هذه المفاوضات، يتمثل في أمر خارج عن سيطرة الأطراف الجالسة إلى طاولة المفاوضات كلها: إيران. فقد وحّد خطر تطوير إيران أسلحة نووية مصالح إسرائيل ومعظم الدول العربية والولايات المتحدة، ودفعها إلى العمل معاً ضد قوة إقليمية يخشاها الجميع.

رغم تشديد العقوبات الاقتصادية، تستمر إيران في تخصيب اليورانيوم، الذي يمكنها استخدامه لتصنيع سلاح نووي. ويذكر مسؤولون أميركيون أن من المحتمل أن يصل الإيرانيون إلى مرحلة القدرة النووية في غضون سنة تقريباً.

عقب انهيار المفاوضات بين إيران والقوى العالمية الكبرى هذه السنة، صعّدت إسرائيل تحذيراتها، معتبرة نشوء دولة إيرانية نووية تهديداً لوجودها، تهديداً يبرر لجوءها إلى ضربة عسكرية بغية وضع حد لإيران. ويؤكد مسؤولون أميركيون أنهم يأخذون التحذيرات الإسرائيلية على محمل الجد.

كتب أخيراً بروس ريدل، مستشار سابق للرئيس أوباما، في مجلةNational Interest التي تُعنى بالسياسة الخارجية: "كي تحتفظ إسرائيل باحتكارها القنبلة النووية، فإنها قد تختار تنفيذ ضربة. لذلك تُعتبر الضربة الإسرائيلية ضد إيران كارثة وشيكة".

تريد إدارة أوباما تفادي هذه الكارثة، لكنها عالقة اليوم في موقف حرج. اقترح ريدل وآخرون أن يقدم الأميركيون إلى إسرائيل التزاماً رسمياً وعلنياً بأن أي هجوم إيراني على الدولة اليهودية سيؤدي إلى رد من الولايات المتحدة. وفي هذه الأثناء، تعمل الإدارة الأميركية على تشييد شبكة دفاعية أقوى في الدول العربية المختلفة المتاخمة لإيران، بما فيها المملكة العربية السعودية.

لكن الإسرائيليين يعتبرون أن هذه الخطوات ليست كافية. فحتى لو رُدعت إيران عن توجيه ضربة إلى إسرائيل، يعتقد الإسرائيليون أن نفوذ طهران في الأرجاء المختلفة للشرق الأوسط سيتوسع ويهدد أمن إسرائيل بطريقة غير مباشرة.

تسعى إسرائيل إلى الفوز بهامش يتيح لها التخطيط لضربة عسكرية ضد إيران من دون أن يؤدي ذلك إلى خسارتها كل حلفائها. وتساعد محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية في هذا المجال في تسهيلها على العرب الاحتفاظ بعلاقاتهم مع إسرائيل. صحيح أن خطر تطوير إيران سلاحاً نووياً ساهم في انطلاق المحادثات، غير أنه لا يُعد عاملاً مهماً كفاية ليدفعها نحو خط النهاية.

وعزز نتنياهو موقف إسرائيل بإصلاحه علاقته مع أوباما، وقبوله إجراء محادثات مباشرة، لكن هذه الخطوات لم تفرض عليه التخلي عن أي أمر. بيد أن التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين سيتطلب تضحيات كبرى، مثل تفكيك بعض المستوطنات في الضفة الغربية والتخلي عن أجزاء من القدس الشرقية. قام وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بتعويم هاتين المسألتين الأسبوع الماضي، إلا أن باراك يمثل أقصى اليسار في حكومة نتنياهو الائتلافية، ولم يقبل أعضاء الحكومة الآخرون هذه التنازلات بعد.

فضلاً عن ذلك، على عباس وأوباما أيضاً القيام بمخاطرات سياسية للتوصل إلى اتفاق، إذ يتعين على عباس أن يُقنع ناخبيه بقبول نتيجة مرجحة تقل عن تلبية مطالبهم، خصوصاً بشأن "حق عودة" اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل. وكلما كثرت التنازلات التي يقدمها "أبومازن"، ازداد احتمال تأزم الحرب الأهلية مع عدوه، حركة حماس.

أما أوباما فيخاطر بمواجهة استياء الأميركيين، الذين يفضلون أن يركز رئيسهم على الاقتصاد، بدلا من الانهماك في محادثات السلام في الشرق الأوسط. ولا شك في أنه سيضطر في مرحلة ما إلى الضغط على إسرائيل للحصول على بعض التنازلات، موقف يتفاداه الرؤساء عادة إذا كانوا يخططون للترشح مجدداً.

من هنا نرى أن الشكوك مبررة. ويجب ألا ننسى أن أوباما حدد هدف هذه المحادثات بإحراز التقدم لا التوصل إلى حل نهائي، مما يعني التوصل إلى "اتفاق إطاري" لا معاهدة سلام فعلية.

إذن، كان الحافز وراء هذه المفاوضات الخوف من الفشل، لا الآمال الكبرى بالنجاح. ولكن في الشرق الأوسط، يُعتبر ذلك كافياً للحفاظ على بصيص تفاؤل خافت.

* دويل ماكمانوس | Doyle McManus

back to top