ما قل ودل: لماذا لا ندعو لغير المسلمين؟

نشر في 26-09-2010
آخر تحديث 26-09-2010 | 00:01
 المستشار شفيق إمام الإسلام دين الرحمة والإخاء والمساواة والعدل

تميز الإسلام عن سائر الأديان الأخرى بسماحته وقبوله للآخر، فهو يعترف بالأديان السماوية السابقة ولا يقف منها موقف العداء، قال تعالى "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا" وكان هذا التسامح هو أحد الأسباب التي ساعدت على أن ينتشر الإسلام في بقاع الأرض ليشمل نصف سكان الكرة الأرضية في قرن واحد، في الوقت الذي لم يكن في الأرض بما رحبت عند ظهور الإسلام سوى 80 مليونا من اليهود والنصارى.

كما كان من الأسباب الأخرى لانتشار هذا الدين، أنه دين يدعو إلى الرحمة "وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ" ويقول المولى عز وجل "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" ومن صلاة الملائكة للمولى عز وجل "رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا" وهو دين الإخاء في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"، وهو دين يدعو إلى العدل وسلامة القلب من الأحقاد في قوله تعالى "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى".

ثقافات بعيدة عن الإسلام

وانحسر بعد ذلك المد الإسلامي، وكان من أسباب انحساره، ظهور تيارات إسلامية بثقافات جديدة تنبذ الآخر وتدعو إلى التعصب والعنف، اتخذت من منابر المساجد، ومن خطب الجمعة، مجالا خصبا لها، تبث منها سموم هذه الثقافات الجديدة، وتستعدي علينا الآخرين، وقد أوصانا المولى عز وجل بهم في قوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ". وأوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم بهم في قوله "استوصوا بالقبط خيرا فإنهم قوة لكم وعتاد إلى عدوكم"

وتدور الدائرة علينا ليصبح القرآن والرسول هدفا للهجوم والسخرية والتهكم من بعض إعلام الغرب، واتهام الدين الإسلامي بالتخلف وأنه قائم على الإرهاب والعنف، لا على الرحمة والتسامح والمحبة، وتتفشى سياسات التميز العنصري ضد الأقليات المسلمة في العالم، للحد من انتشار الإسلام، ويواجة المسلمون صراعا طائفيا عرقيا في بعض البلاد ويتعرضون لحملات إبادة وقتل وتشريد وهدم المساجد في بعضها، الأمر الذي جعل عدد المسلمين يقل في بعضها حتى انقطعت أخبارهم نهائيا في بلد مثل فيتنام، كانت نسبة المسلمين فيه تشكل أكثر من 3% من سكانها.

الدعاء عبادة وثقافة

يقول المولى عز وجل "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، حقيقة إلهية تدوي في سمع الزمن، وتضرب على أوتار ما نحن فيه من هوان ومن تشويه لصورة الإسلام، من خلال تيارات ودعوات وثقافات دخيلة على دعوة وثقافة الإسلام الحقيقية، وإذا كانت الثقافة بوجه عام هي القدرة على استنباط المعارف والقيم والأخلاقيات والإمكانات لدى المجتمع وتطويرها لتخدم التقدم الحضاري فإن الدعاء عباده، كما جاء في قوله تعالى "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ"، فقد جعل الله الدعاء جزءا من العبادة، ومن لا يدعوه استكبارا أدخله جهنم وداخرا، وقال صلى الله عليه وسلم الدعاء هو العبادة.

 ومن هنا فإن ثقافة الدعاء للمولى عز وجل، هي جزء من هذه الثقافة العامة، وإن اختصت بما يميزها عن غيرها من الثقافات بأنها عبادة، هي جزء من القيم والمبادئ والأخلاقيات التي يدعو إليها الإسلام، ومن ثم يجب أن يستلهم الدعاء مفرداته ومعانية من القرآن والسنة والقيم والمبادئ التي أرساها الدين الحنيف.

لحظات صدق مع النفس

لذلك وفي لحظات صدق مع النفس، وفي لحظات خشوع أمام المولى عز وجل، وفي لحظات التضرع إليه، من نفس مطمئنه تؤمن بلقائه وترضى بقضائه وتقنع بعطائه، كان ملايين البشر في العشر الأواخر من شهر رمضان يطوفون حول الكعبة المشرفة ويسعون بين الصفا والمروة، وهم يرددون الدعاء للمولى عز وجل، دعوات ينتظم فيها المعتمرون أجمعين في سمط واحد، هو سمط الإنسانية كلها، يسمو على كل جاه زائف ومال زائل وسلطان عتيد، دعوات يرددها الجميع في إصرار وعمق ونشوة، في ضراعة المستغيث من كربته والمحزون ينوء كاهله بالأثقال والخطوب، دعوات يلهج بها اللسان في صمت رهيب، فليس الله في حاجة إلى من يعلي الصوت و يرفع النداء، دعوات تهتز لها خلجات النفس، دعوات يعرف فيها المخلوق خالقه، كما لم يعرفه من قبل، فهو الرحمن الرحيم، المهيمن العزيز، السميع البصير، الخبير الحليم، العظيم الغفور، المعز، المذل، العدل إلى آخر الأسماء التي يسمى بها المولى عز وجل.

دعاء للمسلمين وحدهم

كنت أردد مع غيري من ملايين المعتمرين في طوافي بالكعبة وفي سعيي بين الصفا والمروة من بين الأدعية الكثيرة التي حفل بها كتابٌ قيّم أعده وجمعه ورتّبه وراجعه نفر من العلماء، كنت أردد معهم الدعاء لأمة المسلمين بالنصر على أعدائها، وهو دعاء كنت أحرص عليه في كل طواف وفي كل سعي، فهذه الأمة تستحق الدعاء وقد أضنانا الضياع والانقسام وفتّ في عضدها الضعف والتخاذل حتى وصلت إلى حال من الهوان لا يحسدها عليه أحد... إلا أن ما استوقفني في هذا الكتاب القيّم دعاء للمسلمين بأن يشبع منهم كل جائع، وأن يكسو منهم كل عار، وأن يشف منهم كل مريض.

استوقفني في هذا الدعاء، التخصيص بالمسلمين وحدهم، فالإسلام دين الرحمة لكل البشر، الجائع والعاري والمريض.

فقد ورد في الحديث "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" وقال سبحانه "وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" وقال العلي القدير "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ" والدعاء صدقة... أي أن المولى عز وجل لم يخصص الرحمة والإحسان والصدقة بالمسلمين وحدهم.

الصدقات في عهد الرسول والصحابة

 وقد تصدق الرسول- صلى الله عليه وسلم- على أهل بيت من اليهود، وبعث النبي- صلى الله عليه وسلم- مالا إلى المشركين في مكة، لما قحطوا، ليوزع على فقرائهم.

وفي زمن أبي بكر نص صلح المسلمين مع أهل الحيرة على أن "أيما شيخ ضعف عن العمل وأصابته آفة من الآفات أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام"

وأمر عمر بن الخطاب عطاء الصدقات لقوم مجذومين من النصارى، وأن يجري عليهم القوت.

كما أمر بجعل شهري من بيت المال لشيخ يهودي ضرير رآه في الطريق يتسول ورفع عنه الجزيه وعن أمثاله، وقال عمر لخازن بيت المال "انظر هذا وأمثاله فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله في الهرم"، وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عامله في البصرة يقول فيها "أما بعد، وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب فأجر عليه من بيت المسلمين ما يصلحه".

وكان من بين قرارات المؤتمرات المعقودة لمجمع البحوث الإسلامية قرار بأن الإسلام يدعو إلى البر بغير المسلمين مساواة لهم بإخوانهم المواطنين المسلمين، ورعاية لكل فرد من الأفراد في المجتمع الإسلامي.

فلنتعلم من الإرساليات التبشيرية المسيحية التي تنتشر في مجاهل إفريقيا وفي آسيا والمدارس المسيحية والكنائس في الدول الإسلامية والتي تفتح أبوابها لتعليم المسلمين وعلاجهم.

إن ثقافة العطاء في الإسلام، لا يجوز أن تتعارض مع ثقافة الدعاء، فهما ثقافة واحدة يستمدان جذورهما من القيم والمبادئ الإسلامية الرفيعة.

اللهم إنك تعلم أنني ما خططت حرفا مما كتبت إلا خالصا لوجهك الكريم وذودا عن شرعك... ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة.

back to top