هل نعلِّق آمالاً كبيرة على محادثات السلام في الشرق الأوسط؟

نشر في 27-08-2010
آخر تحديث 27-08-2010 | 00:01
يرى مسؤولون إسرائيليون أن نتنياهو يولي التدابير الأمنية الفاعلة على طول الحدود مع الضفة الغربية أهمية تفوق انشغاله بضم الأراضي، وهدفه من ذلك كله وقف عملية التهريب الشبيهة بما تشهده الحدود بين مصر وغزة.
 معهد واشنطن  لم يلقَ إعلان يوم الجمعة عن انطلاق محادثات السلام في الشرق الأوسط في الثاني من سبتمبر حماسة كبرى، لكن التقدم في مسألة الأمن وغيرها من القضايا يُظهر أن ثمة أسباباً تدفعنا إلى الاعتقاد أن محادثات السلام هذه قد تؤدي إلى نتائج إيجابية.

شهد التعاون بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تحسناً ملحوظاً، منذ أن طردت "حماس" المسؤولين الأمنيين وحركة "فتح" من غزة قبل أكثر من ثلاث سنوات. أمضيتُ أخيراً خمسة أسابيع في تلك المنطقة، حيث التقيت نحو خمسين مسؤولاً فلسطينياً وإسرائيلياً، بمن فيهم الرئيس محمود عباس. ويبدو هذا التعاون جلياً في عدد من المجالات.

تنامى التعاون بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في مجال الأمن، ففي عام 2002، لقي 410 إسرائيليين حتفهم في تفجيرات انتحارية وغيرها من الاعتداءات التي شُنت من الضفة الغربية. أما في السنوات الثلاث الماضية، فقد قُتل شخص واحد جراء اعتداء مماثل. وخلال تصريح لوزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، في واشنطن هذا العام، قال إن الوضع على الأرض "أفضل من أي وقت مضى". اعتاد الإسرائيليون اتهام الفلسطينيين باعتمادهم مقاربة "الباب الدوار"، إذ يطلقون سراح الإرهابيين سريعاً بعد اعتقالهم، وقد شاعت هذه الممارسة في عهد عرفات. إلا أنها أصبحت اليوم جزءاً من الماضي، فضلاً عن ذلك، وُلدت حركة احتجاج سلمية فلسطينية.

أما السلطة الفلسطينية، فما عادت تحاول إخفاء تعاونها الأمني اليومي مع إسرائيل. ففي الأشهر الأخيرة، استضافت السلطة الفلسطينية مسؤولين أمنيين إسرائيليين بارزين في جنين وطولكرم وأريحا. وخلال الصراع في غزة عام 2009-2008، أبقت السلطة الفلسطينية الضفة الغربية هادئة. وبفضل تحسن الأمن، خفضت إسرائيل عدد نقاط التفتيش الكبرى في الضفة الغربية من 42 في عام 2008 إلى 14. وزُوّدت نقاط التفتيش المتبقية بعدد أكبر من الممرات، مما يقلل فترة الانتظار. كذلك أدى تحسن الأمن والجهود الأخرى التي يبذلها رئيس الوزراء المصلح، سلام فياض، إلى معدل نمو اقتصادي في الضفة العربية بلغ 8.5 في المئة.

علاوة على ذلك، اعتُمدت إصلاحات دينية وتربوية، شملت السعي إلى تحديد هوية الأئمة الذين يحرضون على التفجيرات الانتحارية. وأخبرني وزير الشؤون الدينية في السلطة الفلسطينية، محمود الهباش، أن هؤلاء الأئمة مُنعوا من دخول كل المساجد الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وهذا ما أكده أيضاً المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون. يقول الهباش: "كانت (حماس) تدير مساجدنا طوال ثلاثين سنة. ونحن نسعى اليوم إلى استعادة المساجد، كي تُستعمل للصلاة فحسب".

بدأت السلطة الفلسطينية أيضاً بتعديل مقررات المؤسسات الفلسطينية التي تعدّ الأئمة. كذلك تعتمد اليوم عملية تقييم لاستئصال المدرسين الذي يدعمون تعصب "حماس". يوضح مسؤولو السلطة الفلسطينية أن 1100 مدرّس من 28 ألف مدرّس فلسطيني في الضفة الغربية استُبدلوا. ولاشك في أن التحريضات على العنف ستتراجع أكثر فأكثر في حال توقفت عادة إطلاق أسماء قتلة السنة الماضية على الساحات والمخيمات.

أعرب الإسرائيليون بدورهم عن التغيير. فقد أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الصيف الماضي قبوله حل إقامة دولتين. وبرهن تجميده النشاط الاستيطاني لعشرة أشهر في الضفة الغربية عن ضبط نفس لم يتحلَّ به أي من القادة الإسرائيليين السابقين. لم يتضح بعد ما إذا كان هذا التجميد، الذي يُفترض أن ينتهي الشهر المقبل، سيُمدد. ولاشك في أن استئناف بناء المستوطنات سيعوق المبادرات الناشئة، ولكن في حين سعى رئيس الوزراء السابق أرييل شارون إلى الاحتفاظ بسيطرته على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية ليمنع الاعتداءات من الشرق، يرى مسؤولون إسرائيليون أن نتنياهو يولي التدابير الأمنية الفاعلة على طول الحدود مع الضفة الغربية أهمية تفوق انشغاله بضم الأراضي. وهدفه من ذلك كله وقف عملية التهريب الشبيهة بما تشهده الحدود بين مصر وغزة.

يريد المفاوضون البدء بمحادثات سلام تشمل مسائل الأمن والحدود، بما أن كل طرف يدرك تماماً ما يرغب فيه الطرف الآخر في هذين المجالين. حتى الخلافات بشأن الأراضي قد تُحلّ على الأرجح. ففي المرة الأخيرة التي حاول فيها هذان الفريقان عقد محادثات هادئة في عام 2008، اختلفوا على 4 في المئة فقط من الضفة الغربية. وذكر عباس أنه يدرك أن إسرائيل ستبقي مستوطنات الضفة الغربية بجوار المدن الإسرائيلية، ومن المحتمل أن تعطي إسرائيل الفلسطينيين أراضي داخل الحدود الإسرائيلية كتعويض عما خسروه.

ثمة قضيتان لا تتعلقان بالتبدلات السياسية الهادئة، إلا أنهما تتطلبان جهداً لحمل الشعب على التكيف معهما: القدس واللاجئون. ولاشك في أن هاتين القضيتين ترتبطان ارتباطاً وثيقاً بتعريف كل طرف لهويته. وقد دفعت الصعوبات المحيطة بهما البعض إلى التشكيك في دعوة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى إنهاء المحادثات في غضون سنة، لكن كثيرين يأملون أن يسهل التقدم المحرز في مجالي الأمن والحدود المسيرة السياسية في هذين الموضوعين الشائكين.

ولكن إذا لم يحدث ذلك، فعلى الطرفين العمل لمعالجة هاتين المسألتين النهائيتين بطريقة لا تؤدي إلى عرقلة التقدم المحرز في المواضيع الأخرى.

هل تنطوي هذه المحادثات على مخاطر؟ نعم بالتأكيد. فقد أخبرني عباس أن إيران تعطي "حماس" 500 مليون دولار سنوياً. ومن المحتمل أن تحاول طهران عرقلة المفاوضات.

لكن حالة الجمود تنطوي أيضاً على مخاطر. فالجهود التي يبذلها فياض لبناء المؤسسات الفلسطينية وزيادة التعاون الأمني تنجح لأنها تشكل جزءاً من جهود بناء دولة. ولاشك في أن تحسن الأمن والمؤسسات الاقتصادية لن يستمر ما لم يترافق مع جهود يبذلها كبار قادة كلا الطرفين.

* ديفيد ماكوفسكي، باحث بارز في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، حيث يدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط. وشارك دنيس روس في كتابة Myths, Illusions, and Peace.

back to top