الخجل...لا تدعه يدمّر حياتك

نشر في 19-03-2011 | 00:00
آخر تحديث 19-03-2011 | 00:00
الخوف من الاحمرار أحد أشكال القلق الاجتماعي الذي يعوق مَن يعانونه من المراهقين والشبان البالغين عن عيش حياتهم الاجتماعية بشكل طبيعي. فما العمل لتخطّي مشكلة الاحمرار خجلاً بين الناس؟

يُشكّل الخوف من الاحمرار بين الناس مشكلة اجتماعية. فهو خوف قوي ومنتظم من وضع اجتماعي ما نتيجة القلق من أن يحكم المجتمع على المرء سلباً. وقد تكون انعكاسات هذا الوضع بالغة الأهمية في الحياة اليومية. حتى أنها قد تدفع الشخص إلى رسم خطط لتفادي أوضاع محددة. إذاً، نتحدّث في هذا الإطار عن خوف مَرَضي، ما يعني أن هذا الخوف الاجتماعي قد يُصنّف مرضاً يسيطر على حياة الإنسان، إن اشتدت حدّته.

يعاني الآلاف الخوف من الاحمرار بين الناس. قد يعتبر البعض مصدر الإزعاج هذا تافهاً، لكنه يتحوّل إلى هوس ومعاناة حقيقيين في نظر مَن يعانونه. نتيجة لذلك، يصبح هذا الخوف مصدر إعاقة فعلياً يعرقل حياتهم.

لكن المجتمع يعجز أحياناً عن تحديد هذا الخوف الاجتماعي. على رغم ذلك، تكون لحالات الاحمرار انعكاسات غير مباشرة بالغة الأهمية في الحياة اليومية: انطواء على الذات، تراجع في المدرسة، كآبة...

خوف يتطوّر بمرور الوقت

عندما يظهر الخوف من الاحمرار بين الناس في مرحلة الطفولة، يكون المريض معرّضاً لخطر أن تستمر هذه الحالة حتى مرحلة البلوغ. لكنه يعود فيخبو نحو سن الأربعين. لكن حين يُصاب به المريض في سن المراهقة، لا يدوم عادة إلا أشهراً عدة ليختفي بعد ذلك تلقائياً. إلا أن هذا الخوف يستمر في بعض الحالات فترة طويلة، إذا بدأ في سنوات المراهقة الأولى.

ما السبل إلى مساعدة من يعانون منه؟

بما أن هذا الخوف ينعكس سلباً على الأداء الدراسي والحياة المهنية والاجتماعية والفعلية، يجب إذاًَ اتخاذ الخطوات الضرورية للتخلّص منه.

تحقّق العلاجات السلوكية والفكرية نجاحاً كبيراً في التغلّب على الخوف الاجتماعي. وسواء أجريت هذه العلاجات ضمن مجموعة أو بشكل فردي، يبقى الهدف منها مساعدة الشخص على استعادة ثقته بنفسه. على سبيل المثال، يتعلم المريض نسيان خجله بالتركيز على محاوره والاسترخاء وإثبات ذاته ومواجهة المواقف التي يخشاها تدريجاً والكف عن تفادي نظرات الآخرين. وللنجاح في تحقيق هذه الغاية يتعلم تقنيات أساسية يطبقها تدريجاً في الحياة اليومية.

هل تتوافر أدوية مضادة للخوف الاجتماعي؟

ما من علاج يمنعنا من الاحمرار. لكن في بعض الحالات المحددة، مثل الخضوع لامتحان شفهي أو التحدّث أمام جمهور من الناس، من الممكن الحد من هذا الخوف بمساعدة أدوية من نوع مثبطات بيتا. كذلك، إن كان المريض يعاني من خوف حاد، يمكن تعزيز العلاجات السلوكية والفكرية بإعطائه علاجاً مضاداً للكآبة لبضعة أشهر. إلا أن المريض يواجه في هذه الحالة خطر الانتكاس عند التوقف عن تناول الدواء. من هنا تنشأ ضرورة أن ترافق علاجات سلوكية وفكرية أي دواء قد يُعطى للمريض.

لدى الأولاد

صحيح أن الخجل مشكلة شائعة، إلا أنها تبدو تافهة في نظر مَن لا يعانيها. غير أنها تفسد حياة المصاب بها، إذ إنها تسبّب له القلق ومشاعر قوية من الخجل والخزي والذعر... ولا شك في أن جميع الأهل الذين يحبون أولادهم يودون مساعدتهم على تخطي هذه المشاعر المحزنة، بيد أنهم لا يعرفون السبيل إلى ذلك.

صحيح أن هذه المرحلة تبدو تافهة، لكن من الضروري تخطّيها. قد يردد الأهل على مسمع ولدهم أنه خجول. لكن إلصاق هذه الصفة به قد يوحي له بأن الخجل جزء من شخصيته وأنه مزروع في جيناته. وقد يظن أنه لا يستطيع التغيّر لأن الخجل بات متأصلاً في طبيعته. لذلك، على الأهل ألا يتجنبوا التحدث مع الولد عن هذه المشكلة. يمكنهم البدء بالقول: « أتعلم أنني كنت أنا أيضاً خجولاً حين كنت في مثل سنك؟ كنت أخاف أن ألقي قصيدةً أمام مجموعة من الناس». عانى معظم البالغين من الخجل في مرحلة ما من حياتهم. وقد يكون من الأفضل المتابعة: «لكني تدربت على التخلّص من خجلي. ونجحت محاولتي هذه. سأخبرك كيف حققت هدفي هذا...». إذاً، يشبه الخجل عدواً يمكننا محاربته وهزيمته.

ساعدوا ولدكم وشجّعوه

لهذا الصراع ضد الخجل وجه واضح آخر: تشجيع الولد عندما يحقق نجاحاً ما، حتى لو بدا نجاحه بسيطاً، لأن هذا التشجيع يقوي ثقته بنفسه. يمكنكم أن تقولوا له: «كنت تخشى ركوب الدراجة. لكنك صرت اليوم تقود دراجة بعجلتين وتلتف بسهولة. ألا تظن أنك تتمتع بالعزيمة الضرورية للنجاح حتى لو...؟». أو ربما تشجّعونه قائلين: «كنت تخشى طلب الخبز من البائع. لكنك نجحت في ذلك وأنا أقف إلى جانبك. حتى أن البائع ابتسم لك... ولم تنسَ أن تشكره». يُذكر في هذا الصدد أن نسيان اللياقة واحترام قواعد مثل «قل صباح الخير» أو «قل شكراً» لا يعودان في معظم الأحيان إلى ضعف في الذاكرة، بل إلى الخجل. ويشمل هذا الأخير إحساساً بأننا لن ننجح في ما نقوم به وأن الآخرين سيحكمون عليناً سلباً وأنهم أفضل منا. إذاً، كلما زادت ثقة الولد بنفسه، نفض عنه غبار الخجل. لذلك، على الأهل تشجيع الولد بحرصهم على ألا يوجّهوا إليه ملاحظات جارحة ونابية. لا شك في أن مهام الأهل صعبة، وأنهم يودون تشجيع ولدهم وتنمية ثقته بنفسه. لكنهم قد ينسون غايتهم هذه في لحظات الغضب ويتبنون موقفاً معاكساً يكون مؤذياً جداً أحياناً. فعبارات مثل: «ستبقى دوماً أقل لباقة من أخيك» أو «تدرك جيداً أنك لن تنجح، فأنت لا تنفع لأي أمر» تنطبع عميقاً في ذهن الولد. وكلما رددوا على مسمعه كلمات مشابهة، تطلّب تخلّص الولد من خجله واستعادته ثقته بنفسه وقتاً أطول.

لا تفرطوا في حمايته

صحيح أن الكلمات التي توجَّه إلى الولد تؤدي دوراً بارزاً في تكوين شخصيته، غير أن لموقف الأهل تأثيراً أكثر أهمية. فغالباً ما تكون للإفراط في حماية ولد نظنّه حجولاً نتائج عكسية. يخال الأهل أن من واجبهم حماية ابنهم من الخجل كي لا يشعر بالأسى. فقد نسمع أماً تقول: «قررت عدم تعليم ولدي عزف البيانو لأنني أدرك أنه سيخاف العزف حتى أمام أستاذه». لكن هذا التصرف يفاقم الخوف ولا يحد منه. فبتصرفنا هذا ندفع الولد إلى التفكير: «إذا عجزت عن عزف البيانو، فلا أستطيع بالتأكيد التخلّص من خجلي، لأنني لا أملك سبيلاً إلى ذلك. لذلك، علي التعايش مع مشكلتي هذه. والداي محقان. ما كنت لأنجح في تعلّم البيانو. وقد اتخذا القرار الصائب. فلا شك في أنني كنت سأتعذب كثيراً لو أنهما أرغماني على عزف البيانو». هكذا يستسلم الولد لخجله، الذي بات يعتبره عيباً لا يمكن إصلاحه. والأسوأ من ذلك أننا ندفعه إلى الاعتقاد بأن العالم خطر وعدائي، أن الناس يدينونه، أن الحياة صعبة، وأنه محق في انغلاقه على ذاته والانعزال. ولا شك في أن هذه رسالة سلبية محطِّمة قد تبقى منطبعة في ذهنه طوال حياته. إذاً، على الأهل الذين يطلعون بدورهم كمربين على نحو صائب أن يحضوا ولدهم على مواجهة مخاوفه ومساعدته على تخطّيها بنجاح. وكلما حقق خطوة في الاتجاه الصحيح، اندفع نحو مزيد من التقدّم. لذلك، شجعوه على التغلّب على مخاوفه بالإصغاء إليه وتقبّله على طبيعته من دون الاستهزاء به أو بما يحسه. ثم درّبوه عملياً على اكتساب الثقة بالنفس، طالبين منه، مثلاً، أن يتلو أمثولته أمامكم، أن يسأل عن الساعة أحد المارة في الشارع، وأن يتجاوز كل ما يشعره بالخجل والخوف. كذلك، هنّئوه على كل تقدّم يحرزه، وإن كان صغيراً. وستدركون أنكم نجحتم في مهمتكم هذه في اليوم الذي يقول فيه ولدكم: «أنا أيضاً كنت خجولاً حين كنت صغيراً...».

لدى الرجال

يرفض نظام الدفاع الطبيعي لدى المرأة الرجل الخجول والأخرق. لكن هذا النوع من الرجال لا يعرف السبيل إلى تخطي عقبة مماثلة. لذلك، ينتهي به المطاف إلى العزلة والاكتفاء بالوحدة. يوضح جون بول بنغليا، خجول سابق، في كتابه «الجنس، الحب والخجل» (sexe, amour et timidité) ما فهمه عن هذه المشكلة. ويقدّم العلاج للتغلّب على الخجل...

لربما لم تسمعوا سابقاً بمصطلح «نظام الدفاع الطبيعي لدى المرأة». لكن هذا النظام قائم بالفعل، ويستطيع معظمنا تمييز وجوده، إلا مَن يعانون مشكلة الخجل.

علامَ يقوم هذا النظام؟ يرتكز على رد فعل غرائزي لدى المرأة يدفعها إلى صدّ الرجل، مع أن صدها هذا قد لا يكون حازماً. فعندما ترفض المرأة عرض الرجل، يكون رفضها أحياناً حقيقياً، إلا أنه يمثّل في بعض الحالات وسيلة دفاع ورد فعل تلقائياً. ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أننا لا نتحدث عن المسائل الجنسية، بل عن علاقات الصداقة التي قد تتطور وتتعمق، مثل الخروج معاً لتناول العشاء أو التنزه. على سبيل المثال، يقترح رجل على امرأة تعجبه الخروج في نزهة، فترفض. لماذا؟ ثمة احتمالات عدة:

- لا يعجبها هذا الرجل أو ربما هي على علاقة برجل آخر.

- لا تعرفه جيداً ولم يثر بعد اهتمامها.

- لأنه تسرّع في عرضه وتود أن تعمّق معرفتها به وتتحدث إليه وقتاً أطول. فلا يزال التفاعل بينهما ضعيفاً.

- لا تتجرأ على القبول. فهي مترددة على رغم أنها تود الموافقة على عرضه.

قد تظنّون أيضاً أن هذه المرأة صدّت الرجل لأنها لا تحب النزهات. هذا ممكن، إلا أن الرجل في هذه الحالة لم يثر اهتمامها... عندما يتعرّض الرجل للصد في حالات مشابهة، عليه أن يتمتع بالتمييز الكافي لتعليل هذا الرفض. فإذا كان يفهم المرأة جيداً لأنه راقب تصرّفاتها أو لأن لديه شقيقات أو لأنه يتمتع بخبرة واسعة في التعامل مع النساء، فقد يتنبّه الى واقع أن الوقت ما زال مبكراً للتنزّه بمفرده مع هذه المرأة. لذلك، يعيد تقييم عرضه، ويقترح عليها الخروج ضمن مجموعة من الأصدقاء. قد يقول لها، مثلاً: «سأخرج مع بعض الأصدقاء للعب البولينغ، هل تودين مرافقتنا؟». فضلاً عن ذلك، سيقتنص الفرص للتحاور معها واكتشاف المسائل التي تثير اهتمامها (معرض أو مؤتمر...).

أما الرجل الخجول، فلا يفهم رفض المرأة ولا يحاول تحليله بالطريقة الصائبة. فهذا الرفض في رأيه دليل قاطع على أنها غير معجبة به. وبما أنه رجل لبق، يتركها وشأنها. هذا مؤسف بالتأكيد. صحيح أنها قد لا تكون مهتمة به كثيراً، لكنه بإصراره كان سيتمكّن من تطوير هذه العلاقة وتعميقها. ولربما تكون مغرمة به، وكان يكفي أن يتقبّل رفضها هذا ويقدّم لها اقتراحاً آخر.

لكن لمَ يسهل على المرأة الرفض، حتى حينما تفكّر في قول «ربما» أو «لمَ لا؟» أو «ما زال الوقت مبكراً، علينا الانتظار قليلاً»؟ يُشكّل رد فعلها هذا نظام دفاع طبيعياً، لأن بنية المرأة الجسدية أضعف من الرجل. وإذا قبلت بكل عرض يقدّم لها، فقد تجد نفسها وحيدة مع رجل لا تعرفه جيداً في موقف حرج. هكذا، تعرّض نفسها لخطر محتمل. وإذا تحرّش بها الرجل، يكون عندئذٍ قد نجح في خداعها. لذلك، تعمد تلقائياً إلى إخضاعه لامتحان لمعرفة ما إذا كان بإمكانها الوثوق به. ولكي يكسب ثقتها، عليه الإقرار بحقها أن ترفض دعوته من دون أن يستاء أو يغضب... عليه تقبّل هذا الرفض بهدوء والتفاعل معه بإيجابية وعدم السماح له بإعاقته عن السعي وراء غايته المنشودة.

يدرك الرجل الذي يحسن التعامل مع المرأة التفاعل بنجاح مع نظام الدفاع هذا. أما الخجول، فيرى فيه عائقاً لا يمكن تخطيه ومعنى لا يمكن فهمه أو تحليله . لذلك يبدو له سوراً أعلى من سور الصين. لذلك، إن كنت رجلاً حجولاً، عليك التنبّه الى أوضاع مماثلة. وإذا بدا عرضك متسرعاً أو مفاجئاً، فستعتمد المرأة تلقائياً على نظامها الدفاعي. لذلك، لا تعتبر رفضها حاسماً أو موجهاً إليك شخصياً، بل تعامل معه على أنه إشارة تحضّك على الإبطاء أو تعديل اقتراحك... يُشكّل «الجنس، الحب والخجل» كتاباً عملياً وفاعلاً وضعه رجل خجول نجح في التغلّب على إعاقته. يقدّم هذا الكتاب مفاتيح الانتصار في هذه المعركة. وقد ضمنه كاتبه كل المعارف التي اكتسبها عن المرأة وسبل التعامل معها بسهولة.

back to top