فرانك سيناترا... بين الشهرة والانتحار
فرانك سيناترا كتلة من التناقضات: رجل نحيل يوحي بأنه قاس وصارم، ليبرالي صريح تحوّل إلى جمهوري عنيد، ممثل عادي حاز جائزة أوسكار، زير نساء فَقَدَ المرأة التي أحبّ، وأحد رموز الولايات المتحدة يُتهم بأنه تهرّب من الخدمة العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية.كانت حياته مذهلة ومليئة بالمغامرة إلى حدّ أن الكاتب جيمس كابلان خصص 800 صفحة ليغطي أقل من نصفها في كتابه Frank: The Voice (فرانك: الصوت). يحتوي هذا الكتاب السيرة الذاتية المليئة بالمرح والمفعمة بالحياة، التي خطها كابلان عن أحد أعظم المغنين في العالم.
يتتبع هذا الكتاب قصة حياة سيناترا منذ ولادته عام 1915 في هوكوبن بنيو جيرسي حتى عام 1954 حين انتعشت مسيرته المهنية المتباطئة بعد حصوله على أوسكار أفضل ممثل مساند عن دوره في فيلم From Here to Eternity (من هنا إلى الأبدية). وخلال السنوات التسع والثلاثين هذه، جسّد فرانسيس ألبرت سيناترا كلمات That’s Life (هذه هي الحياة)، أغنيته عن الصمود التي حققت نجاحاً كبيراً عام 1966.«كنت دمية، فقيراً، قرصاناً، شاعراً، بيدقاً وملكاً.عرفت الفرح والحزن، اليسر والعسر. وأدرك أمراً واحداً:كلما سقطت أرضاً، لملمت شتات نفسي وعدت إلى السباق.كان سيناترا الولد الوحيد لمهاجرَين إيطاليين. عملت والدته دوللي قابلة اعتادت إجراء عمليات الإجهاض. أما والده مارتي، فكان رجل إطفاء وملاكماً. ترك سيناترا المدرسة الثانوية ليصبح مغنياً. لكن عقبات جمة أعاقت طريقه نحو النجومية. فقد وجهت إليه صديقته التي هجرها تهماً أخلاقية كاذبة تسببت باعتقاله. وعام 1940، انضم سيناترا إلى فرقة تومي دورساي.سجّل سيناترا، الذي توفي عام 1998 عن عمر 82 سنة، أولى أغانيه مع دورساي، قبل أن ينشب بينهما خلاف حاد أدى إلى انفصالهما عام 1942. تذكر الشائعات أن المافيا الإيطالية ساعدت سيناترا على التخلص من عقده مع الفرقة، ما ألهم مشهد رأس الحصان المقطوع في سلسلة أفلام «العراب» (Godfather). لم يستطع كابلان تقديم أدلة دامغة على علاقات سيناترا المعروفة بالجريمة المنظمة، مع أنه يوضح أن هذا المغني استمتع برفقة كثير من رجال العصابات. كذلك، يتحدث كابلان عن رحلة مهمة قام بها سيناترا عام 1947 إلى هافانا. فقد أفاد أحد الصحافيين آنذاك أنه أمضى الوقت بصحبة لاكي لوتشيانو ورجال عصابات آخرين.في أربعينيات القرن الماضي، تحوّل سيناترا إلى معبود المراهقات. فمهدت هؤلاء الفتيات الطريق أمام الجماهير التي احتشدت لاحقاً حول إلفيس بريسلي وفرقة الخنافس (Beatles). يكشف كابلان أن مدير حملات سيناترا الإعلانية اعتاد اختيار الفتيات اللواتي يصرخن بشدة. وكان يدفع لهن خمسة دولارات ليحضرن عروضاً عدة.تقهقربدأت مسيرة سيناترا المهنية بالتقهقر في أواخر أربعينيات القرن الماضي. وبحلول عام 1950، ظن كثر أنه بلغ الحضيض، بعد أن أذى أوتاره الصوتية خلال أحد عروضه في ملهى كوباكابانا بنيويورك. بالإضافة إلى فشله المهني، عانى سيناترا آنذاك كآبة حادة بسبب إخفاق علاقة الحب المتأرجحة التي جمعته بإيفا غاردنر. لذلك، حاول الانتحار مرات عدة، وفق ما جاء في الكتاب. (من الصعب تحديد التواريخ لأن كابلان يروي أحداثاً كثيرة من دون ذكر السنوات).بعد ذلك، شهدت حياة سيناترا المهنية انبعاثاً جديداً، ذكّاه أداؤه المبدع فيFrom Here to Eternity، الذي جسّد فيه شخصية الجندي المتمرد ماجيو. آنذاك، بدأ سيناترا تعاونه مع نيلسون ريدل، موزع موسيقي وقائد فرقة موسيقية. فأسفر التعاون عن عدد من أفضل ألبومات سيناترا، بما فيها In The Wee Small Hours، Only the Lonely، وSongs for Young Lovers.يتحدث كابلان، الذي يعدّ كتاباً ثانياً عن سيناترا، بتبصر وتأنٍّ عن موسيقى هذا المغني. فيوضح كيف عمل سيناترا على تحسين صوته، كيف نجح في الانتقال من الألحان الخفيفة إلى الأغاني الصعبة، وكيف زادت تجاربه الشخصية من عمق أغانيه العاطفي.كذلك تطرق كابلان إلى زواج سيناترا الأول المضطرب، الذي رُزق منه بثلاثة أولاد، فضلاً عن علاقته العاصفة بغاردنر، التي ضاهى شغفها بالجنس والكحول تعطش سيناترا إليهما.