عناصر قويّة وأداء لافت في Fair Game

نشر في 24-11-2010 | 00:01
آخر تحديث 24-11-2010 | 00:01
No Image Caption
يثير فيلم «لعبة عادلة» (Fair Game) الحيرة في نفوس المشاهدين عن غير قصد. فالقصة المكتوبة بشكل محبوك تتطرّق إلى موضوع لا يزال يحتلّ أهمية كبرى حتى الآن، وقد أخرج دوغ ليمان العمل بأسلوب ذكيّ، وقدّمت ناومي واتس وشون بين ومجموعة من الممثّلين المُختارين بعناية أداءً تمثيلياً قوياً. بالتالي، يبدو أنّ جميع عناصر الفيلم الجيّد متوافرة في هذا العمل، ومع ذلك فهو لا ينجح في بثّ شعور بالرضا التامّ لدى المشاهد.
لا شكّ في أنّ موضوع «لعبة عادلة» دراميّ من الدرجة الأولى. فهو يتناول قصة فاليري بلايم (ناومي واتس) المستوحاة من العناوين التي تصدرت الأخبار. بلايم هي ضابطة متخفّية كانت تعمل لحساب وكالة الاستخبارات المركزية، لكن سرعان ما انكشفت هويّتها وتحطّمت حياتها المهنية على يد «أقوى الرجال في تاريخ العالم».

وفقاً لسيناريو الفيلم، من تأليف جيز باتروارث وشقيقه جون هنري، هؤلاء الرجال هم المسؤولون في البيت الأبيض في عهد الرئيس جورج بوش الإبن، أي كبار الناشطين مثل كارل روف ولويس ليبي الملقّب بـ{سكوتر»، وهم وضعوا بلايم في الواجهة لتحويل انتباه الناس عن مواقف زوجها، جو ويلسون (شون بين). فقد تحلّى هذا الأخير بالجرأة الكافية للتصريح بأنّ الإدارة الأميركية لجأت إلى التلاعب المالي وتجاهلت الوقائع الشائكة في خضمّ حماستها لغزو العراق في عهد صدّام حسين.

بعد مرور هذه الفترة كلّها على موت صدّام وبعدما انتقل التركيز العسكري الأميركي إلى أفغانستان، قد يبدو موضوع الفيلم قديماً جداً، لكنّ العكس صحيح. الآن وقد عرفنا بعدم وجود أي أسلحة دمار شامل في العراق، تزايد الانزعاج الذي نشعر به بسبب حجم التلاعب الذي تعرّضنا له، ما أدّى إلى انجرارنا إلى حرب لا جدوى منها ولا تزال تثير الفوضى في عالمنا حتى الآن، وكأنّنا نعيش كابوساً متواصلاً يزداد سوءاً في كل مرّة نستعيد ذكراه.

لكن ربما تكمن الحلقة الأضعف في «لعبة عادلة» في واقع أنّ حجم الفضيحة العلنية التي أصابت بلايم وويلسون قد تكون أكثر إقناعاً في الواقع مما أظهره صانعو الفيلم. فهم اختاروا تركيز معظم جهودهم على الطريقة التي أثّر فيها سعي البيت الأبيض إلى استهداف الزوجين على علاقتهما الشخصية، لكن ما كان يجب التركيز على هذه النقطة تحديداً.

سخط لا مفر منه

صحيح أنّ تلك النقطة تحمل شيئاً من الأهمية، لكن يطغى عليها السخط الذي لا مفرّ من الشعور به بسبب إساءة استعمال سلطة الحكومة والحملات العدائية التي تروّج للحرب، ما أدّى إلى اختلال توازن أحداث الفيلم. الطريقة التي أُظهر فيها بلايم، بحسب كلمات روف إلى كريس ماثيوز - وهي «لعبة عادلة» في عالمٍ من السياسات الوحشية التي تُبدي المصلحة الوطنية على كل شيء آخر- كانت مزعجة جداً إلى حدّ أنها تطغى على الأحداث الدرامية الشخصية التي رافقتها.

في المرة الأولى التي نرى فيها بلايم خلال المشهد الافتتاحي الأول والمباشر للفيلم، تظهر هذه المرأة في صورة العميلة الخفيّة القويّة والبارعة التي تتعامل مع وضع شائك في كوالالامبور كما كانت تفعل في مهمّاتها اليومية. هذا ما كان عليه الوضع فعلياً.

كانت بلايم في ديارها في واشنطن تدّعي حتى أمام أقرب أصدقائها أنها سيدة أعمال رأسمالية ملتزمة بإنشاء المشاريع. هي كانت شخصاً متكتّماً على عكس زوجها تماماً. ففي إحدى الأمسيات التي كانا يقضيانها مع ثنائيات أخرى في إحدى الحانات، في أحد أيام أكتوبر من العام 2001، تزامناً مع مرحلة بدء الحرب في أفغانستان، تبيّن أن بلايم شخص مثير للمشاكل ومعتدّ بنفسه ولا يتحكم بتصرفاته– ومن الواضح أنها لم تكن المرة الأولى التي يتصرف بها على هذا النحو – كذلك، يعاني مشكلة كبيرة في التحكّم بطباعه.

قد تكون شخصيّتهما مختلفة، لكنّ «لعبة عادلة» يأخذ على عاتقه تصوير بلايم وويلسون كوالدين حنونين وزوجين ناجحين. هو يحاول إنجاح عمل شركة استشارية بينما تعمل هي لصالح وكالة الاستخبارات المركزية، حتى أنها حصلت على ترقية وأصبحت رئيسة العمليات في فرع العراق التابع لقسم مكافحة انتشار الأسلحة. وفي هذا المنصب الجديد، اضطرّت بلايم إلى التعامل مع ضغوطات مستمرّة من «ما وراء البحار»، مفروضة من مكتب الرئيس مثلاً، لإثبات أنّ العراق يتّجه نحو الحصول على سلاح نووي، وقد تمّ شراء كميات هائلة من أكسيد اليورانيوم من بلد النيجر الأفريقي. ويتساءل أحد شركائها عمّا إذا كان ويسلون قادراً على التحقيق في الأمر، كونه كان سابقاً سفير الولايات المتحدة الى الغابون.

لم تكن بلايم متأكّدة من ذلك– فقد كان الوضع أشبه بالعمل من دون مقابل والوقوع في مأزق صعب- لكن حين ذكرت الأمر أمام زوجها، انتهى به الأمر بالاقتناع بأنّ عملية البيع المزعومة لا يمكن أن تكون حقيقيّة. لكن حين سمع ويلسون لاحقاً أنّ  بوش ذكر صفقة اليورانيوم في أحد الخطابات المتلفزة على اعتبارها حقيقة مؤكّدة، شعر بصدمة كبيرة، ما دفعه إلى كتابة افتتاحية ساخنة في صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «ما لم أجده في أفريقيا». وفي تلك المرحلة، فُتحت أبواب الحجيم على الزوجين!

تحريف القصة

خشية أن ينعكس المقال سلباً على البيت الأبيض، حرّف رئيس الأركان ليبي لدى نائب الرئيس ديك تشيني (أدّى دور ليبي بكلّ براعة دايفيد أندروز فجسّد الجانب المظلم الذي يُعرَف به عدوّ هاري بوتر الشهير فولدمور) مجريات القصّة. بالتعاون مع روف (آدم لوفيفر)، قرر الإثنان التركيز على ويلسون وعلاقته ببلايم. نتيجةً لذلك، سرّب الصحافي روبرت نوفاك الموالي للبيت الأبيض هوية بلايم في أحد المقالات، فتخلّى عنها كلّ من كان يحيط بها، ولا سيّما زملاؤها، وهرعوا لتغطية الخبر.

بما أنّ هذه القصّة واقعية ومزعجة جداً، فهي تُضعف في المقابل القصص الأخرى الواردة في الفيلم. ينطبق ذلك تحديداً على عقدة ثانوية من نسج الخيال تتعلق بعالِم نووي عراقي وعائلته. لا تكمن مشكلة هذا المقطع- الذي كان لا بدّ من اختراعه لأنّ عمل بلايم الحقيقي لا يزال مصنّفاً في خانة السرية من جانب وكالة الاستخبارات المركزية – في كونه غير واقعيّ فحسب، بل في أنّ المشاهد يشعر فوراً بأنها قصة مفبركة اختُرعت خدمةً للفيلم حتى لو لم يكن يعرف ذلك مسبقاً.

صحيح أنّ اختلاف الطريقة التي تعامل بها ويلسون وبلايم مع الهجوم الذي تعرّضا له وطريقة تأثير ذلك الاختلاف على زواجهما هي معطيات حقيقية، إلا أنها ليست مقنعة في مجريات الفيلم. لكن لا يعني ذلك إنكار العمل الممتاز الذي قام به مخرج فيلم «هوية بورن» (Bourne Identity)، ليمان (الذي تولّى بنفسه التصوير السينمائي)، في أفضل فيلم له بعنوان «جميع معاوني الرئيس» (All the President's Men)، ولا ننكر أيضاً أنّ واتس قدّمت في هذا الفيلم أجمل أداء تمثيلي لها في مسيرتها المهنية.

بدل القلق بشأن الحياة الشخصية الخاصة بأبطال القصة، ينحصر شعور المشاهد بالسخط تجاه السلوك العام، علماً ألا وجود لأي خطوات إيجابية تكفي لتغيير هذا الوضع.

back to top