المافيا... دولة المال والدم 15 الإفريقي و العثماني والألباني عفاريتها الجدد
إذا كانت النازية الألمانية والفاشية الإيطالية من أوائل المستفيدين سياسياً من الأزمة المالية العالمية في عام 1929، فإن المافيا الإيطالية كانت المستفيد الأكبر عالمياً. ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه مع ما يؤكده خبراء الاقتصاد والجريمة من أن أباطرة الجريمة المنظّمة سيستفيدون لآخر قطرة من الأزمة المالية الراهنة التي تعد فرصة ذهبية إما لإقراض المعسّرين والسيطرة على مشروعاتهم بأبخس الأسعار، أو غسل الأموال وتحويل الفائض منها إلى عقارات ومصانع وشركات كما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة عندما اشترى زعماء المافيا أهم العقارات وأقوى الشركات التي شكلت في ما بعد عصب الاقتصاد المافيوزي. منحى الأزمة المالية الراهنة المصحوبة بتطوّر تكنولوجي تخطّى كل خيال ما ساهم في عقد الصفقات المحرّمة، إكسير الحياة لمافيات أخرى تواصل عملها من دون كلل بعد أن اتخذت من مسمى «المافيا» قناعاً واحداً للشر. ولعل رصدنا الذي قمنا به عبر 15 حلقة لحكايات المافيا من أنحاء العالم كافة، لن يكون بمثابة حصر، وإنما محاولة لإلقاء الضوء على تاريخ المافيا وما استجدّ على مجموعاتها التي تحاول أن تجد لنفسها مكاناً تحت سقف الفساد العالمي، ومنها على سبيل المثال:
مافيا أفريكانوتُطلق على جماعات المجرمين النيجيريين التي بدأت نشاطها في أوائل الثمانينيات، بسبب اضطراب الاقتصاد النيجيري، وتدنّي مستوى المعيشة إثر انهيار أسعار النفط وانخفاض عائداته قبل نهاية السبعينيات. هكذا، وجد الكثير من خريجي الجامعات أنفسهم محرومين مما يوفِّر لهم الحد الأدنى، فاندفعوا في طريق الجريمة وسيطروا خلال فترة وجيزة على عمليات تهريب الهيرويين من منطقة «الهلال الذهبي» في الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة، ثم اتسع نشاطهم وشمل منطقة «المثلث الذهبي» في آسيا، لتحتل المافيا الحديثة المكانة الثانية في تهريب العقاقير المخدرة بعد مثلثات المافيا الصينية. وفي نهاية الثمانينيات تحوّل النيجيريون من عاملين لحساب منظمات إجرامية إلى مافيا وكارتل إجرامي يمارس تهريب المخدرات والابتزاز والاحتيال باستخدام شيكات وبطاقات تأمينية مزوّرة في المصارف والمؤسسات المالية. واشتهر الكارتل الإفريقي بقدرته الفائقة على اصطناع المستندات المزوّرة للحصول على قروض بأسماء وهمية، والاحتيال على شركات التأمين، ومكاتب الخدمة الاجتماعية.وفي التسعينيات، بدأت العصابات النيجيرية تعمل مع العصابات المنظّمة المحلية في بعض بلدان إفريقيا وأوروبا في عمليات الإتجار بالبشر، لذا يجري في إطار البرنامج العالمي لمكافحة الإتجار بالبشر تنفيذ مشروع لمعرفة مدى تدفّق ضحايا الإتجار والتدابير المضادة له في بنين وتوغو ونيجيريا بهدف دعم الحكومات في جهودها الرامية إلى مكافحة هذه الآفة بما في ذلك الإتجار بالنساء وبالأطفال سواء في مجال الاستغلال الجنسي أو في مجال العمل الاستعبادي. كذلك، تعمل العصابات المنظّمة في إفريقيا الغربية بما أوتيت من خبرة في تهريب القنب الهندي والهيرويين والبحث عن علاقات وصلات جديدة في أميركا اللاتينية، وفي إدخال الإتجار بالكوكايين إلى جميع مناطق إفريقيا، جنوبي الصحراء وبلدان إفريقيا الغربية، وهي تستخدم أعداداً متزايدة من مواطني بلدان إفريقيا المختلفة لنقل المخدرات وتهريبها بآلاف الأطنان عن طريق البحر مخبأة في شاحنات الحاويات عبر موانئ في إريتريا وتنزانيا وجيبوتي، حيث تبقى هذه السفن العابرة للمحيطات في المياه الدولية، فيما تُنقل المخدرات بواسطة سفن صغيرة إلى الصومال ومنها توزَّع إلى دول إفريقيا. ولم يتوقّف الأمر على البحر، بل امتد إلى الطائرات التي تمر بإفريقيا وهي محملة بالكوكايين، برعاية مافيا المخدرات اللاتينية التي ترحِّل المخدرات عبر ساحل إفريقيا الغربي كبديل عن طريق الأطلنطي من أميركا الجنوبية عبر البرتغال وإسبانيا، والذي أصبح محفوفاً بمصاعب كثيرة. وقد وجد قادة المافيا في ساحل إفريقيا الغربي بغيتهم لانعدام الحراسة فيه، بالإضافة إلى الحكومات الإفريقية الضعيفة التي يسهل رشوتها. ويقال إن ثمة أكثر من 40 طناً أي نحو 27% من كمية المخدرات التي تستهلكها أوروبا، تمرّ عبر دول غرب إفريقيا مثل: نيجيريا وغانا وليبيريا وسيراليون وغينيا وبيساو والرأس الأخضر والسنغال ومالي وموريتانيا. وتعتبر غينيا بيساو مثالاً على دول العنف المتطرّف، حيث تنتشر المخدرات لعجز الشرطة وفقرها، فيما تملك عصابات التهريب فاحشة الثراء زوارق سريعة وطائرات ما مكّنها من شراء تعاون بعض كبار المسؤولين في الجيش والحكومة في إحدى أفقر دول العالم.مافيا عثمانيكشف تقرير لرئاسة دائرة مكافحة الجرائم المنظّمة والتهريب التابعة للمديرية العامة للأمن التركي عن أن جيش عصابات المافيا في تركيا يبلغ قوامه 23 ألف مسلّح، وميزانيته تتجاوز مائة مليار دولار. وأوضح التقرير أن عدد عصابات المافيا في شتى أنحاء تركيا يبلغ 150 عصابة، وأن قسماً كبيراً من الحوادث التي وقعت في تركيا خلال العقد الماضي كان من فعل عصابات المافيا، بالإضافة الى أكثر من ثلاثة آلاف جريمة منظَّمة أحصيت بين عامَي 1998 و2002 من بينها عدد كبير في اسطنبول، المدينة الأولى في البلاد وقلبها الاقتصادي وعاصمة المافيا التركية، ويليها أنقرة ثم أزمير ومرسين وأضنة وسمسون. وكشف تقرير لغرفة تجارة أنقرة قبل سنوات عدة، أن المافيا التركية تحصد قرابة الستين مليار دولار سنوياً من الاقتصاد في السوق السوداء في تركيا، أي حوالى ربع الدخل القومي. وبالإضافة إلى مجالات المافيا التقليدية مثل استغلال النساء والقاصرات وتهريب الأشخاص والمخدرات والأسلحة فإنها تنشط في قطاعات أخرى مثل تجارة الأعضاء بالتراضي، والإتجار في الأطفال وبيعهم لأسر غنية داخل تركيا أو خارجها، وإدارة المراهنات التي تقوم على تنظيم مباريات كرة القدم المحدَّدة النتائج سلفاً. وأضاف التقرير أن عضواً بشرياً يتم شراؤه من شخص معدم بمبلغ زهيد ليباع ما بين خمسين ألفاً ومائة ألف يورو. كذلك، يتم شراء أو خطف أطفال رضّع من عائلات فقيرة لبيعهم إلى عائلات غنية أو لإجبارهم على التسوّل في المدن الكبرى مثل إسطنبول أو أنقرة. وأفاد التقرير أن أحد قطاعات المافيا الأكثر مردودية هو شراء أراضٍ بأسعار بخسة وذلك من خلال التهديد، لتحويلها إلى مواقف سيارات تبدو نادرة للغاية في المدن الكبرى، وإعادة بيعها بأثمان فلكيّة.نشاطات المافيا في تركيا إحدى المسائل الغامضة في تاريخ السياسة والأوساط الاستخباراتية التركية، وقد استفادت خلال العقود الماضية من النزاع بين الحكومات التركية السابقة والمنظمات الإرهابية، فأسفر ذلك عن تحالف بعض هذه الحكومات مع زعماء المافيا لمساعدتها في التصدّي للأخطار التي تحدق بها من الخارج، وقد كان حزب «الوطن الأم» بزعامة مسعود يلماز على علاقة مباشرة بالمافيا، وارتبط إسم المافيا التركية بزعيمين مهمّين هما: علاء الدين جاكجي وسادات بكر، المنتميين الى المافيا القومية التركية التي سبق للدولة التركية أن استخدمتها ضد المافيا الكردية التي كانت تدعم حزب العمال الكردستاني في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته. كذلك، (نفذت قيادات المافيا القومية وعناصرها عمليات قتل واغتيال شخصيات يسارية وكردية كثيرة داخل تركيا وخارجها)، ومن هؤلاء محمد علي أغا الذي حاول اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في بداية الثمانينيات، وعبد الله شاتلي أحد كبار أباطرة المخدرات الأتراك، الذي كلفته الاستخبارات التركية ملاحقة واغتيال بعض قيادات منظمة «أصالا» الأرمينية في باريس وبيروت وأثينا بعد أن قام بعملية تفجيرية في محطة للباصات في دمشق، كردّ على دعم سورية لحزب العمال الكردستاني آنذاك.وقد استغلّ عناصر المافيا التركية هذا الدعم المطلق لهم من الدولة وحكوماتها فتمادوا في تصرفاتهم وأنشطتهم داخل تركيا ليصبحوا أقوى من الدولة التي كانت وراءهم دائماً، وهذا ما ذكره رئيس الوزراء السابق بولند أجاويد في مذكراته عن تعرّضه لمحاولة اغتيال، وبعد تشكيله في عام 1999 حكومة ائتلافية مع حزب الحركة القومية المعروف عنه دعمه المطلق للمافيا التركية زالت التهديدات. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، بعد وصول حزب «العدالة والتنمية» إلى السلطة، الذي لم يكن على علاقة بعصابات المافيا، رأى أن التخلّص منها يتم باعتقال زعمائها، وهذا ما جاء متسقاً مع الشروط والضغوط الأوروبية. مع ذلك ظلّ للمافيا حضور مهيب ومقبول في الشارع والدراما التركية، وهذا ما كشف عنه مسلسل «وادي الذئاب» الذي قدّم رجال المافيا في صورة اللصوص الشرفاء المدافعين عن حقوق الضعفاء، ومساندي الدول في التصدّي للأخطار.المارد يخرج من القمقمإذا كان «وادي الذئاب» مجرد عنوان لمسلسل تركي استغلّ قصص المافيا وحكاياتها لتقديم دراما مشوّقة، فقد يكون مناسباً لجماعات المافيا الناطقة بالألبانية التي انطلقت من دول البلقان وألبانيا وتركيا، إذ توّجهت المافيات الإيطالية منذ الساعات الأولى لسقوط جدار برلين نحو بلدان أوروبا الشرقية والوسطى، كالمجر وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا لإقامة جسور مصالح في تلك المنطقة، ولم تتأخر تلك البلدان الخارجة من قمقم الشيوعية في التزوّد من المنظومة المافيوزية على الطريقة الإيطالية. وقد ازدهرت نشاطات المافيا في منطقة البلقان الواقعة بين إيطاليا والشرق، وفي المناطق التي خرّبتها الحروب الأهلية والصراعات الإثنية والدينية مثل البوسنة وكوسوفا، والتي شكّلت قديماً طريق الهيرويين التاريخية. وقد قال مؤرخ يوناني في القرن التاسع عشر إن «منطقة البلقان هي الطريق نحو جهنّم المرصوفة بنوايا القوى الكبرى الحسنة». المثير للاهتمام، أن مافيا تلك المنطقة طوّرت كثيراً من نشاطاتها ولم تعد تكتفي بفرض الإتاوات وتجارة السيارات المسروقة وتجارة الجسد وإنما انتقلت إلى ممارسة أنواع التجارة الممنوعة كافة من المخدرات إلى بيع المنتجات النووية مروراً بتجارة الأسلحة العادية والمتطورة والصواريخ، فضلاً عن تجارة البشر التي أصبحت ثاني مصدر لدخل المافيات بعد المخدرات. وبعد انهيار جدار برلين بسنوات عدة أصبح المهرّبون بمنزلة النخبة المسيطرة في البلاد، وجُنّد الكثير من ألبانيي الشتات في أوروبا والولايات المتحدة لتصريف أعمالهم، وانتظمت مجموعات الجريمة الألبانية في مافيا حقيقية، فضمّت الكثير من أعضاء الشرطة السياسية السابقة. وقد تبنّت هذه المافيا القانون الذي كان قد كتبه أحد الإقطاعيين الألبان في القرن الخامس عشر عندما دخلت الإمبراطورية العثمانية ألبانيا، وهو القانون الذي يبرّر منظومة مغلقة تماماً قائمة على مفهوم العشيرة حيث تسود ثقافة السرّ والثأر. وقد لعبت منظّمتان مافيوزيتان الدور المركزي في سوق تجارة البشر، وهما مافيا «ساكرا كورونا أونيتا» الإيطالية والمافيا الناطقة بالألبانية، ذلك عبر البحر الأدرياتيكي بين أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية. وخلال سنوات عدة أصبحت الشواطئ، التي كانت معزولة تقريباً، مركز توزيع نشيطاً لأبشع التجارات القادمة من منطقة البلقان، وقد وصلت إلى الذروة في عام 2005. كانت مافيا «ساكرا كورونا أونيتا» قد ظهرت في نهاية السبعينيات بالاتصال مع مجموعات الجريمة الصغيرة المحلية في بلدتي باري وبرينديزي وهما من المرافئ «التاريخية» التي كانت تجري فيهما عمليات تهريب منذ الحروب الصليبية. ومن خلال تلك الاتصالات جمعت المافيا الجديدة 1500 عضو، ومارست في البداية نشاطات تقليدية قبل أن تنتقل إلى تجارة الهيرويين المنقول عبر مقدونيا، بالإضافة الى تجارة السجائر. وتشير الإحصائيات الى أن جمهورية الجبل الأسود مثلاً تحقق 60 في المئة من أرباحها بفضل تجارة السجائر المهرّبة، ويتردد أن 50 في المئة من إجمالي الإنتاج الداخلي لعدد من البلدان مثل ألبانيا مصدره هذا الاقتصاد الخفي، مع ذلك يبقى النشاط الأكثر مردودية الذي مارسته «ساكرا كورونا أونيتا» هو تجارة المهاجرين. آنذاك، نشطت المافيا الناطقة باللغة الألبانية التي تضمّ ألبانيين وكوسوفيين ومقدونيين ومن الجبل الأسود، وإن كان الرئيس الشيوعي أنور خوجة قد أخضع البلاد لقوانين صارمة حتى وفاته عام 1985، إلا أن خليفته رامز عليا منح تسهيلات لمافيوزي «ساكرا كورونا أونيتا» في مجال تجارة السجائر المهرّبة والمخدرات. وأدى المافيوزيون الألبان لفترة طويلة دور ناقل بضاعة التجار الأتراك، فالروابط التاريخية قد استيقظت بسبب واقع أن ألبانيا تقع على طريق الأفيون المنطلق من أفغانستان ليعبر تركيا والبلقان فيوزَّع في أوروبا بواسطة النمسا أو إيطاليا. حاولت المافيا الصقلية منذ السبعينيات إيجاد مواقع لها في ألبانيا، ومنذ الغزو السوفياتي لأفغانستان عام 1979 ازدهرت الشبكات المافيوزية لمنطقة «الهلال الذهبي». فأدخلت مافيا «ساكرا كورونا أونيتا» مبالغ كبيرة من العملات الصعبة إلى البلاد ما سمح لكثير من الألبان بجمع ثروات ضخمة، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية. وكانت ألبانيا قد شهدت في عام 1997 سلسلة من عمليات الإفلاس تركت الآلاف من البشر في الشارع، ما دفع الكثير الى الهرب من البلاد. ونتيجة هذا الوضع لم تجد المافيات صعوبة كبيرة في تجنيد أعداد كبيرة للمساهمة في توسيع شبكاتها. ففي العام نفسه قصف الحلف الأطلسي مواقع عدة في كوسوفو ما تسبّب في هجرة أعداد كبيرة من ألبان كوسوفو إلى ألبانيا حيث فرضت عليهم المافيا دفع ضريبة فورية، وهذا ما وُصف بنظام الرعب وسيادة العصابات المسلحة، في عصور وسطى جديدة في أوروبا، خصوصاً في العاصمة الألبانية تيرانا وعدد من دول شرق أوروبا. في الستينيات من القرن الماضي، وكرجل صقلي تقليدي، أصدر كاردينال باليرمو بياناً كنسياً أكّد فيه أن المافيا الصقلية أسطورة مزعومة، لم يكن لها نصيب أبداً على أرض الواقع، مع ذلك فقد تلاقت الخيوط وتشابكت القصص بعد ذلك بعقود لتكشف أن المافيا ربما كانت الحقيقة الوحيدة على مدار قرن من الزمان ليس في إيطاليا فحسب، بل في العالم أجمع. من الواضح أن المافيات العالمية تميل إلى التعاون وتبادل المعلومات واحترام الحدود في ما بينها أكثر مما تميل نحو النزاعات، وهذا ما يشكّل ورقة استمرارية رابحة مهمة بالنسبة إليها بحيث إن يدها الخفية تتفوّق على جميع الأيديولوجيات. وأوضح الإيطالي نيكولا ترانفاليا في كتابه المنشور أخيراً «لماذا انتصرت المافيا»، أن قوة المافيا تتعاظم يوماً بعد يوم كقوة اقتصادية، لتصبح دولاً داخل الدول، بما لديها من قدرة على تحقيق تغيير جذري لمعطيات السوق. ويتمتع رجل أعمال المافيا، مقارنة مع رجل الأعمال النزيه، بمزايا عدة أهمها: المال الذي بلا حساب، والقدرة على خفض الأسعار ما دام لا يسعى إلى الربح السريع بقدر ما يسعى الى احتكار السوق، بالإضافة إلى قدرته على تجاوز كل العراقيل والعقبات بأساليبه، وبذلك يتضخّم جسم المافيا لتتحوّل إلى تيار مائي يغمر مناطق جديدة ويكتسح الجميع. في الأحوال كافة، صارت كلمة مافيا تُستخدم أخيراً للتدليل على أقصى درجات الإجرام تنظيماً ووحشية أياً كان نوعها أو منشأها، وذلك بعد أن تخطّت في أنشطتها الحدود والموانع وصارت بلا هوية أو جواز سفر مكتفية بالسلاح والمال، بوابتَيْ الفساد في العالم.هكذا، تزداد القصة تشابكاً والعلاقات تعقيداً لتتخلص المافيا من إرثها الصقلي الإيطالي - ومن بعده الأميركي- لتصبح أكبر مؤسسة إجرامية افتراضية عالمية يصعب الإمساك بها وتحديد أطراف البداية والنهاية، لكن مع ذلك يمكن رصد آثارها بوضوح كقرص الشمس.