طوفان الرعب من الشرق: مسلمون أمام المغول 1 قوم يأجوج ومأجوج

نشر في 29-08-2010 | 00:00
آخر تحديث 29-08-2010 | 00:00
لم يعرف تاريخ البشرية جرائم ومذابح أبشع من تلك التي ارتكبها المغول حين اجتاحوا قارة آسيا، فقد كانوا أكبر فتنة بشرية واجهت الإنسانية، أهلكوا الحرث والزرع، وذبحوا الملايين، وأذلوا الملوك والأباطرة، واستعبدوا الأحرار، واغتصبوا النساء، وسادوا في الأرض فساداً ودماراً بوحشية وهمجية تقشعر منها الأبدان، وعندما بلغوا أوج تأججهم، تراجعوا في انحسار واضمحلال.

أغلب الظن أن قوم يأجوج ومأجوج الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم في سورة «الكهف» وسورة «الأنبياء»، هم الذين خرجوا على ديار الإسلام في القرن الثالث عشر باسم المغول أو التتار. آنذاك، لم يعرف المسلمون أن هؤلاء الهمجيين هم «قوم يأجوج ومأجوج»، ذلك أن ثمة إسرائيليات وأحاديث كثيرة تتحدَّث عن يأجوج ومأجوج بشكل لا يقبله عقل، فقالوا عنهم إن لهم أربع أذرع وأربع أرجل، ومنهم الطويل كالنخلة السحوق، والقصير الذي لا يتعدى طوله شبراً، ومنهم من ينام على إحدى أذنيه ويتغطى بالأخرى، حتى أن بعض المصادر القديمة ذكر أن الله تعالى خلقهم من نطفة آدم حين احتلم فاختلطت بتراب، وأنهم ليسوا من حواء. وللأسف، ذكر هذا الكلام الإمام النووي في شرحه لـ{صحيح مسلم»، ومثل هذه الخرافات هي التي شلت قرائح المجتهدين في الأزمنة الحديثة، على رغم أن هذه الأمور ليست من صلب العقيدة، وباب الاجتهاد فيها مفتوح.

قيل الكثير والكثير عنهم وعن مكان وجودهم، ذلك أن الكرة الأرضية في تلك الأزمان كانت مجهولاً بالنسبة إلى الإنسان، وبالتالي كان الذين وصلهم خبر قوم يأجوج ومأجوج يتصورَّون أنهم يعيشون في مكان خفي من الأرض وخروجهم سيكون آخر الزمان، والنص القرآني أكّد على أن هؤلاء موجودون في مكان ما على الأرض، ومع تطور البشرية واكتشاف نواحي الأرض كافة ومخلوقاتها كلها، أصبح في حكم اليقين أن «يأجوج ومأجوج» هم المغول، خصوصاً أن صفات المغول تتفق تماماً مع الأحاديث النبوية الصحيحة التي ذكرتهم، وما فعله التتار بالبشر كان أبشع فتنة تعرض لها بنو البشر حتى الآن.

سلالة يافث

يأجوج ومأجوج من أبناء يافث ابن نبي الله نوح عليه السلام، والذي قسم أبناءه الثلاثة على أنحاء الأرض وخصَّ يافث بمشرقها، فاستقر في تلك الرقعة الشاسعة ذات الأحوال المناخية والتضاريسية القاسية، ورزقه الله تعالى بعدد من الأولاد البنين، جاء ذكرهم في «التوراة» في سفر «التكوين»، وهم: «جومر، ماجوج، ماداي، ياوان، توبال، ماشك، تيراس»، وفي هذه الرقعة تناسلوا وتكاثرت ذريتهم، وانتشروا يستوطنون تلك المنطقة الشاسعة، فشكلوا أمة لها من الخصائص والصفات والملامح ما يميزها عن أبناء العم.

وفي سفر «حزقيال» بـ{التوراة» نقرأ:

«يا ابن آدم اجعل وجهك على جوج أرض ماجوج رئيس روش ماشك وتوبال وتنبأ عليه وقل، هكذا قال السيد الرب ها أنا ذا عليك يأجوج رئيس روش ماشك وتوبال، وأرجعك وأضع شكائم في فكيك وأخرجك أنت وكل جيشك خيلا وفرسانا كلهم لابسين أفخر لباس، جماعة عظيمة مع أتراس ومجان كلهم ممسكين السيوف، فارس وكوش وفوط معهم كلهم بمجن وخوذة، وجومر وكل جيوشه وبيت تومرجه من أقاصي الشمال مع كل جيشه شعوبا كثيرين معك، استعد وهيئ لنفسك أنت وكل جماعتك المجتمعة إليك فصرت لهم موقراً».

وطن {يأجوج ومأجوج}

استقرت سلالة يأجوج ومأجوج في صحراء «جوبي»، منغوليا اليوم، وهي وطنهم المنسوب إليهم، لأنها تنطق «مانجوليا» نسبة إلى ماجوج، بحرف الجيم، وفي بعض اللهجات التي تنطق الجيم غين تنطق «مانغوليا»، وفي اللغة الفارسية تنطق الجيم كاف، فتنطق «مانكوك»، وفي العبرية «ماكوك»، وفي اليونانية «ميكاك».

وقال مارك بولو (1254 ـ 1324) في رحلاته الشهيرة وهو يتكلم عن التتار الذين عايشهم في وطنهم وارتبط بصداقات مع بعضهم: «يمارسون سلطانهم في منطقتين تسميان في قسمنا هذا من العالم (يقصد أوروبا) يأجوج ومأجوج، لكن الأهالي هناك يسمونهما أونج ومونجول، وفي كل منهما جنس من الناس يتميز عن الآخر، فهم في «أونج» يأجوج، وفي «مونجول» تتار».

ومما سبق يتضح أن هذه الكلمات كافة مرجعها وأصلها كلمة «مأجوج»، لكنها تحورت مع الزمن وأصبحت تعرف باسم «منغوليا»، حيث يوجد نهر أرتون (أورخون) الذي ينبع من جبل «قرة قوم» وينطقها البعض «قراقورم» ـ الذي تسمت عاصمة مملكتهم باسمه كما سنرى لاحقاً ـ وهي أكثر مناطق العالم ارتفاعاً ووعورة، وتكثر بها النتوءات والجبال الشاهقة التي يزيد ارتفاع بعضها على ستة آلاف متر فوق سطح البحر، حيث توجد سلاسل جبلية شهيرة عدة.

منغوليا أرض لها سماتها الخاصة، فهي صحراء قاسية، محاطة بسلاسل جبلية شاهقة أشبه بسور منيع تعزلها عن باقي قارة آسيا، ولا تتصل بالعالم إلا عبر ممرات ضيقة تربطها بالصين جنوباً وشرقاً، وآسيا الصغرى غرباً.

لا يقف الأمر عند تلك التربة القاسية فحسب، إذ يسودها المناخ القاري المتطرف جداً، ففي الشتاء تصل الحرارة إلى 32 درجة تحت الصفر، حتى أن المياه تتجمد في أواني الشرب، وكان سكانها يدهنون وجوههم وأجسادهم بطبقة من الشحم لمقاومة هذا البرد القارس، وتصاب الحياة الطبيعية بالشلل، أما صيفاً فتسجل درجات الحرارة أرقاماً قياسية، تزيد أحياناً على 60 درجة وتحيل الصخور إلى جمرات ملتهبة، فضلاً عن العواصف الترابية الرهيبة المعروفة بالأعاصير الرملية، إلى درجة أن السكان كانوا ينبطحون أرضاً كي لا تقذفهم الريح، وكان الجفاف يضرب المنطقة في حر الصيف وبرد الشتاء، بما يشكل في النهاية أقسى بيئة قد يستوطنها بشر على سطح الكرة الأرضية، ومع ذلك كانت هذه البيئة التي تكاثر فيها هؤلاء القوم، فتأقلموا مع تلك الظروف الأكثر من قاسية، فلم يشعروا بقسوتها، بل جعلوها مملكة خاصة بهم، ومنها خرجوا كالأعاصير ينشرون الخراب والدمار في سائر البلاد المحيطة بهم.

ملامح وصفات خاصة

تتميز سلالة يافث بالرأس المستدير، والشعر الأسود، والجبهة العريضة، والعينين المنحرفتين، والوجه العريض المفلطح، والأنف العريض، والأذنين الطويلتين الضيقتين، والشفتين المتوسطتين، والقامة المتوسطة، واللون المائل إلى الصفرة.

لكن سلالة يأجوج ومأجوج ميزها الله بصفات خاصة جدا عن أبناء سلالة يافث، فأبناؤها يتميزون بسحنة نارية قبيحة ليس لها مثيل في السلالات البشرية، ويقول معاصروهم إنهم يثيرون الاشمئزاز والرعب، فعيونهم صغيرة سوداء ومدفونة بعمق في الرأس، وأنوفهم مسطحة فطساء، وشعرهم أسود صلب، وأجسامهم مربوعة القامة ممتلئة ومنتصبة على الدوام، وأطرافهم قوية ومكتنزة، ورقابهم غليظة وصلبة، وأكتافهم عريضة، وعضلاتهم بارزة، ورؤوسهم بالنسبة إلى أجسامهم كبيرة وتضفي عليهم وحشية، ولونهم داكن يثير القرف، وقد خصهم الله تعالى بسلوكيات تتسم بالقسوة، حتى أصبحوا كالنار في سرعة تأججهم، وقسوتهم وهمجيتهم.

وتعرّض وول ديورنت في مؤلفه الشهير «قصة الحضارة ـ ج2» لوصفهم، وكان الأوروبيون يسمونهم «الهون»، حين اجتاحوا أوروبا في القرن الخامس الميلادي، ومما كتبه عنهم:

«هؤلاء ليسوا ببشر، وليس لهم لسان مفهوم كسائر خلق الله، ولا حرفة عندهم إلا الصيد وإدخال الرعب في قلوب أعدائهم، فقد كان مظهرهم مخيفاً لدرجة أن الشعوب القوية كانت تهرب في فزع تجنبا للقائهم، لأن لونهم الداكن ووجوههم الكالحة كانت تقذف الرعب في القلوب، فهم لا يملكون رأسا كالآدميين، وإنما لهم كتلة من العظام تقف على العنق لا شكل لها، وبها ثقبان صغيران يمثلان العينين.

وقسوتهم تجاه أبنائهم لا تعرف لها حدوداً، فقد كانوا يعاملون مواليدهم بفظاظة زائدة، ففي اليوم الأول من مولد الطفل يخدشون وجناته بالسيف قبل أن يسمحوا له بالرضاعة من ثدي أمه، ويقصدون من وراء ذلك أن يشعروا كل طفل من أبنائهم بآلام الجروح قبل أن يستشعر لذة لبن الأم، وعندما يكبر تظهر على وجنتيه آثار تجاعيد عميقة ومتجمدة، لذلك لا تنبت لأحدهم لحية، أما الوجه فيصبح قبيحاً بصورة مشوهة».

كل من عاصر المغول (أو التتار)، وكل من بحث في سيرتهم يؤكد على أن الجندي المغولي محارب من الطراز الأول، ويتمتع بجرأة فريدة، وشجاع إلى حد التهور، وله قدرة فائقة على الحركة بسرعة، ويركب الخيل ببراعة لا مثيل لها، ولا يعرف الخوف ولا الرحمة، ولا يتفوق عليه أحد في استخدامه القوس والسهم، حتى أنه يرمي الأخيرة إلى الخلف ومن جميع الاتجاهات، وبأقصى سرعة، ففي الوقت الذي يرمي فيه أي مقاتل سهماً يكون المغولي قد رمى بثلاثة على الأقل.

المغول أيضاً كانوا يتحملون أنواع الحرمان كافة، وإذا اقتضت الضرورة عاشوا شهراً كاملاً على لبن أفراسهم وعلى ما يتصادف لهم صيده ولو كان أحد الحيوانات المفترسة، واعتادوا على البقاء فوق صهوات الخيل يومين وأكثر بلا ترجل، ولا يفوقهم شعب على وجه الأرض في الجلد وتحمل الشدائد، وفي خروجاتهم المدمرة كان في استطاعتهم الزحف 10 أيام متصلة من دون تجهيز أطعمة، وكانوا يعيشون على دم خيولهم، إذ يشق كل رجل عرقاً بسيفه ويشرب من دم حصانه، وإذا تعب حصان أحدهم بدله بغيره، فلكل رجل 18 حصاناً وفرساً.

بهذه الإمكانات القتالية الفائقة، اكتسحت جموع يأجوج ومأجوج مناطق واسعة من العالم، وسحقت جيوشاً وخربت أوطاناً لأمم بلغت درجة عالية من التقدم والرقي مثل الصين وأوروبا.

خروجات يأجوج ومأجوج

عرفت سلالة يأجوج ومأجوج بأسماء متعددة، فأطلق عليهم عند الآشوريين في القرن السادس قبل الميلاد اسم «السكيثيون»، وسماهم الصينيون في القرن الثالث قبل الميلاد «هسيونج ـ نو»، وفي القرن الخامس الميلادي ناداهم الأوروبيون باسم «الهون»، وفي آخر خروجاتهم في القرن الثالث عشر الميلادي أطلق عليهم «المغول»، وسماهم الصينيون «تاتا» نسبة إلى قبيلة تاتا المتحدرة من أصولهم نفسها، وكانت متاخمة لحدودهم الشمالية، ومنها أخذ المسلمون اسم «التتر» ثم تحورت إلى «التتار».

وكان أول خروجات يأجوج ومأجوج على الصين، في عهد حكم أسرة «هيا» في الفترة من 2206 إلى 1779 قبل الميلاد، ثم كان خروجهم الثاني في الفترة من 1500 إلى 1000 قبل الميلاد، وامتد ليشمل مناطق بحر قزوين والبحر الأسود وشمال القوقاز وحوض نهر الفولجا والدانوب، وأحدث اضطرابا شديدا بتلك المناطق.

وسجل القرن السابع قبل الميلاد خروجهم الثالث، إذ تدفقت جموعهم على المناطق السهلية جنوب روسيا، ومنها انتشروا حول بحر قزوين والبحر الأسود وشمال القوقاز، واصطدمت طلائعهم جنوباً بالآشوريين (كان الآشوريون آنذاك قوة عظمى على الأرض)، فدمروا حصونهم واستحكاماتهم، ووصلوا إلى عاصمتهم «نينوي» وكانت إحدى أشهر مدن العالم وأقواها حصوناً في زمنها، وأحلوا فيها الدمار والخراب على رغم قوة استحكاماتها ومناعة حصونها، ثم واصلوا هجماتهم الوحشية فعبروا جبال طوروس (جنوب تركيا اليوم) حتى وصلوا إلى شاطئ البحر المتوسط، فقتلوا عشرات الآلاف من أبناء القبائل القاطنة في تلك المناطق من دون شفقة ولا رحمة، وأخضعوها لنفوذهم، وأشاعت جموعهم الخوف والذعر بين السكان.

ذو القرنين

جاء الخروج الرابع ليأجوج ومأجوج بعد ذلك في القرن السادس قبل الميلاد، وهو الخروج الذي ذكره القرآن الكريم في سورة «الكهف»، وجاءت قصتهم مرتبطة بذي القرنين، فتلك السورة ضمت أكبر عدد من القصص التاريخية، مثل أهل الكهف، وموسى والعبد الصالح، والرجل صاحب الجنتين، ثم قصة يأجوج ومأجوج وذي القرنين.

وثمة اتفاق على أن قوم يأجوج ومأجوج هم من أطلق عليهم المسلمون اسم «المغول»، لكن ثمة خلاف كبير حول شخصية ذي القرنين التي ذكرها الله تعالى في السورة الكريمة، ولا بد من أن نتوقف عن سرد قصة هؤلاء القوم، لنعرض أشهر الاجتهادات التي ساقها البعض بالحجج والبراهين لكشف شخصية ذي القرنين، ثم نتابع قصة أولئك المتوحشين.

الإسكندر الأكبر

معروف أن ذا القرنين هو الإسكندر المقدوني، أو الإسكندر الأكبر، أو الإسكندر بن فيليبس، بل يأتي ذكره في كثير من الكتابات باسم «الإسكندر ذي القرنين»، على رغم أن كلمة «الإسكندر» غير عربية، فيما أن «ذا القرنين» عربية، ولا يمكن أن يكون هناك أي انسجام في عبارة نصفها عربي ونصفها الآخر أعجمي.

قال عنه ابن كثير (1300 ـ 1372 م) في الجزء الثاني من موسوعته الشهيرة «البداية والنهاية»: «بعض أهل الكتاب يقول إنه سمي ذا القرنين لأنه ملك فارس وبلاد الروم، وقيل لأنه بلغ قرني الشمس غرباً وشرقاً وملك ما بينهما من الأرض...».

وفي تفسيره المعروف باسم «الكشاف» قال الزمخشري

(1074 - 1143م) عن ذي القرنين: «إنه الإسكندر، وقيل إنه عبد صالح... نبي... ملك، وذكرت رواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أنه سمي ذا القرنين لأنه طاف قرني الدنيا أي جانبيها شرقاً وغرباً، وقيل كان لتاجه قرنان، كان على رأسه ما يشبه القرنين».

وأورد القرطبي (متوفى 1272 م) في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن» أقوالاً كثيرة، فذكر: «كان من أهل مصر واسمه «مرزبان»، ونقل عن ابن هشام أنه الإسكندر، وقيل إنه الصعب بن ذي يزن الحميري، وكلها روايات وأقوال تخمينية ولا سند لها».

وقال الطبري (838 - 923 م) في تاريخه إن ذي القرنين الأكبر كان على أيام إبراهيم الخليل عليه السلام وأن الخضر بلغ مع ذي القرنين عين الحياة فشرب من مائها وهو لا يعلم به ذو القرنين ولا من معه فخلد وهو حي عندهم إلى الآن (!!).

أبو الكلام أزاد

ظلَّ ذو القرنين محصوراً في الشخصيات السابقة، حتى خرج المفكر الهندي أبو الكلام أزاد بنظريته الجديدة، في خمسينيات القرن العشرين.

أبو الكلام كان رجل دين وفكر وسياسة، يتقن الأردية والفارسية والعربية والإنكليزية، وشارك مع غاندي في تحرير الهند، وكان رئيساً لحزب المؤتمر لسنوات عدة، كذلك شغل منصب وزير المعارف 10 سنوات متصلة، وهو أحد أربع شخصيات يعتبرهم الهنود أعمدة دولتهم، وعاش بين عامي 1888 و1958 م، ووضع تفسيراً للقرآن باللغة الأردية باسم «ترجمان القرآن» لكنه تُوفي قبل اكتماله.

أشهر مؤلفات أبو الكلام كتابه «ويسألونك عن ذي القرنين» الصادر عام 1952، وخلص فيه إلى أن ذا القرنين هو الملك الفارسي «كورش الثاني»، واجتهد في تحديد مكان السد الذي قام فيه ذو القرنين لصد هجمات يأجوج ومأجوج، ودعم ذلك بالخرائط والصور.

لم يرتض أزاد قولاً من الأقوال السابقة، بل ردَّها وعلّق: «قامت على افتراض لا يدعمه دليل»، ورد على من يقولون إن ذا القرنين هو الإسكندر المقدوني.. بأنه «لا يمكن أن يكون هو المقصود في القرآن، إذ لا تعرف له فتوحات في المغرب، ولم يعرف عنه أنه بنى سداً، ثم إنه ما كان مؤمناً بالله، ولا شفيقاً عادلا مع الشعوب المغلوبة، وتاريخه مدون معروف}.

كورش الفارسي

أمسك أبو الكلام بالخيط الدقيق الذي وصل به إلى الحقيقة... فقرأ وبحث ووجد في الأسفار وما ذكر فيها من رؤى للأنبياء من بني إسرائيل وما يشير إلى أصل التسمية «ذي القرنين» أو «لوقرانائيم» كما جاء في التوراة... وما يشير كذلك إلى الملك الذي أطلقوا عليه هذه الكنية، هو الملك «كورش» أو «خورس» كما ذُكر في التوراة، وتكتب أيضاُ «غورش» أو «قورش».

يقول أزاد: «خطر في بالي للمرة الأولى هذا التفسير لذي القرنين في القرآن، وأنا أطالع سفر دانيال ثم اطلعت على ما كتبه مؤرخو اليونان فرجح عندي هذا الرأي، لكن شهادة أخرى خارج التوراة لم تكن قد قامت بعد، إذ لم يوجد في كلام مؤرخي اليونان ما يلقي الضوء على هذا اللقب .

ثم بعد سنوات لما تمكنت من مشاهدة آثار إيران القديمة ومن مطالعة مؤلفات علماء الآثار فيها زال الحجاب، إذ ظهر كشف أثري قضى على سائر الشكوك، فتقرر لديَّ بلا ريب أن المقصود بذي القرنين ليس إلا كورش نفسه، فلا حاجة بعد ذلك أن نبحث عن شخص آخر غيره.. .إنه تمثال على القامة الإنسانية، ظهر فيه كورش، وعلى جانبيه جناحان، كجناحي العقاب، وعلى رأسه قرنان كقرني الكبش، فهذا التمثال يثبت بلا شك أن تصور «ذي القرنين» كان قد تولد لدى كورش، لذلك نجد الملك في التمثال وعلى رأسه قرنان أي أن التصور الذي شكله أو أوجده اليهود للملك المنقذ لهم «كورش» كان قد شاع وعرف، حتى لدى كورش نفسه على أنه الملك ذو القرنين... أي ذو التاج المثبت على ما يشبه القرنين، كما يتبين من صورة التمثال، سواء قلنا إنه صنع في عهده نفسه، أو في عهد خلفائه».

حدد أزاد الصفات التي ذكرها القرآن لذي القرنين، ورجع إلى المصادر اليونانية فوجدها متلاقية تماماً مع القرآن الكريم، وكان هذا دليلاً قوياً آخر على صحة ما وصل إليه من تحديد لشخصية ذي القرنين.

وكورش ملك فارسي ظهر في منتصف القرن السادس قبل الميلاد فيما كانت بلاده منقسمة إلى دويلتين تقعان تحت ضغط مملكتي بابل وآشور القويتين، فاستطاع توحيد الدولتين الفارسيتين تحت حكمه، ثم استطاع أن يضم إليها البلاد شرقاً وغرباً بفتوحاته التي أشار إليها القرآن الكريم، وأسس أول إمبراطورية فارسية، وحين هزم ملك بابل سنة 538 ق.م.، وأتاح للأسري اليهود فيها الرجوع إلى بلادهم، مزودين بعطفه ومساعدته وتكريمه، وظل حاكماً فريداً في شجاعته وعدله في الشرق حتى توفي سنة 529 ق.م.

سد

حدد أزاد مكان السد الذي بناه ذو القرنين لصد هجمات يأجوج ومأجوج، بأنه في البقعة الواقعة بين بحر الخرز (بحر قزوين) والبحر الأسود، حيث توجد سلسلة جبال القوقاز بينهما، وتكاد تفصل بين الشمال والجنوب إلا في ممر كان يهبط منه المغيرون من الشمال إلى الجنوب، وفي هذا الممر بني كورش سده، كما فصله القرآن الكريم، وتحدثت عنه كتب الآثار والتاريخ.

ويؤكد أزاد كلامه بأن الكتابات الأرمنية ـ وهي كشهادة محليةـ تسمى هذا الجدار أو هذا السد من قديم باسم «بهاك غورائي» أو «كابان غورائي» ومعنى الكلمتين واحد، وهو مضيق «غورش» أو «ممر غورش» و «غور» هو اسم «غورش أو كورش».

ويضيف أزاد فوق هذا شهادة أخرى لها أهميتها أيضاً وهي شهادة لغة بلاد جورجيا التي هي القوقاز بعينها، فقد سمي هذا المضيق باللغة الجورجية من الدهور الغابرة باسم «الباب الحديدي».

back to top