أميركا تريد تغيير الأشخاص وتثبيت النظام

نشر في 03-02-2011
آخر تحديث 03-02-2011 | 00:00
 حسن مصطفى الموسوي خلال أقل من شهر وجدت أميركا وبقية الدول الغربية العظمى نفسها في ورطة؛ لأنه كان عليها جميعا أن تضع شعارات- طالما تغنت بها مثل حقوق الإنسان والديمقراطية- على المحك، والتي تناقض مصالحها القومية القائمة على كلمة سر واحدة هي «إسرائيل».

ففساد بعض الأنظمة العربية الدكتاتورية ليس أمرا جديدا ولا مخفيا، بل هو معروف لدى الجميع بما فيها هذه الدول العظمى، ووثائق «ويكيليكس» شاهدة على ذلك، لكن مادامت هذه الأنظمة تلبي مصالح هذه الدول العظمى فلتذهب الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى الجحيم، فأميركا نفسها التي تنادي بالديمقراطية هي التي دعمت انقلابات دكتاتورية على أنظمة ديمقراطية ابتداء بالانقلاب على حكومة مصدق الديمقراطية في إيران الخمسينيات، والتي قادها عميل الاستخبارات الأميركية «كيرميت روزفلت»، حفيد الرئيس السابق «تيودور روزفلت»، مرورا بدعم الدكتاتور الدموي «بينوشيه» في تشيلي وبقية الدكتاتوريين في أميركا الجنوبية، انتهاء بدعم بعض الأنظمة العربية الخائبة.

بل إن تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين بشأن ثورة الشعب المصري تعد أكبر دليل على دعمهم لنظام فاسد، فوزيرة الخارجية كلينتون تطالب بخطة «مدروسة تأتي بحكومة ديمقراطية قائمة على المشاركة»، وشددت على أن بلادها لا تريد أن ترى «استحواذا على السلطة لا يؤدي إلى الديمقراطية بمصر». وهو اعتراف ضمني بأن الوضع الحالي وما سبقه خلال ثلاثين سنة ليسا ديمقراطيين. إذن لماذا دعمتم هذا النظام طيلة هذه العقود معنويا وماديا بأكثر من مليار دولار سنويا؟!

وأضافت كلينتون أن «رسالة أميركا كانت متسقة، نريد أن نرى انتخابات حرة ونزيهة ونتوقع أن يكون هذا أحد نتائج ما يجري الآن». إذن لماذا الآن بالتحديد أصبحت الانتخابات الحرة والنزيهة ضرورة؟ أم أنكم لم تسمعوا عن عمليات التزوير الواسعة والمنظمة في جميع الانتخابات الرئاسية والتشريعية منذ ثلاثة عقود إلى الآن؟

والرئيس أوباما يدعو السلطة المصرية إلى «القيام بخطوات ملموسة من أجل الإصلاح السياسي في البلد»، وهذا لعمري قمة التناقض لأنه اعتراف بأن الوضع الحالي فاسد، ومن المستحيل على نظام غارق في الفساد لثلاثة عقود أن يقوم بالإصلاح لأن «فاقد الشيء لا يعطيه».

أميركا الآن مرتبكة، ويمكنكم أن تقارنوا بين موقفها من ثورات أخرى مثلما حصل في أوكرانيا وجورجيا وموقفها حيال الثورة في مصر، فهي لا تريد أن تنجح هذه الثورة لأن قيام نظام ديمقراطي حقيقي في مصر- الدولة ذات البعدين الاستراتيجي والعربي القومي الخطيرين- يعني وصول رئيس وبرلمان يعبران بوضوح عن سياسة مناهضة لإسرائيل، وبذلك تفقد إسرائيل العمود الفقري لمحور ما يسمى بالاعتدال وأهم حليف لها بالمنطقة، وتكون محاصرة بين قوى مقاومة وأخرى مساندة لهذا النهج، مما يعني تهديدا مباشرا لأمن إسرائيل القومي ومسألة وجودها، وهذا ما يفسر الدفاع الصهيوني المستميت عن النظام الحالي ومحاولة تخفيف الضغط العالمي عليه.

من كل ما سبق، بات واضحا أن ورقة الرئيس المصري الحالي احترقت لدى أميركا، وهي تقوم الآن «بعد خراب البصرة» بمحاولة الإبقاء على النظام الحالي مع تغيير الأشخاص، ومن هنا نفهم التعيين الأخير لمنصب نائب رئيس الجمهورية، ولذلك يجب أن يكون الشعب المصري يقظا ومصرا على تحقيق مطالبه بتغيير كلي للنظام لأن المعركة مصيرية بالنسبة لإسرائيل وحليفاتها، واهتمام هذه القوى بمصر أكبر من اهتماماتها بالوضع التونسي بمراحل.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top