في رثاء غانم الصالح توّ الناس يا فتى الجبل والبراري والقفار

نشر في 01-11-2010 | 00:00
آخر تحديث 01-11-2010 | 00:00
أن يسمع المرء برحيل إنسان معطاء ومبدع حقيقي في زمن يبخل علينا بأمثاله، لهو أمر مفجع. اليوم، سبقتني دموعي قبل استكمال قراءة خبر رحيل الفنان غانم الصالح المبكر، وهو في عزّ قدرته على العطاء والإبداع، ووجدتني أضع يدي على قلبي وأعدّ المبدعين الحقيقيين في عالمنا العربي من أمثال الراحل، وكم أخاف أن أصدم بهم يوماً، فقد باتوا، في زماننا العربي هذا، كقصائد الشعر اليتيمة والنادرة التي لا يستطيع النسيان محوها ولا يستطيع الإبداع الإتيان بمثلها، سواء في الفن أو الأدب أو العلم والفكر أو حتى على صعيد الأخلاق والمبادئ الإنسانية. فوجئت اليوم بخبر رحيل الفنان غانم الصالح، الذي أتحفنا بأوقات ممتعة ومفيدة وأدخل الفرح إلى قلوبنا.

غانم الصالح فتى الجبل والبراري والقفار في «باي باي لندن»، المسرحية الشهيرة التي لخصت أزماتنا العربية وأسباب تراجعنا عن الركب الحضاري، وسلطت الضوء على بعض تقاليدنا الضارة وأنماط حيواتنا البالية وأمثالنا المتحجرة التي صارت ثوابت تشدّنا إلى الوراء.

جسّد الراحل برفقة زميله المبدع الكبير عبد الحسين عبد الرضا، الذي نتمنى له الصحة وطول البقاء، وبقية الفنانين في تلك المسرحية وبشكل كوميدي مذهل، واقعنا المضحك المبكي كما هو حقاً، وكشفا بصراحة الصفات الغالبة في شخصية الرجل العربي، فتمنيت أن يراها الرجال العرب كافة ليس بعيونهم فحسب إنما بعقولهم ليتعرفوا من خلالها إلى ذواتهم، بالتالي ليفكروا في خيباتنا وكيف وصلنا إلى ما نحن فيه، وليعترفوا بما يقترفونه بحق مجتمعاتنا السائرة إلى التفكك والتشرذم والضياع. لقد نبّه الراحل، في أعماله، الرجل العربي وانتقد تصرفاته الطائشة من خلال أدواره في مسلسلاته التي أمتعتنا كثيراً.

سيكون غياب الفنان غانم الصالح محزناً لكل من شاهد له عملاً ما، إنه فنان لا يُنسى حقاً، وعلى رغم أنني لم ألتقِ به شخصياً مع الأسف، لكني كلما رأيته على الشاشة الصغيرة، أتذكّر أنني من «شعوب كان وأخواتها»، الجملة التي قالها في «باي باي لندن» والراسخة في ذهني منذ ما يقارب العشرين عاماً وأثرت في حياتي كثيراً، لأنها صرخة لتنبيه العرب ليفكروا في مستقبلهم وليخرجوا من شرنقة الماضي الذي لم يبقَ منه سوى الكلام وقصائد الفخر والأناشيد غير النافعة، إذ لا يمكن أن يواجه السيف والرمح اليوم الأسلحة النووية الفتاكة، فأين نحن العرب من العالم الذي نعيش فيه كمستهلكين فحسب؟

أخيرا، أعتذر من روح الراحل لأنني لن أقف حداداً عليها، تعيش روحه معنا دوماً وتخلد خلود أعماله، لكنني أقف إجلالا لما قدمه لنا من أعمال، وبحسرة الفقد لن أقول له وداعاً، إنما اقول له: «تو الناس يا فتى الجبل والبراري والقفار»...

تو الناس باللهجة الكويتية: لم يحن الوقت للرحيل بعد، فهو مبكر..

back to top