رحل والله والوطن 
ما زالا من وراء قصده

نشر في 10-10-2010
آخر تحديث 10-10-2010 | 00:00
 د. عباس المجرن عملاق تميز بالعفوية والطيبة والبساطة والتواضع، مقاتل سلاحه قلمه الرشيق ونقده البناء، وطني مطلق الشفافية في انحيازه إلى قضايا وطنه وأمته، رجل مبادئ لم يتوانَ لحظة عن الوقوف في وجه الظلم حيثما كان. رحل ضمير الوطن، لكن مواقفه لم ترحل، وغراسه سيظل شامخاً تتناقله الأجيال، فلتنكفئ أقلام تجار الكلمات.

فقدت الصحافة الكويتية علماً شامخاً من أعلامها برحيل محمد مساعد الصالح، الكاتب الكبير الذي لم يطرق الكبر أو التكبر بابه، والصديق الصدوق الذي كان يتحرى الدقة قبل أن يكتب الكلمة، وامتلك ناصية الشجاعة، فلا يكابر إن رأى وجهاً آخر للحقيقة، رحل الإنسان الذي آثر على مدى حياته الثرية بالنقاء أن يبتعد عن بؤر الرياء والزيف والتلوث، وأن يقف مدافعاً عن الحق والحقيقة.

رحل فارس «الله بالخير» بعد أن ملأ دنيا قرائه بالآراء الحصيفة والسديدة، وملأ قلوبهم جزلاً بقلمه الرشيق وقطفاته المعبرة. رحل مبدع الكلمات العميقة المعنى على قصرها، رحل دون أن يترجل عن فرسه، مقاتلاً بالكلمة الجريئة تجار الكلمات في زمن عزّت فيه الفروسية وندرت فيه الشهامة، رحل وهو واقف يجادل خصومه جدالاً حضارياً راقياً مستخدماً الكلمات نفسها التي بدأ بها في خمسينيات القرن الماضي.

من «البعثة» إلى «الاتحاد» إلى «من عره وبره» إلى «هدفي هدفك» ووصولاً إلى «الله بالخير»، ظل ينتقي مفرداته بدقة متناهية، يعيد كتابة الكلمة مرة ومرتين وثلاث لكي لا تجرح من يخاطب، كان يترفع عن صغائر الآخرين ويؤثر عدم الرد على المرادفات الساقطة، وكما كان حقوقياً بارعاً ومدافعاً عن الحق بين ردهات القضاء، كان صحافيًا مبدعاً لم تثنه في أي من الآلاف من كتاباته لومة لائم في الدفاع عن حقوق الناس وانتقاد كل مظلمة، ومازال «الله والوطن من وراء قصده» في كل ما كتب.

كان متابعاً مثابراً لكل الوقائع والأحداث، وذا نظرة فريدة ثاقبة لا تخطئ بوصلة الموقف الوطني أو الإنساني، وذا موهبة لا تنفك تسخر من مرارة الواقع، وذا أفكار ذكية متوقدة يغلفها بالمرح الذي لا يفقد كتاباته سهماً هنا أو رمحاً هناك.

عملاق تميز بالعفوية والطيبة والبساطة والتواضع، مقاتل سلاحه قلمه الرشيق ونقده البناء، وطني مطلق الشفافية في انحيازه إلى قضايا وطنه وأمته، رجل مبادئ لم يتوانَ لحظة عن الوقوف في وجه الظلم حيثما كان. رحل ضمير الوطن، لكن مواقفه لم ترحل، وغراسه سيظل شامخاً تتناقله الأجيال، فلتنكفئ أقلام تجار الكلمات.

كل العزاء لأسرة فقيدنا الكبير ولآل القناعات وقرائه ومحبيه، بل للكويت قاطبة.

back to top