رابطة الأدباء أبّنت الأديب الراحل أحمد السقاف... مسيرة مناضل أضاء دروب الثقافة
افتتحت «رابطة الأدباء» موسمها الثقافي بأمسية تأبينية للأديب الراحل أحمد السقاف، تضمَّنت شهادات معاصريه حوله، أستاذاً ومربياً، وقصائد رثاء إلى جانب معرض يضمّ إصداراته.على رغم الحزن لرحيله، كانت ليلة السقاف في «رابطة الأدباء» مفعمة بالأمل، عابقة بسيرة مناضل تسلَّح بالعقل والفكر المستنير، فقد أكد المتحدثون والشعراء أن ما غرسه الراحل لم يذهب سدى.
وعقب كلمة لمقدّم الأمسية عبد الله السرحان استعرض فيها محطات مهمة من حياة السقاف، أكّد الأمين العام للرابطة د. خالد الشايجي أن الأديب الراحل كان أحد أعمدة إيقاظ الوعي القومي في الكويت وأحد روافده، مشيراً إلى أن ذكراه ستبقى في ضمير الأدب والثقافة والشعر الكويتي ما بقي ذلك في الكويت. أضاف الشايجي: «السقاف شخصياتٌ متعددة، فهو معلمٌ ومناضلٌ وكاتبٌ وشاعرٌ ومقاتلٌ بنفسه وبقلمه ضد الجهل وضد أعداءِ أمته، فلم يبخل في أي جانب من جوانب حياته، دماً، أو بذلاً، أو قلماً، وكان دفاقَ العطاء، سباقَ الخطى في كل وجهةٍ من الخير هو موليها».تابع الشايجي: {ورابطة الكويت التي كان أحد رؤسائها وقيادييها السابقين تُعَزي نفسها والأدب الكويتي على فقدان هذا الرجل وترجو الله القدير أن يتغمده بواسع رحمته ويلهمنا وذويه السلوان. وأمثاله الذين يقول فيهم المتنبي: وإذا كانت النفوس كبارا / تعبت في مرادها الأجسام».كلمة محمد السقافألقى محمد ابن الراحل، محمد الصقاف، كلمة عبّر فيها عن مشاعره تجاه والده، قائلاً: {حقيقة لا أود أن تكون كلمتي رثاء أو تأبيناً للشاعر والأديب والمربي والدبلوماسي والأب أحمد السقاف، بل أريد أن يكون لها معنى أكبر من شخصه لأن هذا ما كان سيريده والدي، لذلك حاولت أن تكون كلمتي احتفالاً لما كان يمثله السقاف».تحدّث السقاف الإبن عن سمات والده، مؤكداً حرصه على ترسيخ قيم ومبادئ ترتكز على المنطق والعقل والصفات الجميلة، مشدداً على ضرورة عدم المساومة أبداً على الكرامة مهما كان الثمن.كذلك، أكّد أن زمن السقاف ورفاقه يدعونا إلى الفخر بالمكتسبات الديمقراطية والحرية والتسامح الديني، مبدياً تذمره من تدهور الأوضاع راهنا مستغرباً من أن يُنعت اليوم دعاة الحرية والديمقراطية بالسذاجة والسخف. وشدَّد على ضرورة حدوث ثورة تعليمية وثقافية تعيد تأهيل الإنسان الكويتي، محذراً من الانزلاق في عالم داكن ووعر... «لكن يبقى الأمل».رؤية ساميةتحدّث الدكتور خليفة الوقيان عن الراحل، فقال: «لم تكن العروبة في مفهومك عِرْقا، بل هي لسان؛ فكل من اختار العربية لساناً له فهو عربي، بصرف النظر عن الأصول التي تحدّر منها. وتلك رؤية إنسانية سامية لم يدرك كنهها من ناصبوا العروبة والقومية العداء، لم تكن دعوتكم تلك مقبولة لدى أعداء الأمة؛ فهي تشكل الخطر الأكبر الذي يتهدد مصالحهم، لذلك... تصدوا لمحاربتها بكل أسلحتهم الفتاكة، وكان البدء بخلق تضارب مصطنع بين العروبة والإسلام، وهم يعلمون أنهما وجهان لعملة واحدة. وقد دفعت الأمة ثمناً فادحاً نتيجة ذلك الوهم الذي تبيّن للجميع بطلانه في ما بعد.وقد بذلت أيها المعلم الكبير جهداً مضنياً في توضيح هذه الحقيقة، وأحسب ان جهدك لم يذهب سدى. وتقدم أعداء الأمة خطوة أخرى على طريق التدمير، حين أجّجوا الصراع بين أبناء الدين الواحد، من خلال تغذية الغلو الطائفي الذي يُعدُّ الآن أحدث أساليب التدمير والتخريب وأخطرها. أما أنت أيها السيد الهاشمي فكنت مجمع البحرين وملتقى النهرين الإسلاميين الكبيرين، لا تفرّق بينهما، فلماذا لا يهتدي الآخرون بنهجك؟وسوف نتساءل أيضاً إلى متى يبقى تجار السياسة، وطلاب الكراسي يعبثون بـمصير هذه الأمة العظيمة، ممتطين صهوة الطائفية حيناً، والقبيلة حيناً آخر، غير مدركين أنهم يدفعون بأبنائهم وأبناء أبنائهم إلى محرقة لا تبقي ولا تذر».وختم الوقيان حديثه: «سوف تبقى مصباحاً مضيئاً بزيت الحقيقة، فهل يحمل القادمون الجدد ذلك المصباح لإلقاء قدر من الضوء على واقعهم الذي يكتنفه الظلام».رائد التنويربدورها، أكدت الدكتورة نورية الرومي تنوّع مجالات الإبداع في مشوار السقاف، بين النثر والشعر والأدب إضافة إلى رياديته في حركة التنوير، مضيفةً: «كان يمثّل همّ المثقف العربي، وتلوّنت قضاياه بـمشكلات هذا الوطن العربي الكبير ملتزماً بالحلم العربي».كذلك، أشارت الرومي إلى مميزات السقاف الشعرية، المتكئة على البعد السياسي القومي المحلق في المدينة العربية من الخليج إلى المحيط.أمّا الأديب عبد الله خلف فتحدّث عن مراحل مضيئة في حياة الراحل، مؤكداً أنه أحد الرواد المرجعيين الذين تزوّدنا بعلومهم وثقافتهم، مشيراً إلى تميزه بشخصية قيادية تجمع بين الإخلاص والمثابرة والحزم، وله قاعدة شعبية مع أولياء الأمور وعامة الشعب، وسيبقى ساطعاً في المحافل الوطنية والقومية.وألقى كلمة «منتدى المبدعين الجدد» مشرف المنتدى عبد الوهاب الحمادي قائلاً: «لم تكن عروبته سياحية وادعاء، بل كانت حياته وملهمته وعقيدته. رحم الله شاعرنا الكبير».كذلك، قدّم الشعراء سالم الرميضي وجنة القريني وفاطمة العبد الله نصوصاً بهذه المناسبة.لمحة شعرية قرأت الشاعرة جنة القريني نصّين شعريين نختار منهما:كأنَّهُ هُنا كأنَّهُ هُنا كأنني الآن أراهُيدخلُ القاعةَيمْشي نَحونا بِكلِّ عُنفوانِ كِبرهِ الذي كانقُبيْلَ أنْ ينالهُ الضّنىوينتقي مكانهُ أمامناملوحاً بكفه اليمنى لناكأنني أسمعه يقولالحرف لا يزولإن قيل أو إن خُط بالقلموالحق لا يحولإن زورا التاريخ والذممفلتصهروا الأفكارفي مجامر العقولولتشربوا النور مع الطلوللكي تزيلوا تخمة الظلمولترتدوا حرية الفصوليا أمة إقرأ إقرئيواستنهضي الهممولتطرحي عنك الجهل والغلولولتسقطي الصنـمولتستعيدي المجد والشمميا أمة الأمم.أين سقافنا؟!أَينَ «سَقَّافُنَا» اليَعْرُبِيُّ الدِّمَاءْ؟أَيْنَ مَنْ صَاغَ فِي أَرْضِنَا الِانْتِمَاءْ؟أَينَ وَالِدُ أَعوَامِنَا الصَّاعِدَةْ؟أَينَ مَنْ صَانَ أَقلامَنَا الوَاعِدَةْ مِنْ فَسَادِ الـمِدَادْ؟أَينَ مَنْ زَغْرَدَ الضَّادُفِي عَهْدِهِوَاسْتَقَامَ الكَلامْ؟