روبرت دوفال... تاريخ كامل من الشخصيّات الآمرة

نشر في 18-08-2010 | 00:01
آخر تحديث 18-08-2010 | 00:01
No Image Caption
كل ما يقوله روبرت دوفال، سواءً عن لقائه بزوجته أو المشاركة في مسرحية، أو إعداد فطائر السلطعون، يتحوّل عموماً إلى حكاية تستحق أن تكون قصّة فيلم هو بطلها.
حين يُسأَل دوفال عن الفيلم الدرامي الهادئ Get Low الذي تدور أحداثه في حقبة الكساد الكبير وحيث يؤدي دور ناسك غريب الأطوار يرتّب مأتمه الخاص، ينتهي الأمر به إلى الحديث عن البغل في الفيلم، حيوان داعم من فرونت رويال في فيرجينيا يستطيع «التوجّه إلى صندوق البريد، وعزف البيانو» (والجموح أيضاً، المهارة الوحيدة المطلوبة منه في أوقات الفراغ).

من جانب آخر، عندما يُسأَل عن عمله مع سيسي سبايسك، التي تؤدّي دور حبيبة نوعاً ما في الفيلم، يفسّر اللفظ المناسب لشهرتها («سباي-تشيك، لأنها من أصل تشيكي»)، ويشير إلى أنهما يعيشان أحدهما بالقرب من الآخر في مزارع فيرجينيا، من ثم ينتهي بالحديث بإسهاب عن مباهج اللحم المطبوخ كما يجب، يقول دوفال: «ما أحبه في الأرجنتين أنهم يطبخونه بالملح فحسب».

يقودنا ذلك بالتالي إلى قصة كيفية لقائه بزوجته، لوسيانا بيدراسا، في شوارع بوينوس آيريس خلال تصويره الفيلم التلفزيوني The Man Who Captured Eichmann في العام 1995. يقول دوفال ممازحاً: {أُعدم أيخمان في إسرائيل من ثم التقيت بها»، مضيفاً: «هي أصغر منّي بكثير». يُذكَر أن دوفال سيبلغ الثمانين من العمر في يناير (كانون الثاني)، فيما تبلغ لوسيانا 38 عاماً.

يتابع حديثه خلال الغداء في أحد مطاعم واشنطن: «لكننا وُلدنا في التاريخ نفسه: الخامس من يناير. حين التقيت والدها قال لي، «لا أعرف إن كان عليّ دعوتك أبي أو ولدي». يتحدث دوفال، مرتدياً سترة أنيقة وقميصاً يجعلان هاتين العينين المألوفتين أكثر حدةً، بلهجة جنوبية تذكّر بشخصياته الشعبية.

من جانب آخر، الفيلم، الذي أخرجه آرون شنايدر، المبتدئ في هذا المجال، مقتبس من القصة الحقيقية لفيليكس «بوش» بريزيل الذي عاش في تينيسي في ثلاثينات القرن الماضي. يؤدي دوفال دور فيليكس بوش، رجل مسن مُحاصر بشائعات تسري حوله منذ سنوات، يطلب من متعهّدي الدفن في البلدة (من تمثيل بيل موراي ولوكاس بلاك) ترتيب مأتم له ليستطيع سماع القصص التي تُروى عنه مباشرةً.

يقدّم دوفال، الذي يظهر بلحية خلال الجزء الأول من الفيلم، أداءً يستحق عليه جائزة أوسكار. يذكّرنا فيليكس من نواح عدّة ببدايات دوفال على الشاشة الذهبية بشخصية بو رادلي في فيلم To Kill a Mockingbird منذ نحو 50 عاماً. فقد نمت صداقة وطيدة بين دوفال وكاتب سيناريو الفيلم، هورتون فوت، وتعاونا معاً في أفلام عدّة منها Tender Mercies، الذي نال كلا الرجلين عنه جائزة أوسكار.

حين تلقّى دوفال نص Get Low، من كتابة كريس بروفينزانو وغابي ميتشل، أخبر فوت عنه. يذكر دوفال: «لم أنفك أقول، «هذا الفيلم يشبه أفلامك إلى حد كبير»، إنما أكثر جرأةً». وفي مارس (آذار) 2009، حين كان يصوّر أحد مشاهد Get Low، جاءه نبأ وفاة فوت.

يعقّب الممثل: «كان ذا تأثير كبير علي ومهيباً جداً، لكني أعتقد بأنه لو شاهد Get Low لأحبه كثيراً».   

عاد العمل مع مخرجين في بداية مشوارهم على دوفال بالحظ السعيد، إذ أنتج وأدّى دوراً صغيراً في فيلم Crazy Heart، الذي فاز عنه بجائزتي أوسكار لهذا العام وينظر مخرجه وكاتبه، سكوت كوبر، إلى دوفال كمرشد له.   

على رغم أن دوفال تمتّع بحياة مهنية طويلة ومحترمة في هوليوود، لكنه يميل إلى التحدث بحماسة عن الأفلام الإيرانية أكثر منه عن أي فيلم شاهده أخيراً في السينما.

يقول بحماسة: «هل شاهدت الفيلم الذي نفّذته فتاة إيرانية في السابعة عشرة من عمرها بعنوان The Apple؟ إنه جميل جداً». في المقابل، يذكر من بين الأفلام المفضّلة التي شاهدها أخيراً The Secret in Their Eyes، The Maid، Gomorrah، وThe Hurt Locker الذي يعتبره فيلم العقد بالنسبة إليه.

في السياق نفسه، يقول دوفال إنه ذهب وزوجته في إحدى الليالي لمشاهدة فيلم الحركة الكوميدي Knight and Day من بطولة توم كروز. يقول بحسرة: «لا بأس به لكنهم كانوا يقتلون الجميع. أعتقد بأن هذا ما يروق للناس، لكن بالله عليهم. لطالما أحببت تمثيل (كروز)، فضلاً عن أنه شخص لطيف ومن الممتع العمل معه. لكن لا أعرف، ثمّة الكثير من مشاهد القتل والقتل فحسب».

على حدّ قول دوفال، حين يلتقي مخرجين يافعين، يقدّم لهم نصيحةً: «إسمعوا! هوليوود مركز جذب، لكنها ليست الحل النهائي. يستطيع المرء استخدام آلة تصوير في أي مكان في العالم وصناعة فيلم. لكن نظريّتي تقول إنه يجب الانتقال من الحبر إلى الأسلوب. لا يهم إن كانت لديك آلة تصوير فحسب طالما أنك تتمتّع بالأسلوب».  

وبالفعل، فإن أسلوب دوفال جعله أحد أعظم نجوم الأفلام، سواءً بدور مستشار إيرلندي إلى زعيم مافيا إيطالية في أفلام The Godfather، أو عقيد عدائي في Apocalypse Now، والد عنيف إلى حد مرضي في The Great Santini أو مغني موسيقى ريفية منهار في Tender Mercies، واعظ حماسي في الكنيسة الخمسينية في The Apostle أو الجنرال روبرت لي في Gods and Generals.  

بعد تلك الأفلام كلها، وتلك الأدوار التي يصعب محوها من الذاكرة، هل يستطيع دوفال اختيار الفيلم المفضّل لديه؟

يقول: «أعتقد Lonesome Dove»، مشيراً إلى السلسلة التلفزيونية القصيرة في العام 1989 التي أدّى فيها دور العنصر السابق في شرطة تكساس، غاس ماكراي. يضيف: «شاركت في أفلام كانت أفضل إخراجاً من جميع النواحي من Lonesome Dove، لكن القصّة برمتها عنت لي الكثير».

وفي تصريح آخر له ذلك اليوم، يقول دوفال: «صُنع The Godfather بشكل متقن أيضاً. فبعد تصوير ثلث الفيلم، قلت: «أظنه سيحقق نجاحاً كبيراً»».

لكن دوفال أكثر اهتماماً بمشاريعه المستقبلية منه بالنظر إلى أفلامه السابقة، ويفصح بحماسة عن بعض المشاريع المحتملة. فقد طلب منه تيري غيليام تجسيد شخصية دون كيشوت أمام إيوان ماكريغور في فيلم The Man Who Killed Don Quixote، آخر محاولات المخرج لتحويل رواية سيرفانتيس الكلاسيكية إلى فيلم سينمائي. كذلك أرسل له بيلي بوب ثورنتون نصاً لفيلم Jayne Mansfield's Car الذي يحكي عن عائلة تعاني مشاكل في إحدى المراحل التاريخية السابقة. فضلاً عن ذلك، التقى سكوت كوبر، الذي تذوّق لتوّه طعم النجاح بـCrazy Heart، براد بيت أخيراً لإخراج نص عن قصّة العداوة الأسطورية بين هاتفيلد وماكوي والتي يوافق أي كان على أن دوفال وُلد للتمثيل فيها. يعقّب دوفال: «إنه سيناريو عظيم بالفعل يصل بمستواه إلى نصوص شكسبير».    

جميعها مشاريع واعدة وستتحقق أو تتبدد بحسب التمويل، الموارد المتاحة، ونزوات الأقدار في عالم الإخراج. إنه عالم مفتوح على احتمالات كثيرة ويعرفه دوفال حق المعرفة. كاد ألا يشارك في Get Low بسبب التزامه بمشروع آخر، «لكن حينها قلت لنفسي، «علي القيام بذلك الآن»»، حسبما ذكر.  

back to top