يُلبسون الدولة ثوباً 
ليس ثوبها

نشر في 21-04-2011
آخر تحديث 21-04-2011 | 00:00
 ضاري الجطيلي عندما كان اقتصاد السوق هو السائد، وحين نسمع قصص جشع بعض التجار واستعبادهم للطبقة الكادحة نستخلص أن الكويت القديمة كانت رأسمالية متطرفة غابت عنها «يد آدم سميث الخفية»، المفترض بها تنظيم السوق ذاتياً وموازنة مصالح فئاته، ومع النفط جنحت الدولة إلى الاشتراكية بتأميم الأنشطة الاقتصادية، وأصبحت رب العمل المهيمن، وعلى الرغم من الحفاظ على بعض النشاط التجاري الخاص فإنه ظل معتمداً على عقود الدولة. هذه التحولات مفهومة في دولة صغيرة مرت بتحولات اقتصادية واجتماعية وإقليمية كبيرة، ولكن غير المعقول هو ألا تحمل توجهاً لما تريد أن يكون نظامها الاقتصادي، والكارثي أن يكون النظام القائم ناتجاً عن فوضى مفتعلة، ويكفي استذكار نص خطة التنمية على توجيه العمالة نحو القطاع الخاص بينما يستمر جذبها نحو العام من خلال الزيادات والكوادر المالية كمثال على تلك الفوضى.

المثال الآخر هو المحفظة المليارية العقارية التي ما إن أعلنتها هيئة الاستثمار أخيراً حتى بدأ المهتمون بتشكيل معسكرات التأييد والرفض، وانغمسوا في نقاش العائد المادي وشبهات التنفيع، بينما أغفلوا نقاش المبدأ الأساسي المتمثل في دور الدولة المفترض في الاقتصاد الوطني.

إذا سلمنا جدلاً بأن الهدف منها هو اقتناص فرص استثمارية مربحة كما أعلنت الهيئة، وأنها ليست لإنقاذ مشاريع عقارية فاشلة كما يشكك البعض وهو تشكيك متفهم، تبرز تساؤلات مهمة: هل يستقيم أن تكون الدولة تاجراً في سوق هي في الوقت ذاته منظم له؟ وهل الربح المادي مبرر كاف لخلط المفاهيم الاقتصادية وتحريف قوى السوق عن طبيعتها وتجاهل الأضرار الأخلاقية الناتجة على المدى البعيد؟

إن السعي وراء العوائد المالية لتنمية صندوق الأجيال القادمة أمر جيد، ولكن بإمكان الدولة تحقيق ذلك بطريقة تنسجم مع دورها الطبيعي، وهو خلق اقتصاد نام وتنظيم السوق وإيجاد بيئة أعمال جاذبة للاستثمار، ولها أن تحصل ضرائب من المستفيدين من تلك البيئة، فهي بذلك تحقق العائد المالي من دون العبث بقوى السوق الطبيعية، وتترك التجارة والاستثمار للاعبين في السوق، وتكون هي المنظم له فتحرص على عدالة التعامل وتكافؤ الفرص بين الجميع.

إن الأضرار الأخلاقية الناتجة عن تدخل الدولة في الاقتصاد تطغى على الاستفادة المادية على المدى القصير، فالهيئة تبرر إنشاء المحفظة بوجود عقارات انخفضت أسعارها إلى أقل من قيمتها العادلة، لكنّ لهذا الانخفاض أسبابا منها: التسابق المحموم على بناء الأطول والأكبر والأجمل دون حساب الحاجة إلى ملء تلك المباني بالمؤجرين لتحصيل العوائد وخدمة الديون، إذ شهد قطاع العقار الاستثماري والتجاري نمواً مفتعلاً أسرع من نمو الطلب عليه، والنتيجة مشاريع متعثرة وصيحات للدولة بالتدخل لإنقاذها، فإذا لم تترك تلك المشاريع لتواجه مصيرها، فما الذي سيردع المستثمرين مستقبلاً من تكرار استثماراتهم المتهورة إذا أمنوا تدخل الدولة في كل مرة؟ لقد كان القطاع العقاري فقاعة زائفة وقد حان وقت انفجارها وتصحيحها مثل ما حدث في القطاع المالي، وتضرر صانعي تلك الفقاعة أمر إيجابي للاقتصاد الكلي.

الأهم مما سبق، هل ينسجم تملك الدولة للمزيد من المشاريع العقارية مع نص خطة التنمية على تقليص هيمنة الدولة على الاقتصاد وتعديل الاختلال الهيكلي فيه؟ لنعرف أي خطة نسير عليها.

back to top