الأم بين محمود درويش ورامبو
كثيرة هي القصائد والروايات التي كُتبت حول رمزية الأم في العالم، فكثر مجَّدوا عطاء الأم الى أقصى الحدود وجعلوها رمزاً للثورة والأرض والحب والعطاء، والبعض تعامل معها بقسوة لأسباب خاصة تعود ربما إلى تفكّك العائلة أو إلى استبدادية أمه نفسها وفرضها أفكارها عليه، أمّا البعض الآخر فكانت الأم ملهمته ومصدر كتاباته.«أحنّ إلى خبز أمي» لمحمود درويش إحدى أشهر القصائد عن الأم، ووالدة الشاعر الفرنسي أرثور رامبو أشهر الأمهات القاسيات، لذا فإن الكتابة عن هذين الشاعرين وعلاقة كل منهما بوالدته تبيّن أحوال الأمهات في الأدب عموماً والشعر خصوصاً.
النافل أن محمود درويش كتب قصيدته الشهيرة من وراء قضبان سجنه الإسرائيلي عام 1965، لتتحوّل إلى إحدى أشهر القصائد العربية الحديثة، بعدما غناها مارسيل خليفة وردّدها ملايين العرب من المحيط إلى الخليج. وبسبب شهرة هذه القصيدة بات الجميع يسأل عن والدة محمود درويش وأخبارها، فيما يكتفي الشاعر الخفر بطمأنة قرائه على حال ملهمته بكلمات مقتضبة. والدة درويش بعد القصيدة أصبحت «أسطورة»، لكن قلما نعرف شيئاً عن حياتها، إذ بقيت تلك الأم التي تعيش في الخفاء ولم تسلَّط الأضواء عليها كامرأة من لحم ودم (خارج الشعر) حتى غداة وفاة محمود درويش نفسه، عندما سارعت كاميرات التصوير لالتقاط صورها أثناء جنازته، بل إن مطبوعات كثيرة حظيت بلقاء معها، ورددت فيه موالاً:«محمود الدرويش يا سيفين يوم الحرب يا شمع مكّة يا قمر ضاوي ع الدرب اطلع ع الخطاب يا قوي القلب أضرب بسيفك وعليّ مشانق ع الدرب».جعل درويش من والدته قصيدة عابرة للقلوب وصانعة للدموع، وعن علاقته بها يقول: «علاقتي بأمي خلال الطفولة كانت ملتبسة، كانت لدي عقدة أن أمي تكرهني لأنها كانت دائماً تعاقبني وتعتبرني المسؤول عن أي شغب في البيت وفي الحارة، وتقول لي «يا حلس يا ملس».لم أعلم أنّ شعوري ليس صحيحاً إلا حين دخلت السجن للمرة الأولى، وأنا في السادسة عشرة من عمري. زارتني أمي في السجن وحملت لي قهوة واحتضنتني وقبّلتني. فعلمت أنّ أمي لا تكرهني. فكتبت «أحنّ إلى خبز أمي» قصيدة مصالحة معها». وفي أوصافها يقول درويش: «كانت جميلة، جميلة وشعرها أحمر طويل يغطيها كلها، وعيناها زرقاوان لكنها قاسية لا تعبر عن عواطفها إلا في الجنازات. فأنا لم أرَ أمي في أي عرس. كانت تذهب إلى الجنازات. وفوجئت مرة أنها تنشد الأغاني الشعبية واكتشفت أيضاً أنها تؤلف بكائيات». وملاحظ أيضاً، أن محمود درويش أصبح في ما بعد الإبن المدلل فجأة لأنه المطارد والبعيد.تفسيرات كثيرة أُعطيت لرمزية الأم في شعر محمود درويش ودراسات كثيرة كتبت في هذا المجال، خصوصاً أن هذا الشاعر من فلسطين حيث الأم رمز للتمرّد.يقول أحد النقاد: «استطاع درويش في هذه القصيدة أن يجسّد شخصية الأم ويتّخذها قناعاً فنياً يخفي وراءه حبه وعواطفه الجياشة وانتماءه الحقيقي لوطنه، ووجد في خطابه لها وسيلة ناجعة لتفريغ انفعالاته المكتنزة داخله تجاه وطنه واعتبرها معادلاً فنياً للأرض والوطن إلى حد يختلط فيه الأمر على القارئ بحيث لا يستطيع أن يفرق بين الأم و الوطن. فالحديث ظاهرياً عن الأم وعندما تغوص في أعماق الدلالة ترسو على قاعدة صلبة هي حب الوطن فالوطن عند درويش أمه أخته معشوقته، هو كل شيء في حياته».رامبوالشاعر الفرنسي آرثور رامبو لم يكتب قصيدة شهيرة عن والدته، لكنه عاش حياة قاسية معها يمكن وصفها بحسب الدراسات المتوافرة بأنها أشهر من قصيدة أو هي قصيدة حب قاسية على طريقة «مِن الحب مَن قتل». رامبو الشاعر الذي ارتبطت به صفة المتشرّد، وكان الإبن الثاني لقبطان المشاة فريديريك رامبو وزوجته فيتالي غويف. كانت طفولته منذ بدايتها وحتى نهايتها، مشحونة بالتوتر، لا سيما بعد هجر الوالد لعائلته عام 1860 واختفائه من حياة أبنائه، ليبقى آرثور في إطار عالم والدته الأرستقراطي المتشدد والمتزمت. هذه العوالم جعلته وبعد أن كبر في السن يحنّ إلى قصص الخيال مفكراً بالتحرر من السجن الذي يعيش فيه ومن دون أن يجد فسحة للحرية إلا في غرفته العالية ووراء قضبان نافذته حيث ينسج قصصاً كثيرة.شيئاً فشيئاً، بدأ رامبو بالتمرد والشغب والسخرية محاولاً الانتقام من جبروت أمه التي ألجمت جموحه ليدوّن في كتابه المعروف «إشراقات» كيف حبسته ذات يوم في سقيفة المنزل طوال النهار عندما وجدته يقرأ في كتاب يتنافى مع التعاليم الدينية، وهذا ما اعتبره أول عذاب يتعرّض له في سبيل حرية أفكاره.كانت والدة رامبو مثالاً في الشدة والتزمّت وتحجّر المشاعر. فهي مع محاولتها ضبط الأولاد وزرع القيم الدينية فيهم أدت في البداية الى هرب والده الذي شارك في الخدمة العسكرية في الجزائر.كان الأب الذي هرب عام 1860 محباً للحياة ولا يحب الأطفال وزوجته، وقد قاتل في حرب القرم وخدم في الجزائر ثم هرب من حياة العائلة. لذا كان رامبو يحب أن يقرن نفسه باليتيم وكتب قصائد عن الأطفال اليتامى. والدة رامبو بعد رحيل الأب أعلنت عن نفسها كأرملة وكانت توقّع بإسم مدام رامبو الأرملة. يذكر رامبو أنها أحدثت ضجة عندما اكتشفت أنه يقرأ رواية لفيكتور هيغو. وكان رامبو خجولاً، لكن لسانه كان ينطلق عندما يعاقر الخمر، ثم اكتشف لاحقاً المخدرات، وتأثر من خلال قراءته بالحشاشين، وكان يشرب الغليون، وأضاف إلى ذلك كله قراءة في الأدب الممنوع إلى درجة أن مدير المكتبة في قريته ضجّ منه وقال إنه كان يقرأ كتباً ممنوعة. يقول الروائي هنري ميلر: «لقد أجهد نفسه في التخلّص من مداره العائلي، لكنه ظل عالقاً فيه. كان يمكنه التخلّص من أمور كثيرة، ما عدا أثر والدته».«أحنّ إلى خبز أمي» لمحمود درويش إحدى أشهر القصائد عن الأم، ووالدة الشاعر الفرنسي أرثور رامبو أشهر الأمهات القاسيات، لذا فإن الكتابة عن هذين الشاعرين وعلاقة كل منهما بوالدته تبيّن أحوال الأمهات في الأدب عموماً والشعر خصوصاً.النافل أن محمود درويش كتب قصيدته الشهيرة من وراء قضبان سجنه الإسرائيلي عام 1965، لتتحوّل إلى إحدى أشهر القصائد العربية الحديثة، بعدما غناها مارسيل خليفة وردّدها ملايين العرب من المحيط إلى الخليج. وبسبب شهرة هذه القصيدة بات الجميع يسأل عن والدة محمود درويش وأخبارها، فيما يكتفي الشاعر الخفر بطمأنة قرائه على حال ملهمته بكلمات مقتضبة. والدة درويش بعد القصيدة أصبحت «أسطورة»، لكن قلما نعرف شيئاً عن حياتها، إذ بقيت تلك الأم التي تعيش في الخفاء ولم تسلَّط الأضواء عليها كامرأة من لحم ودم (خارج الشعر) حتى غداة وفاة محمود درويش نفسه، عندما سارعت كاميرات التصوير لالتقاط صورها أثناء جنازته، بل إن مطبوعات كثيرة حظيت بلقاء معها، ورددت فيه موالاً:«محمود الدرويش يا سيفين يوم الحرب يا شمع مكّة يا قمر ضاوي ع الدرب اطلع ع الخطاب يا قوي القلب أضرب بسيفك وعليّ مشانق ع الدرب».جعل درويش من والدته قصيدة عابرة للقلوب وصانعة للدموع، وعن علاقته بها يقول: «علاقتي بأمي خلال الطفولة كانت ملتبسة، كانت لدي عقدة أن أمي تكرهني لأنها كانت دائماً تعاقبني وتعتبرني المسؤول عن أي شغب في البيت وفي الحارة، وتقول لي «يا حلس يا ملس».لم أعلم أنّ شعوري ليس صحيحاً إلا حين دخلت السجن للمرة الأولى، وأنا في السادسة عشرة من عمري. زارتني أمي في السجن وحملت لي قهوة واحتضنتني وقبّلتني. فعلمت أنّ أمي لا تكرهني. فكتبت «أحنّ إلى خبز أمي» قصيدة مصالحة معها». وفي أوصافها يقول درويش: «كانت جميلة، جميلة وشعرها أحمر طويل يغطيها كلها، وعيناها زرقاوان لكنها قاسية لا تعبر عن عواطفها إلا في الجنازات. فأنا لم أرَ أمي في أي عرس. كانت تذهب إلى الجنازات. وفوجئت مرة أنها تنشد الأغاني الشعبية واكتشفت أيضاً أنها تؤلف بكائيات». وملاحظ أيضاً، أن محمود درويش أصبح في ما بعد الإبن المدلل فجأة لأنه المطارد والبعيد.تفسيرات كثيرة أُعطيت لرمزية الأم في شعر محمود درويش ودراسات كثيرة كتبت في هذا المجال، خصوصاً أن هذا الشاعر من فلسطين حيث الأم رمز للتمرّد.يقول أحد النقاد: «استطاع درويش في هذه القصيدة أن يجسّد شخصية الأم ويتّخذها قناعاً فنياً يخفي وراءه حبه وعواطفه الجياشة وانتماءه الحقيقي لوطنه، ووجد في خطابه لها وسيلة ناجعة لتفريغ انفعالاته المكتنزة داخله تجاه وطنه واعتبرها معادلاً فنياً للأرض والوطن إلى حد يختلط فيه الأمر على القارئ بحيث لا يستطيع أن يفرق بين الأم و الوطن. فالحديث ظاهرياً عن الأم وعندما تغوص في أعماق الدلالة ترسو على قاعدة صلبة هي حب الوطن فالوطن عند درويش أمه أخته معشوقته، هو كل شيء في حياته».رامبو الشاعر الفرنسي آرثور رامبو لم يكتب قصيدة شهيرة عن والدته، لكنه عاش حياة قاسية معها يمكن وصفها بحسب الدراسات المتوافرة بأنها أشهر من قصيدة أو هي قصيدة حب قاسية على طريقة «مِن الحب مَن قتل». رامبو الشاعر الذي ارتبطت به صفة المتشرّد، وكان الإبن الثاني لقبطان المشاة فريديريك رامبو وزوجته فيتالي غويف. كانت طفولته منذ بدايتها وحتى نهايتها، مشحونة بالتوتر، لا سيما بعد هجر الوالد لعائلته عام 1860 واختفائه من حياة أبنائه، ليبقى آرثور في إطار عالم والدته الأرستقراطي المتشدد والمتزمت. هذه العوالم جعلته وبعد أن كبر في السن يحنّ إلى قصص الخيال مفكراً بالتحرر من السجن الذي يعيش فيه ومن دون أن يجد فسحة للحرية إلا في غرفته العالية ووراء قضبان نافذته حيث ينسج قصصاً كثيرة.شيئاً فشيئاً، بدأ رامبو بالتمرد والشغب والسخرية محاولاً الانتقام من جبروت أمه التي ألجمت جموحه ليدوّن في كتابه المعروف «إشراقات» كيف حبسته ذات يوم في سقيفة المنزل طوال النهار عندما وجدته يقرأ في كتاب يتنافى مع التعاليم الدينية، وهذا ما اعتبره أول عذاب يتعرّض له في سبيل حرية أفكاره.كانت والدة رامبو مثالاً في الشدة والتزمّت وتحجّر المشاعر. فهي مع محاولتها ضبط الأولاد وزرع القيم الدينية فيهم أدت في البداية الى هرب والده الذي شارك في الخدمة العسكرية في الجزائر.كان الأب الذي هرب عام 1860 محباً للحياة ولا يحب الأطفال وزوجته، وقد قاتل في حرب القرم وخدم في الجزائر ثم هرب من حياة العائلة. لذا كان رامبو يحب أن يقرن نفسه باليتيم وكتب قصائد عن الأطفال اليتامى. والدة رامبو بعد رحيل الأب أعلنت عن نفسها كأرملة وكانت توقّع بإسم مدام رامبو الأرملة. يذكر رامبو أنها أحدثت ضجة عندما اكتشفت أنه يقرأ رواية لفيكتور هيغو. وكان رامبو خجولاً، لكن لسانه كان ينطلق عندما يعاقر الخمر، ثم اكتشف لاحقاً المخدرات، وتأثر من خلال قراءته بالحشاشين، وكان يشرب الغليون، وأضاف إلى ذلك كله قراءة في الأدب الممنوع إلى درجة أن مدير المكتبة في قريته ضجّ منه وقال إنه كان يقرأ كتباً ممنوعة. يقول الروائي هنري ميلر: «لقد أجهد نفسه في التخلّص من مداره العائلي، لكنه ظل عالقاً فيه. كان يمكنه التخلّص من أمور كثيرة، ما عدا أثر والدته».قصيدة درويش عن أمهأحنُّ إلى خبز أُميوقهوة أُميولمسة أُمي..وتكبرُ فيَّ الطفولةُيومًا على صدر يومِوأعشَقُ عمرِي لأنيإذا مُتُّ،أخجل من دمع أُمي!خذيني، إذا عدتُ يومًاوشاحًا لهُدْبِكْوغطّي عظامي بعشبتعمَّد من طهر كعبكْوشُدّي وثاقي... بخصلة شَعر ...بخيطٍ يلوِّح في ذيل ثوبك. ..عساني أصيرُ إلهًاإلهًا أصيرُ... إذا ما لمستُ قرارة قلبك !ضعيني، إذا ما رجعتُوقودًا بتنور ناركْ...وحبل غسيل على سطح داركلأني فقدتُ الوقوفََبدون صلاة نهاركهَرِمْتُ، فردّي نجوم الطفولةحتى أُشاركصغار العصافيردرب الرجوع... لعُش انتظارِك !