هل فاز نتنياهو في انتخابات منتصف الولاية؟
من المتعارف عليه أن السياسيين الأميركيين لا يقفون في صف القادة الأجانب، حين يواجه هؤلاء القادة مباشرة رئيس الولايات المتحدة، فلا أذكر، مثلاً، أن الديمقراطيين الليبراليين دعموا الرئيس الفرنسي جاك شيراك عندما عارض الرئيس جورج بوش الابن في مسألة العراق، مع أنهم ظنوا أنه مصيب في رأيه، فكان الوقوف إلى جانب فرنسا سيتنافى مع الروح الوطنية الأميركية وسيبدو تصرفاً غبياً بالتأكيد، فالشعب الأميركي وقادته السياسيون يدعمون تلقائياً رئيسهم في وجه أي تحدٍّ خارجي مباشر، إلا إذا كانت إسرائيل مصدر هذا التحدي.لنتأمل فيما حدث خلال الأيام الأخيرة: يبدو أن بنيامين نتنياهو قرر أن استهداف الرئيس الأميركي أمر مباح، ففي خطاب ألقاه الأسبوع الماضي في نيو أورلينز أمام الجمعية العمومية للاتحادات اليهودية في أميركا الشمالية، لم يكتفِ نتنياهو بتكرار وجهة نظره التي رددها دوماً، مؤكداً أن إيران لن توقف سعيها النووي إلا إذا واجهت تهديداً عسكرياً حقيقياً، بل أضاف من دون أي مبرر وبكلمات تفتقر إلى الدقة أن النظام الإيراني علّق برنامجه النووي عام 2003، حين خشي هجوماً من الرئيس الغني عن التعريف.وقد شكّلت كلمات نتنياهو هذه مقدمة لمهزلة ذلك الأسبوع، فقد أعلن وزير الداخلية الإسرائيلي أنه وافق على خطط لبناء ألف منزل جديد في مستوطنة هارحوما في القدس الشرقية، لا شك أن هذا استفزاز واضح للفلسطينيين، الذين يعتبرون تلك المنطقة جزءاً من دولة فلسطين المستقبلية، ولأوباما، الذي دعا حكومة نتنياهو إلى تجميد بناء المستوطنات كخطوة تعكس حسن نوايا إسرائيل تجاه الفلسطينيين. ولكن عندما اعترض أوباما بلطف، قائلاً إن "هذا النوع من التصرفات لا يمهد الطريق أمام مفاوضات السلام"، جاء رد مكتب نتنياهو قوياً وعنيفاً: "لا تشكل القدس مستوطنة. القدس عاصمة الدولة الإسرائيلية". وهذا بالتأكيد تصريح مثير للجدل، بما أن إسرائيل احتلت القدس الشرقية بعد حرب عام 1967 ولا تشكل هذه المنطقة جزءاً من أراضيها. رغم ذلك، قلل نتنياهو لاحقاً من أهمية الضجة التي أثيرت حول هذه الكلمات، معتبراً أنها مسألة مبالغ فيها.يبدو أن نتنياهو يفكر: "بات بإمكاني اليوم أن أملي على أوباما تصرفاته لأنه لم يخسر شعبيته في إسرائيل فحسب، بل أضحى اليوم ضعيفاً أيضاً في الولايات المتحدة". يعتقد كثيرون في إسرائيل أن مساعدي نتنياهو المقربين يحاولون تنفير الشعب الإسرائيلي من أوباما بواسطة حملة منظمة من الشائعات المغرضة. وهذا، في رأيهم، أحد أسباب تراجع شعبية الرئيس الأميركي في إسرائيل. علاوة على ذلك، تجمع نتنياهو وحزب الليكود علاقات وطيدة وقديمة بالحزب الجمهوري، الذي يشاطر الليكود إيمانه بالسوق الحرة وارتيابه من معظم الأنظمة العربية واستخفافه بظلم الفلسطينيين ومعاناتهم، فضلاً عن ذلك، يُعتبر الأنغليكانيون المحافظون (شريحة كبرى من ناخبي الحزب الجمهوري) من أشد المتعاطفين مع إسرائيل. لذلك، أخبر دانيال كورتزر، سفير أميركي سابق إلى إسرائيل، صحيفة "نيويورك تايمز" عقب مشكلة المستوطنات المستجدة أن نتنياهو "بات يشعر أنه يتمتع بحرية أكبر" مع فوز الجمهوريين في الانتخابات.اتصلتُ بمكتب النائب الجمهوري إريك كانتور، الذي يُعتبر صوت الجمهوريين الأبرز في المسائل المتعلقة بإسرائيل، لأسأله إن كان ما ذكره كورتزر صحيحاً. كان كانتور قد اقترح من بين أمور كثيرة إزالة المساعدات التي تُمنح لإسرائيل من ميزانية المساعدات الخارجية كي يتمكن حزبه من إلغاء تمويل البلدان غير الودية من دون أن يلحق بإسرائيل أي أذى. لم أستطع التحدث مباشرة إلى كانتور، إلا أنني حصلت على ملاحظات أدلى بها خلال البرنامج الإذاعي Imus in the Morning، الذي يقدّمه دون إيموس. قال كانتور: "أعجز عن فهم الأسباب التي تدفع برئيسنا إلى إيهام أفضل حلفائنا في الشرق الأوسط بأننا لن ندعم أمنهم". وأضاف كانتور: "من المثير للجدل توجيه ضربة إلى حليفتنا إسرائيل، فمعظم الأميركيين يعون أن أمن إسرائيل مرادف لأمن الولايات المتحدة". من الغريب الاعتقاد أن أمن أي بلد "مرادف" لأمن الولايات المتحدة، علماً أن هذا الافتراض يقوم على اعتبار تعريف نتنياهو لأمن إسرائيل صائباً، في حين أن تعريف رئيسَي الوزراء السابقين إيهود أولمرت وأرييل شارون وزعيمة المعارضة الإسرائيلية تسيبي ليفني خاطئاً، أو ربما كان كانتور يريد خضّ الأميركيين على القبول تلقائياً بتعريف إسرائيل لأمنها. إلا أن الولايات المتحدة لا تقبل تلقائياً بتعريف بريطانيا لأمنها، فكم بالأحرى إسرائيل؟ في مطلق الأحوال، بات جناح "إسرائيل دوماً على حق" في الحزب الجمهوري في موقف أقوى مما كان عليه قبل بضعة أسابيع. ويملك نتنياهو كل مبرر للاعتقاد بأن الحزب الجمهوري يدعمه، ولا شك أن هذا الواقع يدحض كلام كل مَن يظن أن الانتخابات لم يكن لها أي تأثير في مسار الشؤون الخارجية.سبق أن مارس نتنياهو لعبة "التثليث" (triangulation) هذه، إلا أنه أخفق، ففي آخر مرة تولى فيها رئاسة الوزراء بين عامَي 1996 و1999، سعى للتقرب من القادة الجمهوريين واليمين المسيحي، في محاولة منه للتصدي لبيل كلينتون، غير أن كلينتون ضيّق عليه الخناق بدعوته لمحادثات سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في منطقة "واي بلانتيشن" في أواخر عام 1998. كان كلينتون يتمتع بشعبية كبيرة في إسرائيل، حتى أن نتنياهو خشي أن يؤدي عناده وتعنته في المحادثات إلى انهيار حكومته الائتلافية. في ضوء تلك الواقعة، يرى كثيرون أن نتنياهو بات مدركاً أن إسرائيل لا تستطيع تحمل كلفة أي خلاف مع واشنطن.لكن هذا كان في الماضي، ولا يتمتع باراك أوباما بشعبية كلينتون، على الأقل في إسرائيل. يوضح دانيال ليفي، خبير في شؤون الشرق الأوسط ومؤسس المنظمة اليهودية الليبرالية "J Street": "أعتقد أن فريق أوباما قلل من أهمية هذه المسألة، فمن الضروري اعتبار نتنياهو أحد خصوم أوباما الداخليين".إذن، كيف يجب أن يتفاعل أوباما مع هذا الوضع؟ بعد ما حدث في شهر مارس حين تحدث نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في إسرائيل عن علاقات الولايات المتحدة اللصيقة بالدولة اليهودية ليتلقى إثر ذلك صفعة قوية مع إعلان نتنياهو بناء مستوطنة جديدة، احتج أوباما فاعتذر نتنياهو. غير أن حكومة نتنياهو رفضت بعد ذلك تمديد تجميد المستوطنات، فتراجع البيت الأبيض، وفي أواخر شهر سبتمبر، عرضت الإدارة الأميركية على تل أبيب لائحة طويلة من الحوافز، بما فيها وعود بمعدات عسكرية، مقابل تجميد إضافي مدته 60 يوماً، غير أن نتنياهو رفض هذا العرض، رغم ذلك، قد تختار واشنطن مرة أخرى استرضاء إسرائيل. فقد أشار السيناتور جون كيري (ممثل ماساشوسيتس الديمقراطي)، الذي زار إسرائيل الأسبوع الماضي، إلى أن من الممكن جذب الفلسطينيين مجدداً إلى طاولة المفاوضات بتقديم تنازلات أخرى.لكن ليفي يسأل: "هل يُرغم [أوباما نتنياهو] على الاختيار؟". يستطيع أوباما أن يفضح خداع نتنياهو بتقديمه لكلا الطرفين خارطة تحمل حلاً لمسألة تقسيم الأراضي. بدأت هذه الفكرة تلقى الرواج راهناً، فمعها سيُضطر نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الاختيار بين رفض هذه الخارطة أو القبول بها كنقطة انطلاق ووضع حد للخلاف بشأن المستوطنات. لا شك أن عباس سيقبل بها، وكذلك حزب العمل الإسرائيلي، الذي يشكل جزءاً من ائتلاف نتنياهو الحاكم، مع أن جناحه اليميني سيرفضها رفضاً قاطعاً. فهل يخاطر نتنياهو مرة أخرى بانهيار حكومته؟ يوضح ليفي: "إذا تصرف أوباما بذكاء، يمكنه تكرار نجاح عام 1999-1998" في "واي بلانتيشن".لا شك أن حلفاء الليكود الجمهوريين في الولايات المتحدة سيسارعون إلى تأمين الغطاء لنتنياهو في حال رفض هذا العرض، وهل يمكنكم أن تتخيلوا ما سيقوله كانتور لإيموس هذه المرة؟ ولكن هل تُعتبر هذه خطوة سياسية حكيمة؟ صرح الجنرال ديفيد بتريوس بأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يساهم في تأجيج كره العالم الإسلامي للولايات المتحدة. صحيح أن هذه ليست بالفكرة الجديدة، إلا أنها تثبت أن المصالح الأمنية الأميركية لا تُعتبر مرادفاً لمصالح إسرائيل. وقد أوضح أوباما ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون هذه النقطة، فهل يبدّي الأميركيون نتنياهو والليكود على قادتهم المدنيين والعسكريين؟ وعند أي حد يتحول الولاء لحليف عنيد إلى توسل أو إخضاعٍ للأمن القومي لسياسات متحيزة؟ أو بكلمات أخرى، هل يمارس نتنياهو ومؤيدوه الجمهوريون لعبة خطرة؟