زيد بن حارثة... حب رسول الله
أصاب زيد بن حارثة الكلبي سباء وهو في الثامنة من عمره فتنقل في الأسواق يباع حتى اشترته السيدة خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها) فوهبته لزوجها محمد قبل البعثة. ليتربى الفتى زيد في بيت الأمين محمد وبين أكنافه، تعلم زيد في مدرسة الأمين محمد قبل البعثة فأخذ عنه كل فضائله، وكان الأمين يعتبره كأحد أبنائه لا يفرق في المعاملة معه حتى عد في مقام البنوة للأمين الصادق، حتى عرف بين أقرانه بحب رسول الله. فلما حج وفد من قبيلة كلب -التي ينتمي إليها زيد- إلى مكة رأوا زيداً فعرفهم وعرفوه فقال لهم: أبلغوا عني أهلي هذه الأبيات فإني أعلم أنهم قد جزعوا عليّ فقال:
"أحن إلى قومي وإن كنت نائي... فإني قعيد البيت عند المشاعرفكفوا من الوجد الذي قد شجاكم... ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر فإني بحمد الله في خير أسرة... كرام معد كابرا بعد كابر"فلما علم والده حارثة بن شراحيل بمكانه في بيت محمد بن عبدالله بمكة جاء مع أخيه لرسول الله طالبا استرجاع ابنه، فخيره محمد قائلاً: "فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما". فقال زيد: "ما أنا بالذي أختار عليك أحداً، أنت مني مكان الأب والعم". فقالا له: "ويحك!! أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟" فقال لهما: "ما أنا بالذي أختار عليه أحداً". فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذلك أخرجه إلى الحجر فقال: "يا من حضر. اشهدوا أن زيداً ابني يرثني وأرثه". فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما وانصرفا. ومنذ ذلك الحين دعي بـ"زيد بن محمد"، حتى جاء الإسلام فنزلت الآية الكريمة: "ادْعُوْهُمْ لآبَائِهِمْ" (الأحزاب: آية 5). فدعي من يومئذ بزيد بن حارثة، ونسب بعد ذلك كل من تبناه رجل من قريش إلى أبيه. كان زيد سابقاً للإسلام ولم لا وهو من رأى النبي محمد منذ الصغر، وهو الأمين الصادق الذي لم يجرب عليه كذباً قط، لذلك لم يكن غريباً أن يسلم زيد بعد إسلام خديجة (رضوان الله عليها) وعلي بن أبي طالب وقد آخى رسول الله بينه وبين عمه حمزة بن عبد المطلب.وفي الطائف كان زيد مع الرسول في زيارته الشهيرة التي تعرض فيها الرسول للمحنة الشهيرة، عندما تعرض لرمي الطوب والحجارة فكان زيد يقيه، وهو الفتى الصغير بنفسه حتى شج في رأسه.الشجاعة التي تربى عليها زيد بن حارثة في الصغر في بيت رسول الله أهلته في الكبر لقيادة جيش الإسلام في الأوقات الصعبة، فقد أعطاه الرسول قيادة جيش المسلمين في غزوة مؤتة في العام الثامن للهجرة والتي انتهت باستشهاده، فلم بلغ الرسول الخبر قام داعياً لزيد قائلاً: "اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد".