من عمل الإنسان وليس الطبيعة

نشر في 26-08-2010
آخر تحديث 26-08-2010 | 00:01
 حسن العيسى  في بداية عام 2008 اندلعت في أوطان الفقر والبؤس حركات تمرد وعصيان، بدأت أولاً في هايتي ثم في بنغلادش، هدفت تلك الحركات إلى جلب الانتباه الدولي نحو معاناة الشعوب الفقيرة بسبب غلاء أسعار الغذاء وعدم قدرة مزارعي تلك الدول على منافسة مزارعي الدول الثرية الذين تدعم منتجاتهم دولهم، ومثال ذلك الولايات المتحدة التي تنادي بالعولمة وفتح الأسواق للمنافسة دون تدخل الدولة، وكأنها تأمر بالمعروف وتنسى نفسها! لم تُرِد تلك الحركات سوى تنبيه المجتمع الدولي إلى مأساتها. ومضت حركات العصيان هذه من دون أن تترك أثراً في الذاكرة التاريخية. وذكرت جريدة "الفايننشال تايمز" نقلاً عن لجنة برنامج الأمم المتحدة للغذاء أن قطع المساعدات عن تلك الدول وصرف النظر عنها من قبل الدول المانحة يرجعان إلى أن الأخيرة تعاني أزماتٍ مالية، فكانت دول مثل إثيوبيا ورواندا وأوغندا هي أول ضحايا الجوع، وأصابت الكارثة الملايين، ولاحظت جريدة "الأمة" البنغالية أن المؤسسات المالية الدولية تعهدت بـ12.3 مليار دولار لمساعدة تلك الدول التي يتهددها شبح المجاعة لم يصل منها سوى مليار واحد! ثم أضافت الجريدة أن هذا لا يعني سوى اللامبالاة من الدول الغنية!

 ترجمت الفقرة السابقة باختصار وإضافة وتصرف من كتاب "نوام تشومسكي" الأخير "آمال واحتمالات". وتشومسكي هو عالم لغويات في جامعة" إم إي تي" وهو أحد أشهر ممثلي الضمير الإنساني بالولايات المتحدة، ولم يتأخر يوماً عن فضح تاريخ ممارسات الدول الاستعمارية بدءاً من اكتشاف العالم الجديد على يد كولمبوس حتى هذه اللحظة، ويمضي تشومسكي مقرراً أن مثل تلك الكوارث التي تصيب البشر في دول الفقر هي من صنع الإنسان وليست من القدر فقط، بمعنى أن تلك الكوارث وإن رجعت إلى فعل الطبيعة التي لا ترحم فإن الإنسان ساهم بالقدر الأكبر فيها عبر استغلال دول البؤس من المستعمر وعدم اكتراث الأخير لعمق ما سببه من مآسٍ.

 لنترك الكبير "تشومسكي" ونقرأ ما يحدث اليوم في باكستان، فكارثة الفيضانات تنمو يوماً بعد يوم في تجويع ونشر الأمراض في المناطق المنكوبة، والمساعدات الدولية غير كافية، والمتضررون يشتكون من ندرة وصولها إليهم. وهناك مَن يتوجس من أن معظم المساعدات ستذهب إلى المؤسسة العسكرية دون المتضررين، وأدبيات الإعلام الغربي همها الأكبر يتلخص في خطر استقواء حركة "طالبان" مستغلة بطء الدعم الدولي لباكستان، وكأن الكارثة هنا ليست فيضان نهر على أراضٍ لم تكن مأهولة في السابق، وكان النهر سابقاً يتمدد كما يشاء دون أضرار، ثم أضحت تلك المناطق قرى ومساكن للفقراء المزارعين، بل تكمن الكارثة هناك في خطر نمو "طالبان" و"القاعدة"... أما الجوع والأمراض فهي مسألة تأتي في المرتبة الثانية بعد "طالبان"! "عجبي" على هذه الإنسانية!

back to top