موقف المفكرين

نشر في 20-02-2011
آخر تحديث 20-02-2011 | 00:01
 آدم يوسف لم يعد ممكناً تجاهل المفكرين والمثقفين في إطار ما يجري راهناً من مفاوضات بشأن تحديد مصير الثورة في كل من مصر وتونس، فقد بات ملاحظاً استحواذ السياسيين، وحلفائهم من الجنرالات ورجال الأعمال على مقاعد المفاوضات التي تجري في هذين البلدين لتحديد مصير الثورة التي بدأها في الأساس الشباب، والطبقة الوسطى من جيل الإنترنت، ولم يكن للجنرالات أو التجار دور فيها.

وبالتأكيد سينتهي إقصاء المفكرين في مجالي الاقتصاد والاجتماع إلى كوارث كبيرة تعود بالثورة إلى المربع الأول، فالإصلاحات الاجتماعية التي يهدف إليها الشباب بحاجة إلى تنظير وإرساء دعائم لا يجيده سوى هؤلاء الأكاديميين والباحثين الذين قضوا سنين عمرهم، في البحث، والفعل المقارن، وكذا متابعة تطور النماذج التاريخية من الأمم التي حققت نجاحات كبيرة من خلال الثورات، واستطاعت مجتمعاتها الانتقال إلى مرحلة أخرى مختلفة كلية.

ولنا مثال واضح هنا في الثورة الفرنسية الشهيرة (1789) التي استمرت زهاء عشرة أعوام، ومرت بثلاث مراحل أساسية معروفة في التاريخ، لم تكن كلها نجاحاً للثوار، خصوصاً في إطار ما عرف بالمرحلة الثالثة، وظهور القائد نابليون بونابرت، الذي حقق للعسكر معادلة جديدة، لكن الملاحظ في هذه الثورة مساهمة المفكرين الأوروبيين فيها، يتقدمهم فولتير وجان جاك روسو.

اقتصرت ندوات المفكرين العرب ولسنوات متتالية على مناقشة موضوعات محددة، ومجيّرة في غالبيتها لخدمة السلطة السياسية، من قبيل تلك الندوات التي تناقش حوار الأديان، والإرهاب ووضع الأصوليات، والجماعات التي توصف بـ»الراديكالية»، في حين تبقى قضايا مثل التفاوت الطبقي، والأمية، والفساد الاقتصادي، وسيادة القانون حبيسة الأدراج، يتقدم هذه القضايا برمتها مسألة استقلال القضاء، وهي مسألة في غاية الحساسية، وإن تنكرت لها المنابر الرسمية وشبه الرسمية بدعوى استقلال القضاء، إلا أن الحقيقة الواضحة للعيان أن القضاء يشوبه الكثير من الملابسات والتدخلات في الوطن العربي.

في هذا الإطار تلعب مؤسسة الفكر العربي، إن هي أرادت، دوراً كبيراً في التقريب بين وجهات النظر، لما تتمتع به هذه المؤسسة من موقع مقرب من السلطات، ومراكز اتخاذ القرار، والمرجو منها أن تكون أيضاً صوتاً قريباً من عامة الشعب، فحلقة الوصل هنا تكاد تكون شبه مقطوعة، وفي حال تمركز الشباب خلف أجهزة الكمبيوتر، وبث رسائلهم إلى الملايين، وبقاء مؤسسة الفكر العربي في الضفة الأخرى، مرتدية ثوب النخبوية ذا الطابع السياسي، فإننا سننتقل إلى حوار للطرشان، لن ينتهي سوى إلى العنف، والمزيد من قمع الحريات.

ما يبدو للعيان أن المجتمعات العربية بحاجة إلى سن قوانين جديدة في ما يتعلق بموضوع الحريات، لاسيما في قضايا الفنون، والتراث، والكتابة النقدية والإبداعية، ما لم تتعرض هذه الكتابة للأفراد، أو تجرّح شخصيات بعينها. إن قمع الحريات لا يعني سوى شيء واحد هو الانتقال إلى الدولة الدينية، وهو المأزق ذاته الذي يقود إلى صراعات داخلية إثنية، وطائفية. فشعوب الأوطان العربية ليسوا مسلمين جميعهم، كما أنهم أبعد ما يكونون عن الطيف أو اللون الواحد، الأمر الذي يجب على منظري الثورات الحديثة وواضعي أسسها أخذه بالاعتبار، فنحن الآن على أعتاب عصر جديد، مازالت دساتيره في طور النمو والتشكل. وستكون خطوة ذكية حين تكرّس الجهود لتأسيس الدولة المدنية، الدولة المدنية وحدها.

back to top