طوفان الرعب من الشرق: مسلمون أمام المغول 11 ملوك أوروبا يعرضون التعاون مع المغول ضدّ المسلمين

نشر في 09-09-2010 | 00:00
آخر تحديث 09-09-2010 | 00:00
بعد الانتصار الذي حققه المغول على مملكة المجر وحلفائها الأوروبيين، تقدمت جيوشهم لمواجهة جيوش مملكتي بوهيميا وصربيا وبابنبورغ النمساوية ووصلوا إلى مدينة برلين الألمانية وباقي أقاليم الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وشعر العالم المسيحي في أوروبا بأنه سيلقى مصير ممالك الإسلام التي أفناها المغول، فبعث البابا غريغوري التاسع كتاباً إلى الأمراء والملوك الكاثوليك يحثهم فيه على الاتحاد لإعلان حرب صليبية على المغول.

وصلت طلائع الجيوش المغولية إلى ساحل البحر الأدرياتيكي ووقفت قوات باتو على بوابة فينا 

وشمال ألبانيا، فوقعت ممالك أوروبا الشرقية في أيدي المغول وكان من الممكن أن يتقدموا نحو باقي دول وممالك أوروبا لولا وصول خبر وفاة أوكتاي خان إلى باتو في ديسمبر1241.

كما جرت العادة، كان على الأمراء الخانات أن يحضروا جلسة القوريلتاي لانتخاب خليفة للخان المتوفى، على الأثر انسحب الجيش المغولي الغربي من أوروبا الوسطى في السنة اللاحقة فنجت أوروبا كلها  من قبضة المغول. امتدت حدود إمبراطورية المغول حتى وفاة أوكتاي، من كوريا شرقاً إلى بولندا غرباً، ومن سيبيريا شمالا حتى بحر الصين جنوباً.

بعد موت أوكتاي خان طفت التصدعات الخطيرة على السطح، واستمرت على هذا المنوال خمس سنوات، فقد تسلمت أرملة أوكتاي توراكينا خاتون الحكم وكانت تتبع الديانة المسيحية، فأساءت معاملة المسؤولين المسلمين الذين عينهم زوجها وعينت مكانهم حلفاءها وشيّدت الكاتدرائيات والمنشآت الدينية والتعليمية في أنحاء الإمبراطورية ورفعت من شأن المسيحية داخل الإمبراطورية.

التعصب للمسيحيين

ربّت توراكينا ابنها كيوك على التعصب للمسيحية، فصار بلاطه يعجّ بالمسيحيين وقرّب إليه مواطني الأرمن والكرج وروسيا وكل من يدين بالمسيحية، ما شجع الغرب الأوروبي على التقرب من المغول والتحالف معهم ضد المسلمين وتكوين جبهة يطوقون بها العالم الإسلامي ويجعلونه بين شقي الرحا. لهذه الغاية أرسل البابا إنوسنت الرابع وفداً إلى منغوليا عام 1245، برئاسة الراهب الفرنسيسكاني يوحنا دي بلاين كاريين، اقترح على المغول التحالف معهم لمحاربة المسلمين في مصر والشام.

استقبل كيوك الوفد الصليبي بحفاوة كبيرة، لكنه ردّ برسالة يطلب فيها من البابا أن يأتي ملوك وأمراء أوروبا إلى منغوليا وتقديم فروض الولاء والطاعة له، فرفض ملوك أوروبا ذلك خوفاً من غدر المغول الذي اشتهروا به.

نالت توراكينا دعم أصحاب النفوذ من المغول لتأمين وصول ابنها كيوك ابن أوكتاي إلى سدة الحكم، إلا أن باتو اعتذر عن المجيء إلى القوريلتاي ليدلي بصوته زاعماً أنه مريض وقد يؤثر  مناخ منغوليا سلباً على صحته، فاستمر الفراغ الإمبراطوري أكثر من 4 سنوات.

في هذا الوقت، هزمت جيوش المغول المنتشرة في البلاد المختلفة قوات السلاجقة في الأناضول وخرّبت المناطق التابعة لأسرة سونغ والهند وهدد تيموجي، الشقيق الأصغر لجنكيز خان، توراكينا خاتون بالاستيلاء على العرش، وعندما وصل الخبر إلى كيوك عاد مسرعاً إلى بلاده ليضمن اعتلاءه العرش دون غيره.

الخاقان كيوك

وافق باتو (ابن جوجي) على إرسال إخوته وقادته إلى القوريلتاي، فجمعت توراكينا خاتون أعضاء هذا المجلس أخيرا عام 1246، وكانت حملات كيوك في منشوريا وأوروبا  أكسبته منزلة ضرورية لاعتباره خاقاناً مع أنه كان مريضاً لدى انتخابه، وقد حضر جلسة القوريلتاي التي عقدت لانتخابه كبار الشخصيات الأجنبية والمغولية على حد سواء، بالإضافة إلى النبلاء المغول وغير المغول وصل السفراء والقادة الخاضعون لسلطانه من جورجيا، روسيا، الصين، الممالك الخوارزمية، أمراء الخطا، الأمير مسعود بك حاكم تركستان وما وراء النهر، الأمير أرجون حاكم خراسان، السلطان ركن الدين سلطان السلاجقة الروم في آسيا الصغرى، مندوبون عن أتابكة كرمان وفارس والموصل، القائمون على عرش الكرج، كذلك أرسل الخليفة العباسي مندوباً عنه وحضر مندوبان عن البابا وأقيمت سرادقات ضخمة لإقامة الوفود القادمة، كما أقيمت احتفالات صاخبة بهذه المناسبة.

لم يمض عامان على تولي كيوك الحكم حتى توفي عام 1248، وبعد وفاته عادت الوصاية على العرش مرة أخرى ووقعت مشاكل استمرت ثلاث سنوات. حاولت أوجول جايميش، أرملة كيوك، أن تحكم الإمبراطورية بنفسها، لكنها افتقدت إلى الحنكة والخبرة السياسية التي تمتعت بها توراكينا خاتون، ورفض ولداها خوجا وناكو وغيرهما من الأمراء الخضوع لها.

سمح باتو خان لزوجة ابن عمه بأن تكون وصية على العرش وطلب من الأمراء أن يستمعوا إليها، لكنها كانت متكبرة مع ذلك استقبلت مبعوثين من ملك فرنسا لويس التاسع، الذي رغب بتشكيل حلف معها لقتال المسلمين العرب، بالإضافة إلى خضوعه التام لهم ودفع جزية سنوية.

في تلك الفترة عاود البابا مراسلة المغول، فأرسل وفداً صليبياً إلى بيجو، قائد القوات المغولية في مدينة تبريز في منطقة فارس الملاصقة لأملاك الخلافة العباسية، وكان ذلك عام 1247. رحب بيجو بالوفد ورأى أن هجوم الصليبيين على مصر والشام سيشغل المسلمين عن إرسال المدد لعاصمة الخلافة في بغداد عندما يقرر الخاقان غزوها، لكن لم تكن لديه صلاحية اتخاذ مثل هذا القرار.

هكذا ظل رموز الحرب الصليبية يسعون بكل جهد لكسب المغول في صفهم ضد المسلمين، فأرسل ملوك فرنسا وإنكلترا وألمانيا الرسل إلى المغول يطلبون منهم ذلك، بيد أن عدم استقرار الأوضاع السياسية آنذاك حال دون تأسيس تحالف مغولي - صليبي ضد المسلمين، إلا أن الصليبيين كانوا يرسلون المعلومات اللازمة للجيوش المغولية عن مدن الأقاليم الإسلامية في العراق والشام ومصر.

مونكو خان

عقدت جلسة ثانية للقوريلتاي في 1 يوليو1251 في الوطن الأم كما طالب المعترضون، وفيها صوّت الحاضرون لمونكو خان ليكون الخان الأكبر الجديد للإمبراطورية المغولية واعترف به المعترضون السابقون، مثل ابن عمه قادان خان والخان المخلوع قرا هوليجو.

اعتمد مونكو خان في بداية عهده على الإداريين المسلمين والمغول، فأثار ذلك حفيظة الصليبيين الذين كانوا يتابعون كل ما يخص المغول، فأرسل هيثوم الأول، ملك أرمينيا الصغرى، شقيقه سمباط إلى بلاط الخاقان في قراقورم يلحّ في طلب التعاون معه ضد المسلمين، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل ذهب هيثوم الأول بنفسه إلى قراقورم في سبتمبر 1254 وقابل مونكو خان وقدم له فروض الولاء والطاعة والخضوع الكامل له، مقابل أن يشمل مونكو الصليبيين بعطفه ويقف معهم ضد المسلمين، وأعلن أن الكنيسة ورعاياها في خدمته. لم تنته المفاوضات بين الجانبين إلا بعدما كلف مونكو شقيقه الأصغر هولاكو بغزو بلاد الخلافة الإسلامية والقضاء عليها وإعادة الأراضي المقدسة إلى المسيحيين.

كان فشل حملة دمياط ضربة موجعة للكرسي البابوي في روما، الذي كان المحرّض والمخطط لها، لذلك فكّر في حملة جديدة تعيد إلى الصليبيين كرامتهم، وكان المرشح لقيادة هذه الحملة فريدريك الثاني هوهنشتاوفن إمبراطور ألمانيا الذي اشتهر لدى العرب باسم «أعجوبة الدنيا».

لم يكن هذا الملك صليبياً مثل غيره من ملوك أوروبا، فقد ولد وترعرع في صقلية وسط مظاهر الحضارة الإسلامية، ولم ينظر إلى المسلمين نظرة ملوك ورعايا أوروبا بأنهم كفار ويجب قتلهم، بل اعتبرهم أهل حضارة وعلم ولهم ثقافتهم وموروثاتهم المميزة، وكان يجيد العربية بطلاقة فأصبح قريباً من المجتمع الإسلامي.

تولى فريدريك الثاني عرش ألمانيا عام 1215، وبدأ الإعداد للحملة الجديدة بعد مرور أقل من 10 سنوات من نهاية الحملة الصليبية الخامسة وترأسها بنفسه. أراد الإمبراطور أن يحقق مقاصده بمفاوضات سلام ومن دون أن يسحب سيفه من غمده، فتزوج في صيف 1225 يولاندي (المعروفة باسم إيزابيلا)، إبنة ملك القدس يوحنا دي بريان، وطالب بعرش مملكة زالت من الوجود ودخل في مفاوضات مع السلطان الصالح إسماعيل الأيوبي في دمشق ما أثار غضب روما، فاستنكر البابا مسلك فريدريك الثاني واتهمه بإهمال «قضية الرب» وهدده بانزال الحرم الكنسي عليه وفرض غرامة مقدارها 100 ألف أوقية من الذهب إذا لم تقم الحملة الصليبية في آخر المطاف، وقد أرجئ البدء بها إلى أغسطس 1227 لكنها فشلت قبل قيامها.

تشفياً في البابا أبحر الإمبراطور إلى سورية في صيف 1228، فرد البابا بعدم موافقته على هذه الحملة ووصف فريدريك بأنه قرصان ويريد سرقة مملكة القدس، فكانت أول حملة صليبية لا يباركها البابا، لكن فريدريك الثاني لم يأبه بذلك واستولى على قبرص ووصل إلى عكا وبدأ مفاوضات مع السلطان الصالح إسماعيل أسفرت في فبراير (شباط) 1229 عن صلح لمدة 10 سنوات، تنازل بموجبه السلطان عن القدس باستثناء منطقة الحرم وبيت لحم والناصرة والقرى المؤدية إلى القدس وقسم من دائرة صيدا وطورون، وعزز الإمبراطور الألماني الحصون والقلاع وأعاد تنظيمها ووقّع مع مصر اتفاقيات تجارية وتعهد فريدريك الثاني بمساعدة السلطان الأيوبي ضد أعدائه أياً كانوا مسلمين أم مسيحيين، وضمن عدم تلقي القلاع الباقية خارج سيطرته أي مساعدة من أي مكان.

فريدريك ملك القدس

حقق فريدريك بغير الحرب، ما عجزت عنه الحملات الصليبية السابقة وتوج ملكاً على بيت المقدس (القدس) التي أصبحت عاصمة الصليبيين في الشرق بدلا من عكا، بينما استنكر العالم الإسلامي تلك الاتفاقية التي عقدها الملك الكامل مع الصليبيين وفجرت ردود فعل غاضبة على المستوى الشعبي، فأرسل الرسل إلى كل مكان في البلاد الإسلامية ليبرر فعلته النكراء بتفريطه في بيت المقدس.

عام 1239، مات الملك الصالح إسماعيل وظهرت على الساحة صراعات العرش الأيوبي في مصر والشام وتولى العرش في النهاية ابنه الملك الصالح نجم الدين أيوب، فهزم الجيوش الصليبية في معركة ضخمة وقعت في قرية الحربية بين عسقلان وغزة عام 1244، واستعاد بيت المقدس، لتظل تحت الحكم العربي سبعة قرون متصلة.

كان لهزيمة الصليبيين في معركة الحربية أو معركة لافوربي وسقوط بيت المقدس في أيدي المسلمين صدى كبير في أوروبا فشعر ملوكها أن ممالكهم في الشام أوشكت على السقوط في أيدي المسلمين وبدأوا يجهزون حملة كبيرة للاستيلاء على مصر لإخراجها من الصراع، وأدركوا، بعد هزيمة حملتهم الخامسة على مصر ثم هزيمتهم في معركة الحربية وضياع بيت المقدس منهم، أن مصر بإمكاناتها البشرية والاقتصادية هي ترسانة العالم الإسلامي وقلعة التصدي لطموحاتهم في الاستيلاء على بيت المقدس والشرق.

كان لويس التاسع، عرف في ما بعد بالقديس لويس، من أشدّ المتحمسين لقيام تلك الحملة، فروّج لها في أنحاء أوروبا ولدى البابا إنوسينت الرابع، وأثناء انعقاد مجمع ليون الكنسي الأول عام 1245 أعلن البابا تأييده ومباركته للحملة وأرسل الكاردينال الفرنسي أودو للترويج لها في أنحاء فرنسا وفُرضت ضرائب على الناس لتمويلها. وافقت جنوى ومرسيليا على تجهيز السفن اللازمة، أما البندقية فرفضت المشاركة خوفاً على مصالحها التجارية الواسعة مع مصر.

إلى مصر

في مايو عام 1249 أبحر لويس نحو مصر على متن سفينته الملكية «لو مونتغوي»، وتبعته سفن الحملة من ميناء ليماسول القبرصي، وبسبب شدة الرياح جنحت نحو 700 سفينة إلى عكا وسواحل الشام، فتوقف لويس في جزيرة المورة اليونانية حيث انضم إليه قريبه هيو دو بورغوندي الذي شارك في حملات صليبية سابقة، ثم أبحرت السفن إلى مصر.

في فجر السبت 22 صفر 647 هـ (5 يونيو 1249م) نزل جنود وفرسان الحملة إلى بر دمياط، وكانت القوات الصليبية تضم نحو 50 ألف مقاتل وفارس، وضربت للويس خيمة حمراء كبيرة على الشاطئ، فنشب قتال شديد بين المصريين والصليبيين انتهى بتراجع المصريين. في المساء، بعدما ظن أتابك الجيش فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ أن الصالح أيوب توفي، انسحب من دمياط وخلفه سكانها والعربان الذين أوكبهم الصالح أيوب مهمة الدفاع عن المدينة، فدخلها الصليبيون بسهولة من دون مقاومة واستولوا عليها بكل ما فيها من سلاح ومؤونة وحصنوا أسوارها وأعلنوها مدينة صليبية وعاصمة لمملكة ما وراء البحار وأطلقوا عليها اسم «أوتريمير».

كان لسقوط دمياط في أيدي الصليبيين وقع الصاعقة على المصريين، فأعلن النفير العام في مصر وهرول عامة الشعب إلى المنصورة للجهاد ضد الغزاة، وأرسلت الشواني (السفن) بالمحاربين والسلاح إلى جبهة القتال، وقامت حرب عصابات ضد الجيش الصليبي المتحصن خلف الأسوار والخنادق وشنّ المجاهدون هجمات على معسكراته واسروا مقاتليه ونقلوهم إلى القاهرة.

في 20 نوفمبر 1249، بعد نحو ستة أشهر من احتلال دمياط، خرج الصليبيون منها ومعهم سفنهم توازيهم في النيل واتجهوا جنوباً صوب القاهرة، وبعد معارك مع المسلمين وصلوا في 21 ديسمبر إلى ضفة بحر أشموم (عرف في ما بعد بالبحر الصغير) وأصبحت مياهه تفصل بينهم وبين المسلمين، فأقاموا معسكرهم وأحاطوه بالأسوار والخنادق ونصبوا المجانيق ووقفت قواتهم بإزائهم في بحر النيل وقوات المصريين بإزاء المنصورة. وقد حاول الصليبيون بناء جسر ليعبروا عليه إلى ضفة المصريين، لكن هؤلاء أمطروهم بالقذائف النارية وأفسدوا خطتهم بكل الوسائل.

شجرة الدرّ

في تلك الأثناء توفي السلطان الصالح أيوب في 15 شعبان 647 هـ (22 نوفمبر 1249)، فأصبحت مصر بلا سلطان، أخفت أرملته شجرة الدر خبر وفاته وأرسلت فارس الدين أقطاين، مقدّم المماليك البحرية، إلى حصن كيفا في الشام لاستدعاء ابنه توران شاه لقيادة البلاد وتولت هي إدارة شؤون البلاد وأخذت كل سلطات السلطان عقب وفاته.

أمسك المماليك بزمام الأمور بقيادة فارس الدين أقطاي الجمدار، الذي أصبح القائد العام للجيش المصري، وتمكنوا من تنظيم القوات المنسحبة ووافقت شجرة الدر - الحاكم الفعلي للبلاد - على خطة الأمير المملوكي بيبرس البندقداري باستدراج القوات الصليبية ومحاصرتها في كمين محكم داخل مدينة المنصورة، فأمر بيبرس بتأهب الجنود والعوام داخل المدينة مع الالتزام بالسكون التام، بالفعل اقتحم الصليبيون المنصورة بعدما ظن فرسانهم أنها خالية من الجنود والسكان واندفعوا نحو قصر السلطان للاستيلاء عليه، فباغتتهم قوات المماليك البحرية والجمدارية ومعها العربان والعوام والفلاحين وهم يصيحون كالرعد القاصف وأخذوهم بالسيوف من كل جانب وبالرماح والمقاليع والحجارة، وقد وضع العوام على رؤوسهم طاسات نحاس بيضاء عوضاً عن خوذ الأجناد وسدّ المسلمون طرق العودة بالخشب والمتاريس، فصعب على الصليبيين الفرار وألقوا بأنفسهم في النيل للنجاة فابتلعتهم المياه.

قتل عدد كبير من القوات الصليبيية المهاجمة، من فرسان المعبد وفرسان الإسباتريه ولم ينج سوى ثلاثة مقاتلين، وفنيت الفرقة الإنكليزية تقريباً عن آخرها، فاختبأ لويس روبرت دي أرتوا، شقيق الملك، في أحد الدور ثم قتل مع وليم أوف ساليزبري، قائد الفرقة الإنكليزية.

استمر هجوم المسلمين على الصليبيين طوال اليوم، وظن فارس الدين أقطاي أن لويس قتل في المعركة، فشن هجوماً كبيراً على معسكر الصليبيين في فجر اليوم التالي وألحق بهم خسائر فادحة، وأرسل الحمام ببشائر النصر إلى القاهرة ففرح الناس وأقيمت الزينات، وكان ذلك في الرابع من ذي القعدة سنة 647هـ (8 فبراير 1250م).

تحصن الصليبيون داخل معسكرهم وقتاً طويلا آملين بانهيار قيادة المماليك، لكن بدلاً من ذلك وصل السلطان الجديد توران شاه إلى المنصورة في 4 أبريل 1250 لقيادة الجيش وتنفست شجرة الدر الصعداء بعدما تحملت عبء الدفاع عن البلاد وأعلنت رسمياً نبأ وفاة زوجها الصالح أيوب.

في 5 أبريل 1250، في ظلام الليل، بدأت القوات الصليبية رحلة الهروب إلى دمياط، لكن المصريين عبروا فوق جسر من أشجار الصنوبر، كان الصليبيون قد أقاموه فوق بحر أشموم ونسوا على عجلتهم وارتباكهم أن يدمروه وهم ينسحبون، وطاردوا الصليبيين وطعنوهم بالسيوف والرماح من كل جانب حتى وصلوا إلى فارسكور وهناك سحقوا بالكامل ووقع الملك لويس وأمراؤه ونبلاؤه في الأسر في 6 أبريل 1250م.

أُسر لويس التاسع في منية عبد الله (قرية ميت الخولي عبد الله اليوم)، بعدما استسلم مع نبلائه للطواشي جمال الدين محسن الصالحي، وأودع مغللا في بيت القاضي إبراهيم بن لقمان في المنصورة، كاتب الإنشاء، تحت حراسة طواشي يدعى صبيح المعظمي، كذلك أُسر شقيقاه شارل دانجو وألفونس دو بويتي وأمراؤه ونبلاؤه، وقد سجن معظمهم معه في دار ابن لقمان، أما الجنود العاديون الذين أسروا فأقيم لهم معتقل خاص خارج المدينة.

لويس التاسع خارج مصر

سمح للويس التاسع بمغادرة مصر مقابل تسليم دمياط للمصريين والتعهد بعدم العودة إلى مصر مرة أخرى، بالإضافة إلى دفعه دية قدرها 400 ألف دينار تعويضاً عن الأضرار التي ألحقها بمصر، (دفع نصف المبلغ بعدما جمعته زوجته في دمياط ووعد بدفع الباقي بعد وصوله إلى عكا، إلا أنه تهرب من الدفع في ما بعد).

في 3 صفر 648هـ (8 مايو عام 1250م)، بعد احتلال دام 11 شهراً و9 أيام، سلم لويس التاسع دمياط وغادرها إلى عكا مع أخويه و12 ألف أسير كان من ضمنهم أسرى من معارك سابقة وبقي فيها.

كانت الحملة الصليبية السابعة هي آخر الحملات الصليبية الكبيرة على مصر، ولم يتمكن الصليبيون من إعادة الاستيلاء على بيت المقدس، وكان من نتائجها انتهاء العصر الأيوبي وبزوغ نجم المماليك كقوة ضاربة في مصر والشام، وعلى أيديهم هزم المغول وتحررت عكا وجيوب الصليبيين على سواحل الشام.

back to top