المتطرفون دينياً في إسرائيل يعطّلون عملية السلام

نشر في 14-12-2010
آخر تحديث 14-12-2010 | 00:01
عند التأمل في ما حدث في الماضي، نُلاحظ أن توسع المجتمع اليهودي المتعصب بسرعة، فضلاً عن هجرة اليهود الروس بأعداد كبيرة، كان له التأثير الأكبر في التحول الحاد الذي شهده التوجه السياسي الإسرائيلي.
 ذي تيليغراف التهمت حرائق الغابات العنيفة قبل أيام أجزاء كبيرة من إسرائيل، موديةً بحياة 42 شخصاً، بمن فيهم المرأة الأعلى منصباً في سلك الشرطة في البلد، ولابد من أن خدمات الطوارئ كانت بأمسّ الحاجة إلى أي مساعدة قد تحصل عليها.

لا عجب إذن، أن يستشيط رجال الإطفاء غضباً واستهجاناً، عندما اكتشفوا أن وزير الداخلية الإسرائيلي، إيلي يشاي، رفض عرض جمعية خيرية مسيحية في أميركا الشمالية تقديم بعض سيارات الإطفاء إلى إسرائيل، وتواجه هذه الدولة عادةً صعوبات كبيرة في سعيها لتأمين التغطية المناسبة خلال حالات طارئة مماثلة، ولا شك أن اقتراح منظمة "الصداقة الدولية المسيحية اليهودية" كان سيشكل مساهمة بالغة الأهمية في محاولة السيطرة على النيران المستعرة.

لكن يشاي، الذي يمثل "حزب ساش" المتطرف في الائتلاف الحاكم، لم يفكر على هذا النحو. ينظر هذا الحزب، الذي يتحدث باسم المجتمع المتطرف المتنامي في إسرائيل، بعين الريبة إلى المنظمات غير اليهودية، حتى لو كانت ملتزمة بالدفاع عن خير إسرائيل، فيخشى داعمو هذا الحزب أن تخفي المساعدة التي تقدمها المجموعات المسيحية وراءها حيلة ما هدفها إقناع اليهود باعتناق المسيحية.

نتيجة لذلك، رفض يشاي عرض الجمعية الخيرية الأميركية، فعزز بموقفه هذا التوتر بين الإسرائيليين الأكثر اعتدالاً، الذين يُشكلون الأكثرية في المجتمع الإسرائيلي، والمتشددين دينياً، الذين تحول تأثيرهم المتنامي في سياسة الحكومة إلى مصدر احتكاك متزايد بين هاتين الفئتين. وقد بلغ الغضب ذروته حين أعلن الحاخام عوبديا يوسف، الزعيم الروحي لـ"شاس"، أن هذه الحرائق عقاب إلهي بسبب فشل الإسرائيليين العلمانيين في حفظ قدسية "السبت".

لكن هذه الجدالات الحامية باتت شائعة اليوم في بلد صار مستقبله معرضاً للخطر، حسبما يعتقد كثيرون، بسبب تنامي عدد المتطرفين فيه، ويقدم قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برفض الطلب الأميركي تمديد تجميد بناء المستوطنات صورةً حيةً عن هذه النزعة.

بعد أن أدت الانتخابات العامة السنة الماضية إلى نتائج غير حاسمة، استغل نتنياهو النظام الانتخابي المعقد في إسرائيل ليؤلف ما يعتبره كثيرون الحكومة الأكثر ميلاً إلى اليمين في تاريخ هذا البلد. صحيح أن حزب نتنياهو "الليكود" مازال يمسك بزمام القرار داخل الائتلاف الحاكم، إلا أنه يعتمد إلى حد كبير على دعم "شاس" وحزب "إسرائيل بيتنا" الأكثر تعصباً، الذي يقوده أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية المتشدد. وُلد ليبرمان في مولدوفا خلال عهد الاتحاد السوفياتي وهاجر إلى إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي. ويحصل وزير الخارجية هذا على أكبر دعم له من نحو مليون يهودي روسي أصبحوا مواطنين إسرائيليين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

صحيح أن إسرائيليين كثراً يمقتون النفوذ المتنامي لحزبَي "ساش" و"إسرائيل بيتنا" وأمثالهما، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن هذا الائتلاف يعكس في عدد من أوجهه التحولات السكانية التي غيرت المشهد السياسي الإسرائيلي خلال السنوات العشرين الماضية.

تبدو إسرائيل اليوم مختلفة كل الاختلاف عن البلد الذي عُيّنتُ فيه قبل خمس وعشرين سنة. فحينذاك، فضلت الأكثرية الساحقة من الإسرائيليين التعايش بسلام مع جيرانها العرب. وقد بذل شيمون بيريز، زعيم حزب العمل الذي يتبوأ راهناً منصب رئيس إسرائيل، جهوداً حثيثة لعقد السلام مع الدول المعادية، مما أدى إلى توقيع معاهدات مع مصر والأردن.

في الحي الذي أقطنه في القدس، كان اليهود والعرب يعيشون معاً بسعادة، فقد شاع في الماضي أن نرى الإسرائيليين يتركون أولادهم في عهدة الفلسطينيين ليمضوا الأمسية خارج المنزل، ربما في أحد المطاعم الفلسطينية التي تقدم أطباقاً إسرائيلية.

أما اليوم، فصار الانقسام بين هذين المجتمعين عميقاً جداً إلى حد باتت معه ملامح الألفة والمودة هذه مستحيلة، ويظهر هذا الموقف الحالي على نحو جلي من خلال الفتاوى اليهودية الأخيرة التي تمنع مالكي الأراضي اليهود من تأجير أي عقار للفلسطينيين.

عند التأمل في ما حدث في الماضي، نُلاحظ أن توسع المجتمع اليهودي المتعصب بسرعة، فضلاً عن هجرة اليهود الروس بأعداد كبيرة، كان له التأثير الأكبر في التحول الحاد الذي شهده التوجه السياسي الإسرائيلي.

أوشكت إسرائيل على عقد السلام مع الفلسطينيين عام 1993، حين وقع بيل كلينتون اتفاقية أوسلو البالغة الأهمية مع إسحق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي قُتل لاحقاً على يد يهودي متطرف عارض هذه الصفقة. ولكن عندما تطرق بيل كلينتون إلى الجهود الأخيرة التي تبذلها زوجته هيلاري، وزيرة الخارجية الأميركية راهناً، لإعادة إحياء هذا الحوار، اعتبر المهاجرين الروس عقبة أساسية، واصفاً "أولاد الروس والمستوطنين" بأنهم "الأكثر معارضة لتقسيم الأرض".

يشاطر كثيرون من كبار المسؤولين في الحكومة البريطانية كلينتون وجهة نظره هذه، فقد أخبروني أنهم متشائمون في نظرتهم إلى احتمال عقد السلام في الشرق الأوسط. يقول أحدهم: "إسرائيل اليوم مختلفة كثيراً عما كانت عليه قبل عشرين سنة"، ومادام مصير هذا البلد بين أيدي المتطرفين القوميين والدينيين، أرى أنه من شبه المستحيل التفكير في يوم يتمكن الإسرائيليون فيه من العيش بسلام مع جيرانهم الفلسطينيين.

* كون كافلين | Con Coughlin

back to top