ولاد البلد ... رغيف حواوشي من السبكي!
يتّسم فيلم «ولاد البلد» (من الطبيعي أن يمتع قطاعاً معيناً من الجمهور) بمحدودية الثقافة، وبذوق يتجاوب مع الأفلام التي تخاطب النزعات المتخلّفة في الإنسان، وهذا هو سبب حصوله على أرباح كبيرة، وتصدُّر إيراداته دفعة أفلام العيد الأخيرة في مصر.أخرج الفيلم إسماعيل فاروق وكتبه سيد السبكي وأنتجته شركة السبكي للإنتاج السينمائي، والسبكي عائلة معروفة بإنتاج الأفلام التجارية، وبتوابل زاعقة وطبخة أو توليفة معيّنة، و{ولاد البلد» مثال نموذجي لتلك التوليفة. معروف أن «السبكية» يعملون في الأصل في تجارة اللحوم، وثمة ضمن المأكولات الشعبية المصرية طعام يُعرف باسم «رغيف الحواوشي»، مكوّن من بقايا مختلطة متخلّفة عن اللحوم والدهون، لكن ما يعطيه جاذبيةً ويجعل عليه إقبالاً هو الشطة والبهارات وتقديمه بسخونة شديدة، ما يغطي على مكوّناته ومذاقه!
«ولاد البلد»، كمعظم أفلام «السبكية»، ينتمي إلى ذلك النوع من الطعام، الذي تغطي على ضعف مستواه، توابله اللاذعة، وسخونة حواره، ومدى صفاقة إفيهاته الجنسية سواء في الحوار أو الأغاني، المصحوبة عادة برقص يقدَّم بهدف الإثارة وليس الرقص كفن... تدور أحداث الفيلم في حارة قاهرية، اسمها «حارة الزغابة» (ربما على وزن الغلابة) نرى فيها أشقاء وأصدقاء ونساء، يعانون قلة الرزق وصعوبة الحياة، من بينهم: الفتوة الذي يستهل الفيلم بخروجه من السجن (محمد لطفي)، والميكانيكي (سعد الصغير)، والحانوتي (سليمان عيد)، والقواد (علاء مرسي)، وشقيقته خطيبة الفتوة وتعمل خفيةً في البداية ثم علانية راقصة في كباريه (دينا)... هؤلاء وغيرهم من أهل المكان الفقير، إلى جانبهم «غسان» (أحمد راتب) الذي خرج من الحارة بائساً، ولكنه يصل بكل الطرق الوصولية وبأخسها مستوى إلى موقع رجل الأعمال، الذي لا يكف عن استغلال أهل المكان للوصول إلى عضوية مجلس الشعب وحصانته، وهو يريد أن يتحصّن بها من عمليات بيع سلع بعضها فاقد للصلاحية وبعضها يؤدي إلى السرطنة، وبمساعدة أجانب غامضين يظهرون فجأة... ثم يتكاتف أهل الحارة حينما يكتشفون طبيعة «غسان» الإجرامية فيقول أحدهم: «لنفعل مثل روبين هود»، ثم يسرقون رجل الأعمال الغني، ليوزّعوا ماله على فقراء الحي! ويصل الأمر بإلقاء القبض في النهاية على رجل الأعمال الفاسد.يستعين الفيلم بأغنيات لسعد الصغير، أحد أبطال الفيلم، وعصام كاريكا في أغنية واحدة، وأمينة في أغنية شديدة الإسفاف.كذلك، يستعين بدينا ضمن أبطاله، آخر راقصة شرقية من المشهورات في مصر، وبالراقصة شمس التي ربما هي أول راقصة تلفت الأنظار بعد أجيال المشهورات، لكن لا يمنحها الفيلم دوراً كبيراً وإنما يقدّمها في مشاهد مع زوجها الذي ترقص له في أكثر من مشهد (سليمان عيد)، وهي مشاهد قُصد بها تقديم إفيهات أو مواقف جنسية بسبب عجز «سليمان» الجنسي، والذي يعتقد بأن عمله كحانوتي وأصوات الصراخ على الموتى في أذنيه هي سبب عجزه، فيغيّر عمله إلى متعهّد أفراح لكن ذلك التغيير لا يحل مشكلته لأنه أصبح يسمع أصوات الزغاريد تملأ أذنيه فيستمر عجزه وتزيد الإفيهات والصخب والتعليقات في قاعة العرض بوسط القاهرة!لم تخرج «السبكية» عن التيمة أو «التوليفة» المعهودة، أو «رغيف الحواوشي» الساخن بالشطة الشديدة، إلا مرة غير مقصودة هي فيلم «كباريه»، ولما اكتشفوا نجاحه والاحتفاء به جمهوراً ونقاداً على غير المعتاد أيضاً، كرروا التجربة في «الفرح» وسيكررونها في غيرهما... وذلك بفضل مخرج الفيلمين سامح عبد العزيز وكاتبهما أحمد عبد الله، اللذين كانا غارقين مع السبكية وغيرهم في نوعية الأفلام التجارية الاستهلاكية لكنهما استطاعا انتزاع فرصة للتعبير عن جانب آخر كامن لم يتح أن نعرفه أو نلحظه فيهما، جانب الموهبة الأصيلة الحقيقية!.