تركيا واليابان عند مفترق طرق

نشر في 08-10-2010
آخر تحديث 08-10-2010 | 00:01
ما يجري اليوم على الساحة الديمقراطية في تركيا واليابان مهم لمن يراقبون موجة الليبرالية التي تجتاح العالم، فإن انحرفت إحدى الدول المحورية في آسيا عن المعايير الليبرالية وفشلت الأخرى في إصلاح اقتصادها الراكد، فسيتضرر النموذج الديمقراطي.
 ناشيونال ريفيو على المحللين السياسيين النظر مجدداً إلى دولتي النقائض في آسيا لمعرفة اتجاه الديمقراطية في اثنين من أهم المجتمعات في العالم.

بات علماء السياسة الأميركيون في ستينيات القرن الماضي مفتونين بالتحديث السياسي في تركيا واليابان، فأرادوا بشكل خاص اكتشاف السابقات التي سمحت لمجتمعين مختلفين، أحدهما إمبراطورية متعددة الإثنيات وعمرها قرون، والآخر مجموعة إقطاعية ومعزولة من الجزر، بالتحرر من عقال التقاليد وتغيير نظاميهما السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي جذرياً في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وهذا الشهر، على المحللين السياسيين النظر مجدداً إلى دولتي النقائض في آسيا لمعرفة اتجاه الديمقراطية في اثنين من أهم المجتمعات في العالم، بينما يدلي المواطنون في كل من تركيا واليابان بأصواتهم التي ستساعد على تحديد مستقبل بلديهما.

صادق الناخبون في تركيا بقوة على استفتاء لتعديل الدستور طرحه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان من شأنه على ما يُفترض تعزيز حماية الحقوق المدنية، إنما سيسمح أيضاً لزعيم الحزب الإسلامي بزيادة عدد القضاة في أهم المحاكم في تركيا والسيطرة على الجيش، لذلك ادّعى المعارضون العلمانيون في حزب العدالة والتنمية بأن أردوغان يستخدم وسائل دستورية لتقويض أسس الثورة الكمالية التي قامت في عشرينيات القرن الماضي إلى الأبد ودفع البلاد أكثر نحو الأعراف الإسلامية. كذلك دق أولئك الذين يراقبون المجتمع التركي ناقوس الخطر إزاء محاولة أردوغان طوال السنوات الثماني الماضية تهديد الجيش، محاكمة أشخاص اشتُبه في تخطيطهم لانقلاب، وقمع معارضي النظام من وسائل الإعلام.  

مع ذلك، لا تُقلق سياسات أردوغان المراقبين المحليين فحسب فيما لايزال التوتر قائماً بين أنقرة والولايات المتحدة بسبب معارضة تركيا عقوبات الأمم المتحدة ضد برنامج إيران النووي، ومحاولتها التوسّط لإيجاد تسوية مع إيران بشأن إعادة معالجة المواد النووية، وتجميدها العلاقات مع إسرائيل بعد منع الأخيرة قارباً ترعاه تركيا كان يحاول اختراق حصار مفروض على "حماس" في وقت سابق من العام الحالي. من جهتهم، اعتمد الدبلوماسيون الأتراك موقفاً دفاعياً، رافضين ما يُشاع عن أن ثاني أكبر جيش في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) يميل أكثر فأكثر نحو الأنظمة المعادية للسياسات الليبرالية والغرب.    

وفي الطرف الآخر من آسيا، شهد الحزب الديمقراطي الحاكم في اليابان معركة داخلية بين مؤسسَي حزبين أوزاوا إيشيرو وكان ناوتو، رئيس الوزراء الحالي. بالرغم من فوز كان على منافسه ليبقى في منصب رئاسة الوزراء، فإن وحدة الحزب تضعضعت، ولانزال نجهل إن كان حزب اليابان الديمقراطي سينجح اليوم في إعداد أجندة سياسية واضحة. لذلك فإن الإصلاحات الاقتصادية في اليابان في النصف المقبل من العقد في خطر، وكذلك وضع تحالف اليابان مع الولايات المتحدة على المدى القريب. منذ تولي حزب اليابان الديمقراطي السلطة، تعطلت أجندة الإصلاح التي طرحها وتدهورت العلاقات مع واشنطن بسبب محاولة رئيس الوزراء السابق يوكيو هاتوياما الفاشلة في إحباط اتفاق بشأن إخراج مشاة البحرية الأميركية من إحدى القواعد المثيرة للجدل جنوب أوكيناوا. كذلك لاتزال اليابان تتهاون في تعاملها مع الركود والانكماش الاقتصاديين، بينما بلغ التوتر في العلاقات مع الصين مستويات توشك أن تتحول إلى أزمة في الأيام الأخيرة بسبب واقعة بحرية أخرى. وعلى غرار مراقبي الشؤون التركية، يخشى مراقبو الشؤون اليابانية على مستقبل السياسة المحلية والخارجية معاً.

تتوقف أوجه الشبه المحلية بين تركيا واليابان عند ذلك الحد، ففي الأولى، يسرع رئيس حيوي في إعادة تشكيل بنية بلاده الاجتماعية وسياستها الخارجية، زاعماً في الوقت عينه بأنه يسعى إلى مطابقة دولته مع المعايير الدولية فحسب. وفي الأخرى، تناضل مجموعة فاترة الهمة من السياسيين المخضرمين من أجل إصلاح اقتصاد بلادهم وعلاقاتها مع أهم حليف لها، مدّعيةً  بالتزامن بأنها تبحث عن مسار جديد بعيداً عن الرأسمالية الجامحة.

 يتحرك أردوغان، برأي الناخبين في تركيا، بسرعة فائقة، ومن غير الواضح إلى أي مدى سيذهب في تغيير البلاد، أما أولئك الذين منحوا كان فرصةً أخرى، فيخشون ألا يتمكن أي سياسي من المضي بالبلاد قدماً إلى أبعد الحدود أو بأقصى سرعة لمنعها من خسارة عقد آخر هو الثاني في غضون 20 عاماً.

ما يجري اليوم على الساحة الديمقراطية في تركيا واليابان مهم لمن يراقبون موجة الليبرالية التي تجتاح العالم، فإن انحرفت إحدى الدول المحورية في آسيا عن المعايير الليبرالية وفشلت الأخرى في إصلاح اقتصادها الراكد، فسيتضرر النموذج الديمقراطي. يسبب ذلك قلقاً متزايداً بينما يشهد العالم الظهور المتجدد لأنظمة استبدادية في الصين، وإيران، وروسيا. في المقابل، أظهر رفض فرنسا وبريطانيا العظمى المهين طلب تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مدى قدرة مجموعة الدول "المتقدمة" على التقلّب، وفي الوقت عينه، أدّت الأزمة في منطقة اليورو وتفوق اقتصاد الصين على اليابان إلى التشكيك في قدرة أنظمة الحكم التمثيلية على الحفاظ على النمو الاقتصادي. بنتيجة الأمر، تسود حالة عامة من الشكوكية في الديمقراطية والليبرالية تماماً في الوقت الذي يتوجب فيه على الدول الديمقراطية ضم جهودها لدرء التحديات التي تواجهها أنظمتها والنظام العالمي الذي وجّه التطوّر في العالم منذ الأربعينيات.

من المقلق، ولعله من المجحف، أن تكون سمعة الليبرالية في العالم مرتهنة بأحداث تجري في بعض البلدان فقط، لكن اليابان وتركيا لم تكونا يوماً دولتين عاديتين. تبيّن لعلماء السياسة الأميركيين هؤلاء منذ نصف قرن تقريباً بأن كلا البلدين متفوّق بنفوذه إقليمياً وعالمياً. فقد أرشدا البلدان الأخرى من حولهما إلى الدرب للمضي قدماً، لا سيما في مثال اليابان، وشكّل كلاهما دعامتين أساسيتين في نظام التحالفات العالمية الذي تبنّته الولايات المتحدة ما بعد الحرب. لذلك فإن المسار الذي اختاراه اليوم وفي المستقبل سيتّصف دوماً بالأهمية خارج حدود أنقرة وطوكيو. كذلك ستبرز أهمية خياراتهما بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي ستجد صعوبةً كبيرة في الحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط والشرق الأدنى من دون صقل علاقة عملية وطيدة مع البلدين، في الوقت الذي سيراقب فيه الديمقراطيون في أنحاء العالم عن كثب كيفية تطوّر الأحداث عبر البوسفور وبحر اليابان.

في النهاية تبدو اليابان وتركيا في حالة انتظار بطرق شتّى: فقد أعطى الأتراك أردوغان صلاحية تغيير أسس مجتمعهم القانونية بشكل جذري، وهم على ثقة بأنه لن يقود البلاد باتجاه إسلامي أو قدماً إلى أحضان شركاء استبداديين. على اليابانيين أيضاً الانتظار لتحديد إن كان كان سيتمكن، بعد أن منحه حزبه فرصةً أخرى، من وضع مجموعة من الخطط لإحياء النمو الاقتصادي وأداء دور مهم في العالم. بالرغم من أن شكوكاً تسري على نطاق واسع في كلا البلدين، لكن في الوقت الراهن، منح الناخبون كلا الرجلين الشرعية الديمقراطية للمثابرة. وبينما ينتظرون، يتابع معهم أيضاً بقية دول العالم الأحداث بترقب، فقد ساعدت اليابان وتركيا على رسم معالم القرن العشرين، وقد تشكلان القرن الحادي والعشرين على حد سواء.

مايكل آسلين - Michael Auslin

*مدير الدراسات الخاصة بالشؤون اليابانية في "معهد أميركان إنتربرايز".

back to top