المافيا... دولة المال والدم 12 الياكوزا اليابانيَّة والترياد الصيني...الآسيويون قادمون
لآسيا وشرقها بالتحديد خصوصية مميزة، اشتهرت بها مع أساطير التحكم في الذات ورياضات التأمل التي مكنت رهبان الديانات الشرقية المنتشرة فيها من استغلال ملكاتهم الجسدية لتحقيق انتصارات على سفراء الشر أو الغزاة المحتلين. بصورة أو بأخرى، نجح أعضاء متمردون وفلول مطرودة من إعادة استخدام تلك القدرات بصورة مكنتهم من فرض سيطرتهم في ذلك الصراع الأبدي بين الخير والشر، والذي صورته آساطير أسيوية عدة نجح فيها رجال الشر في فرض سطوتهم لبعض الوقت. لكن الواقع يختلف، إذ تقوقع الرهبان والصالحون في صوامعهم أعلى الجبال تاركين السفح لمافيات تاريخية مسلحة تتحكم في طرق التجارة وتفرض إتاواتها على المسافرين، وهذا ما تغير لاحقاً لتتحول تلك الجماعات إلى عالم سفلي له قواعده الخاصة ويتزعّمه من امتد أثرهم إلى بقاع أخرى من العالم في ظل ثورة الاتصالات وسهولة الحركة بين أطراف العالم، لكن يظل للتاريخ قصة تروى عن:
ياكوزا اليابان«ياكوزا» باليابانية مصطلح عام يُطلق على المنظمات الإجرامية، ويعود أصل الكلمة إلى لعبة قديمة لأوراق الشد (كوتشينة) تسمى «هانافودا»، ومن يسحب الأوراق 8 و9 و3، أي باليابانية «يا كو سا»، تصبح الخسارة من نصيبه. ومنذ القرن السابع عشر، أصبح اللقب من نصيب الأشخاص المهمشين، وقد تشكلت آنذاك مجموعات «كابوكي مونو» أو «المجانين» التي خرجت عن مجموعات الـ «هاتاموتو ياكو» أو خدم الشاجون، وضمت نصف مليون محارب من الساموراي الذين أجبروا على البطالة في فترة السلام، فأصبحوا بذلك من «الرونين» أو المحاربين بلا أسياد، ليتحول بعضهم إلى قطاع طرق ينهبون القرى والمدن الصغيرة وعابري السبيل من لاعبي القمار والسكارى. وينفي رجال الياكوزا خروجهم من عباءة «الرونين»، ويرون أنهم أقرب إلى الـ «الماشي ياكو» أو خدم المدينة، الذين حملوا السلاح للدفاع عن القرى، وهم من الكتَّاب وأصحاب المتاجر والمطاعم والحرفيين والمحاربين المشردين. وسرعان ما تحول «الماشي ياكو» إلى أبطال شعبيين لدى سكان القرى لما قاموا به من أعمال أشبه بأسطورة «روبين هود» اللص الشريف، وما زالت «الياكوزا» ترى في نفسها حتى اليوم دور البطل الشعبي الخارج عن القانون. ويترابط أعضاؤها بطقوس واسعة ومعقدة يتم فيها تناول شراب الرز، وتبادل يمين الولاء، ويخضعون لمبادئ صارمة من بينها: قطع طرف الأصبع الخنصر للتكفير عن أفعالهم الخاطئة إذا ما مست عشيرتهم، وهو المعروف بتقليد «يوبيتسوما»، الذي يعني خجل وضعف اليد، التي لا يستطيع صاحبها حمل السيف بثبات، وعند تكرار الخطأ يبتر طرف الإصبع الثاني. ويعود استخدام الوشم لديهم أيضاً لفكرة العقاب نفسها، حيث كان عادة ما يتم وشم المجرم بحلقة سوداء حول ذراعه لكل خطأ يرتكبه، لكن سرعان ما تحول الوشم إلى وسيلة لاختبار القوة، خصوصاً أن إنجاز الأسود منها يستغرق ساعات طويلة. وكان من بين قواعدهم ما يحرم انتهاك حرمة أطفال ونساء عضو آخر من العائلة، وتجريم كشف أسرار العائلة، أو عدم طاعة الأوامر العليا، أو التورط في تجارة المخدرات، أو شبهة سرقة أموال العائلة، أو اللجوء إلى الشرطة أو لرجال القانون.وبمرور الوقت صار التنظيم أكثر دقة وهرمية، وتحولت الياكوزا عن مسارها في أواخر القرن التاسع عشر لتركز معظم أنشطتها في التحكم في الأموال وإدارة شبكات البغاء وتهريب المخدرات والأسلحة والاحتيال وغسل الأموال في جنوب شرق آسيا والفلبين، حيث يشكلون حلفاء أقوياء أو خصوماً يصعب هزيمتهم. وقد استخدمتهم اليابان الحديثة في تدعيم قبضتها، لدرجة أنهم أعدموا في فترة الثلاثينيات، مع بعض القوميين، رئيس الوزراء وعدد من أتباعه حينها. وبعد هزيمة اليابان في الحرب الثانية بأسابيع قليلة، أدرك الأميركيون عمق هيمنة المافيا اليابانية «ياكوزا» وتشكيلها لسلطة خفية وفاعلة يحققها عدد أفرادها الذي يفوق عدد أفراد رجال الشرطة اليابانية، كما حدث في أميركا نفسها حيث كانت المافيات قد عززت مواقعها منذ نهاية القرن التاسع عشر وازدهرت نشاطاتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وبنهاية الخمسينيات، تكاملت في اليابان بنية تلك العصابات، حيث يجلس في أعلى الهرم «الأويابون»، زعيم العشيرة أو الأب الروحي، ومن تحته «السايكو كومون»، أو المستشار، الذي يعتمد بدوره على فريق من المحامين والمحاسبين والسكرتيرات، ويليه «الواكاجاشيرا»، وهو الثاني من حيث السلطة، وهو الوسيط الذي يعمل على تنفيذ أوامر الأويابون. وثمة «الشاتي جاشيرا» في مستوى أعلى ولكن سلطاته أقل، ومن تحته الأخوة، أو زعماء أو العائلات، وتتفرع كل عائلة إلى عائلات أصغر لها حدودها وتخصصها، حيث تبسط سيطرتها على منطقة معينة، وتستعمل الوسائل كافة للدفاع عنها في حالة إقدام عائلة أخرى على اختراقها. وتستمر البنية في الهبوط إلى عصابات صغيرة يلقبونها بالأولاد أو الأطفال، ويمكن لكل ولد تزعم عصابة تخصه على أن يدفع إتاوة شهرية للعصابة الأعلى وهكذا. ويستمر الأمر على هذا النحو إلى أن يصبح تعداد العشيرة بالآلاف، حيث تنامت أعدادها مع ازدهار الاقتصاد الياباني في الخمسينيات والستينيات، وهذا ما أدى إلى تعديل أساليب العصابات القديمة وشعائرها وعقوباتها عبر وحشية فترات الحرب، ليمسك بها الياكوزا بطريقة أفضل أو البوريوكودان كما تسميها السلطات اليوم.وفي عام 1960 كان لدى الياكوزا 184 ألف عضو يتوزعون على عصابات دموية في شوارع المدن اليابانية، وفي عام 1996، وحسب إحصاءات الشرطة اليابانية التي لا تعكس الحقيقة بشكل كبير، بلغ تعداد أفراد عصابات الياكوزا حوالى 150.000 شخص، يتوزعون على أكثر من 2000 عائلة أو عشيرة كبيرة - «كومي». وإذا كان البعض يترجم كلمة «كومي» اليابانية بكلمة عشيرة، إلا أن كلمة عائلة هي الأنسب، لأنها تعطي تصوراً أقرب لحقيقة العلاقات في داخلها، والتي تقوم على أسس أبوية من الاحترام والطاعة. على أن يكون واضحاً لرجال الياكوزا الجدد أنه لا داعي للتعرض للـ{كاتاغي»، وهم الأناس العاديون، طالما لم يخرق أحدهم قوانين الياكوزا العامة.وتعمل عائلات الياكوزا في ترويج المخدرات بأنواعها، والإقراض بفوائد فاحشة، وتجارة الأسلحة، التي تصل إلى درجة التحريم في اليابان، فضلاً عن أموال الإتاوات مقابل تأمين الحماية للمتاجر والمحلات والشركات التي تقع في نطاق كل عائلة، والسيطرة على مكاتب المراهنات والقمار في نوادي رياضة «السومو»، إضافة إلى نشاطات خارجية في أستراليا ونيويورك ولاس فيغاس ومدن أميركية أخرى، وهاواي التي كانت أول مكان استقرت فيه الياكوزا خارج اليابان. وعلى رغم ذلك يحرص أفراد الياكوزا على أن تبدو نشاطات هذه العائلات رسمية وقانونية، بزعم أنهم نشطاء ضمن جمعيات اجتماعية ذات أهداف غير نفعية، ويقع على عاتقهم القيام بدور في المهرجانات المحلية اليابانية بالتنظيم والدعم المادي. في الوقت الذي تعرف فيه الشرطة أسماء غالبية الزعماء الكبار، الحريصين على القيام بدورهم الرسمي الاجتماعي في الدفاع عن سكان الحي - الذي يحظى برعايتهم - ضد اللصوص والأعمال التخريبية التي يقوم بها الـ{بوسوزوكو»، وهم جماعات من الشبان المتمردين من عشاق قيادة الدراجات النارية برعونة، والذين ينتهي أمرهم غالباً بالانضمام إلى إحدى عائلات الياكوزا للعمل بصورة أكثر تنظيماً واحترافاً. وتملك عناصر الياكوزا مكاتباً لها في الشوارع الرئيسة من المدن اليابانية، وتضع أسماءها على لوائح المباني علناً ومن دون تمويه، وتعقد اجتماعات عامة. وهذا ما اختفى قليلاً بعد عام 1992 حيث جرم القانون المناهض للعصابات - الشركات المرتبطة بالياكوزا، وتشكلت هيئة غير ربحية أطلق عليها «المركز الوطني لاجتثاث البريوكودان»، لتقديم الدعم للشركات حتى تتجنب الياكوزا وتشجيع المواطنين على تقديم الشكاوى بهذا الخصوص. إلا أن جهود القانون ما زالت بطيئة، وإن كان الكشف عن كثير من جرائم الياكوزا قد ساهم في رفض المجتمع لهم لدرجة أنهم أجبروا أنفسهم على استخدام الجراحات التجميلية لتمويه ما اعتبروه في الماضي رمزاً للشجاعة والقوة. ومع ذلك ما زالت جماعات الياكوزا تفخر بأنها لا تزال تحتفظ كما يقال بأكثر من 84 ألف عضو، ويقدر ما يحصدونه عليه من الأموال سنوياً ما يعادل 21 مليار دولار.ترياد الصينيرتبط مفهوم المافيا الصينية بتقليد «تشاينا تاون» أو الحي الصيني الذي يعمل على إنشائه الصينيون في أي مكان يرتحلون إليه حفاظاً على خصوصية العادات والتقاليد الموروثة التي يحملونها معهم أينما رحلوا، من دون طاعة لسلطة خارج العائلة أو العشرة على رغم الطاعة الظاهرية للإمبراطور، ويقول مثل صيني قديم «أنا أزرع الحقل، وأحصل على الطعام، أنا أحفر البئر، وأجلب الماء، وأنا أعني لا شيء للإمبراطور». وقد تآلف هذا الموروث بما عرف عن الصين منذ قديم الأزل بريادتها في مجال الفنون القتالية من كونغ فو وفو شو وفين تشون وجيت كون دو التي كانت أهم ملامح جماعات العصابات الصينية الأولى، ممن اتبعوا في البداية طريقة «الشوجيندو» الروحية لاكتشاف الذات من خلال إخضاع النفس لظروف الطقس والأرض القاسية في تلك المنطقة لأخذ القوة من الأرض نفسها، فتعلموا السير على الفحم المشتعل والوقوف تحت الشلالات شبه المتجمدة لساعات، والتعلق بحافات المنحدرات في محاولة للتغلب على الخوف واكتساب قوى الطبيعة، وتدعمهم في هذه الأفكار كتب تجاوز عمرها 2500 عام، من بينها «فن الحرب» للفيلسوف الصيني سون تزي الذي أكد فيه أن القوات قليلة العدد التي تتخذ موقف الدفاع يجب أن تكون مدفونة في الأرض كي لا يراها العدو، وأن اتخاذ مثل هذا الموقف في حالة عدم تكافؤ القوى لا يعني السلبية، وانما تشكيل الظروف المناسبة لاستنزاف الجيش المهاجم، فالبراعة هي الجمع بين صد الهجمات وشن الهجوم المباغت. وفي ظل هذا التاريخ وتلك الفلسفة انطلقت الحركات السرية المسلحة، مثل جماعات «التارياد والتونغ» في منتصف القرن السابع عشر كمنظمة سرية للفرسان المدافعين ضد الغزاة من منشوريا، وقد أصبح لاحقاً لتلك الجماعات دور مختلف مع منتصف القرن التاسع عشر لحماية المهاجرين المطرودين من جانب الإمبراطور. وظهر ما يسمى بالمثلثات الصينية «تارياد أو الثلاثي «عن طريق عدد من الرهبان البوذيين الذين نظموا جماعة سرية جعلوا شعارها مثلثًا متساوي الأضلاع يرمز إلى السماء والأرض والإنسان، وبعد ذلك تكاثر أتباع هذه المثلثات في سائر الأرجاء الصينية التي كان هدفها وطنيًا ودينيًا قبل أن تنحرف على مسارها وتتجه إلى الجريمة المنظمة كما حدث مع المافيا الصقلية. كذلك انتقلت العصابات الصينية المسلحة إلى الولايات المتحدة الأميركية، ثم راحت توزع فروعها من آسيا إلى أوروبا إلى أميركا وأستراليا حتى قيل إن المافيا الصينية احتلت كوكب الأرض بعناصرها التي يقال إنها تجاوزت مليون عضو ناشط. وتعتمد المثلثات الصينية على تهريب المهاجرين إلى إسبانيا وإيطاليا وبريطانيا وأميركا الشمالية، وتهريب المخدرات من المثلث الذهبي إلى غرب أوروبا وأستراليا. وقد أدّت الولايات المتحدة الأميركية دوراً مهماً وغير مباشر في ازدهار المافيا الصينية التي تكونت في ظل المعاملة السيئة التي لاقاها الصينيون المهاجرون إلى العالم الجديد في نهايات القرن التاسع عشر. وأحد مظاهر ذلك الاضطهاد، ما أصدره الكونغرس الأميركي عام 1892 تحت مسمى «قانون استثناء الصينيين» الذي نصّ على أنه لا يحق لأي شخص تعود أصوله إلى الصين الحصول على الجنسية الأميركية، إذ كان الصينيون أدنى مرتبة من السود أو الهنود. وعلى رغم أن السياسة الأميركية قد دعمت خلال سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي حكومة الصين الوطنية بقيادة شيانج كاي تشيك ضد الإمبراطورية اليابانية وأقوى الشيوعية بزعامة ماوتسي تونج، فإن هذا القانون لم يتم إلغاؤه إلا في عام 1943 في فترة رئاسة روزفلت. ومثلما كانت الحال بالنسبة إلى الإيطاليين من المهاجرين الجدد الذين استقبلهم القدامى، استقبل الصينيون في الولايات المتحدة مواطنيهم وأمنوا لهم الغذاء والسكن والعمل، وهذا ما اعتبرته السلطات الأميركية نوعاً من الإحسان الوطني أو العائلي، لكنها لم تكن تدرك أنه كان لتلك الخدمات ثمنها بالمعنى العائلي أو العشائري الصيني. وبمرور الوقت، نشأ تنظيم سري تشابه مع الكوزانوسترا الإيطالية الأميركية إلى حد كبير، وكان للتنظيم الصيني علاقاته مع زارعي الأفيون في وطنهم الأصلي، وتزعمه «آل كابوني صيني» اسمه «دو» لا يتحرك في المدن إلا بصحبة عدد من الحراس الشخصيين، ذلك بعد أن تزعّم شبكات للدعارة ولتجارة المخدرات، بل وامتلك مصرفاً، وترأس «رابطة مكافحة الأفيون» في شنغهاي التي كان يدير نشاطاته منها وينتقل بينها وبين أميركا. وقد نشأت آنذاك علاقات مصلحة بين «دو» و{إتيان فيوري» قائد الشرطة الفرنسي في المستعمرة الفرنسية بالصين، المولود في الجزائر، والذي تعود أصوله إلى جزيرة كورسيكا. وكان «فيوري» أحد الأعضاء السريين في الاتحاد الكورسيكي، وهي مجموعة إجرامية تخصصت في تنظيم تجارتي الدعارة والمخدرات بين شنغهاي ومرسيليا في جنوب فرنسا، وهي المجموعة هي الأولى التي تحكمت في تجارة الأفيون في فرنسا، ذلك قبل إنشاء المجموعة الأشهر المعروفة باسم «فرينش كونيكشن». وذلك قبل أن ينشط مثقفون فرنسيون في المستعمرة الفرنسية بالصين لكشف الروابط المشبوهة القائمة بين المافيا الصينية ورجال العصابات الكورسيكيين، ما دعا الحكومة الفرنسية إلى القيام بعملية تطهير شملت عزل فيوري والقنصل العام. في الوقت نفسه، تشابكت العلاقات وتوطدت بين السلطات الرسمية الصينية آنذاك، في ظل حكومة شيانغ كاي شيك، رئيس وزراء الصين الوطنية، وبين رجال المافيا لدرجة تعيين «دو» أو «ملك الأفيون»، برتبة جنرال في الجيش الوطني الصيني. والتزم رئيس الوزراء بغضّ النظر عن نشاطات «دو» التجارية والاعتراف الرسمي بها، في مقابل مساهمة رجاله في سحق الشيوعيين. وبعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، ازدادت حدة الصراع بين قوات شيانغ كاي شيك الوطنية المدعومة من الولايات المتحدة، وقوات ماوتسي تونغ الشيوعية التي انتصرت بدعم غالبية الصينيين. وكان انتصارهم بمثابة هزيمة للمافيا التي أُعدم بعض قادتها، بينما فرّ «دو» إلى هون كونغ حيث توفي عام 1951 بعد إفراطه في تعاطي المخدرات. وكان ذلك سبباً في خفوت أنشطة المجموعات المافيوزية الصينية، التي وجدت ملجأ لها في تايوان وهون كونغ، فضلاً عن نقاط نشاط جديدة في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأميركية. وشيئاً فشيئاً استعادوا في أماكن وجودهم الجديدة نشاطاتهم، لتصبح المافيا الصينية إحدى المجموعات المافيوزية الأقوى على الأرض الأميركية. واشتد نفوذها كذلك في الصين، حيث عانت البلاد خلال العقد الماضي من ارتفاع نسب جرائم العصابات المنظمة الناجمة عن البطالة كالقتل والاغتصاب وقطع الطريق والخطف وغيرها. وقدرت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية أن أربعة ملايين عامل من النازحين من الريف فقدوا وظائفهم في المدن وأن معدل البطالة في المدن يبلغ 9.4 في المئة أي ضعفي الرقم الرسمي، وهم نواة رئيسة لتلك الجماعات الإجرامية التي تستغل أيضاً زيادة أعداد الفقراء واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء. وقد شهدت الصين في العام الماضي، وهي المعروفة بعقوباتها القاسية على الخارجين على القانون، محاكمات واسعة في تشونغتشينغ جنوب غرب الصين لنحو 31 شخصأً متهمين بالتورط في أعمال الجريمة المنظمة مع 14 عصابة تعمل بطريقة المافيا في مجالات القتل والسرقة والخطف وتشغيل مناجم فحم غير شرعية.في الوقت نفسه شهد العام الحالي محاربة إيطاليا، مهد المافيا، المافيا الصينية على أراضيها، إذ قام أكثر من ألف من رجال الشرطة المالية في إقليم توسكانا بعمليات اقتحام كبيرة لمكافحة الجريمة المنظمة الصينية في ثمانية أقاليم هي: توسكانا، لومبارديا، بييمونتي، فينيتو، إميليا رومانيا، لاتسيو، كامبانيا، وفي جزيرة صقلية نفسها. وألقت الشرطة القبض على عشرات من صينيين وإيطاليين متورطين في تسهيل دخول مواطنين صينيين إلى الأراضي الإيطالية بطريقة غير شرعية، ثم إجبارهم على العمل في شركات صينية تقلد المنتجات الأصلية، وإجبارهم أيضاً على أعمال أخرى غير شرعية كالدعارة والسرقة وغيرهما. كذلك صودرت أصول 73 شركة، و80 وحدة عقارية، و166 سيارة فاخرة. هكذا تتعدد القصص والحكايات، وتتكرر أساطير المافيا في دول آسيا التي اتخذت من الصين واليابان قدوة، لتظهر مافيات أخرى في الهند وفيتنام وسنغافورة تختلف في التفاصيل، لكنها تتفق في الهدف: المال والسلطة.