«غيرة المخدوع» كوميديا لموليير في شارع دمشقي
يسعى مشروع «موسيقى على الطريق»، الذي قدم منذ عام 2008 فرقاً موسيقية بألوان مختلفة في ساحات دمشق وشوارعها، إلى الالتفات إلى المسرح ليدفع به هو الآخر إلى الطريق، فقد يكون مشروعاً رديفاً يحمل عنوان "مسرح على الطريق"، في مدينة يصعب أن ترى فيها فعاليات أو تظاهرات ثقافية تقدم إلى العامة في الشوارع.
عهد مشروع "موسيقى على الطريق" إلى فرقة "باب" وإلى المخرج رأفت الزاقوت لتقديم عرض في ساحة القشلة، القريبة من إحدى بوابات دمشق الشهيرة "باب شرقي"، الساحة التي أضحت ملتقى مسائياً للشباب يخالطهم سياح وأجانب مقيمون في الأحياء المجاورة. ولذلك لن يصعب العثور على جمهور غفير سيتخذ من حجارة المكان مقاعد للفرجة، كما لو كانوا في ساحة مسرح أثينية قديمة.ولعل هذا المكان الذي يحتشد فيه الشباب الباحثون عن المرح والتسلية افترض من الفرقة اختيار كوميديا خفيفة، وربما ليس هنالك أنسب من مسرحيات موليير، لتقديمها في أي مكان على أنها وجبة محلية، بل وشعبية في كثير من الأحيان. ذلك أن المسرحي الفرنسي الشهير اقتبس فوراً من الشارع، ونهل من شخصيات وأساليب الكوميديا الارتجالية الإيطالية "ديلارتي" التي كانت تذهب إلى الناس حيث هم، وبالتالي كان لشخصياتها قدرة كبيرة على التلون والتحول حسب المكان الجديد.
أجمل ما في موليير، في نسخته الدمشقية، أن شخصياته بدت فعلاً كأنها شخصيات محلية، تتحدث العامية السورية، بحوارات وإشارات يعرف الحضور جيداً إلى ما ترمي.وتحكي "غيرة المخدوع" قصة زوج يشكو محبطاً تصرفات زوجته، تلك التي تنصرف إلى قصصها الغرامية الخاصة، لأنه منصرف عنها هو الآخر. يروح يشكو إلى جار طبيب، فتكون فرصة للتعرف على شخصية العالم المتبجح، بعد شخصية الزوج المخدوع، ومدّعي الرجولة، وبعد شخصية العاشق الـ"قبضاي"، التي ذكرت في العرض بشخصية أبوعنتر الشامية الشهيرة، مع تلك الأوشام الكثيرة على ذراعيه. العرض إذن هو هذه الأنماط الكوميدية المحببة، بنسختها الدمشقية، وبتلك المطاردات بين الزوج المخدوع، والزوجة الخائنة، والتي تذكّر كثيراً بمطاردات "توم وجيري" في الفيلم الكرتوني الشهير الذي يحمل هذا الاسم. وعلى سبيل المثال فإن الزوج يأتي بيته فلا يجد امرأته، وحين تعود تستجديه كي يفتح لها الباب، فلا يقبل، فتوهمه أنها انتحرت بسبب ذلك، يخرج ليبحث أين سقطت جثتها، ليجد أنها قد هربت. وهي تكون قد غافلته ودخلت المنزل، ليصبح هو في موقع المستجدي فتح الباب له.وصاحبت العرض فرقة موسيقية قدمت معزوفات حية على المسرح، ولكنها لم تكن معزوفات مستقلة، بل جاءت لتعلق على الأحداث أو ترافقها، وأحياناً كانت فواصل لدخول الممثلين وخروجهم.لكن الفرقة الموسيقية لم تكن ضرورية لذلك فحسب، فهي هنا كي يظل المشروع في إطار "موسيقى على الطريق"، إذ ليس من السهل الحصول على ترخيص حكومي بمشروع "مسرح على الطريق"، رغم أن البداية مع "غيرة المخدوع" مبشرة وتشجع على ذلك.(دمشق - أ ف ب)