فانوس رمضان... بدأ فاطمياً وانتهى «لعبة صينية»
أحد أشهر معالم شهر رمضان ومظاهره المحببة لدى الجميع «فانوس رمضان» بأشكاله المختلفة، فلا يكاد يخلو شارع من فانوس ضخم مصنوع من المعدن والزجاج الملون أو من الخشب وورق السلوفان يلتف حوله الصغار والكبار، مستبشرين بقدوم هذا الشهر الفضيل ولياليه.
المعنى الأصلي «للفانوس» كما ذكر الفيروز آبادي في «القاموس المحيط» هو «النمام». ويرجح صاحب القاموس أن تكون تسمية «الفانوس» بهذا الاسم راجعة إلى أنه يبدي ويظهر حامله وسط الظلام. والكلمة بهذا المعنى معروفة في بعض اللغات السامية، إذ يقال «للفانوس» فيها: فناس. وأحد الفوانيس «فانوس» السحور، وكان في الأصل يُعلق بالمآذن مضاء وهاجاً، فإذا غاب نوره كان ذلك إيذاناً بوجوب الإمساك والكف عن المفطرات، لكن اليوم استعاض عنه الناس بالثريات الكهربائية.وثمة قصص عدة عن أصل «فانوس رمضان»، تقول إحداها إن الخليفة الفاطمي كان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه ليضيؤا له الطريق، وكان كل منهم يحمل فانوسه ويغنون معاً بعض الأناشيد الجميلة تعبيراً عن سعادتهم باستقبال شهر رمضان.
وفي قصة أخرى عن أحد الخلفاء الفاطميين أنه أراد أن يضيء شوارع القاهرة طوال ليالي شهر رمضان، فأمر كل شيوخ المساجد بتعليق فوانيس تُضاء بشموع توضع في داخلها.وتروى قصة ثالثة أنه خلال العصر الفاطمي، لم يكن يُسمح للنساء بترك بيوتهن إلا في رمضان وكان يسبقهن غلام يحمل فانوساً لتنبيه الرجال بوجود سيدة في الطريق كي يبتعدوا، وهكذا كانت النساء يستمتعن بالخروج وفي الوقت نفسه لا يراهن الرجال. وبعد أن أصبح للنساء حرية الخروج في أي وقت، ظل الناس متمسكين بتقليد الفانوس لذا يحمل الأطفال الفوانيس ويمشون في الشوارع ويغنون.وأياً كان أصله، يظل الفانوس رمزاً خاصاً بشهر رمضان، خصوصاً في مصر، وقد انتقل هذا التقليد من جيل إلى جيل، كما انتقلت فكرة الفانوس المصري إلى غالبية الدول العربية وأصبح أحد تقاليد الشهر الفضيل.بدأت صناعة الفوانيس منذ العصر الفاطمي تتخذ مساراً حرفياً، فظهرت طائفة من الحرفيين في هذا المجال بأشكاله المتعددة وتزيينه وزخرفته ولم يتشكل الفانوس في صورته الراهنة إلا في نهاية القرن التاسع عشر وأصبح يُستخدم، إلى جانب لعب الأطفال، في تزيين الشوارع ليلاً وإضاءتها، كما كانت وظيفته الأصلية، خلال رمضان على رغم وجود وسائل الإضاءة الحديثة، وارتبطت صناعة الفانوس في القاهرة الفاطمية بأحياء الدرب الأحمر.هيئة الفانوس يُصنع هيكل الفانوس من الصفيح لسهولة قصه وخفته، ويزين بنقوش دقيقة عند قاعدته وقمته وتعلوه «علاقة» مستديرة لحمله، تليها «القبة» وتتكون عادة من شرائح رقيقة قُصَّت لتصطف إلى جوار بعضها بدقة وإتقان، وقد تتدلى من حواف هذه القبة كحليَّة شرائط مستطيلة تسمى «دلايات». بعض الفوانيس يتميّز بباب لوضع الشمع داخله في «الشماعة» التي يحلّ مكانها في الفوانيس الأخرى ما يسمى «عرق»، وهي قاعدة يسهل فصلها عن الفانوس تسمى «كعب». ومن الفوانيس ما يصنع بشرائح مثلثة تسمى «مشطوبة»، يليها زجاج واجهاته وهو إما عدل أو محرود أو بيضاوي الشكل ويسمى لوح .تفنن الصانع في إعداد الفانوس بأشكال شتى وأنماط متعددة لكل منها اسم معين، وفي الفوانيس كبيرة الحجم كان الحرفي يحرص على تسجيل اسمه عليها. وأصغر فوانيس رمضان حجماً يسمى «فانوس عادي» وهو فانوس رباعي الشكل وقد يكون له باب، ذو مفصلة واحدة، يُفتح ويًغلق لوضع الشمعة داخله، أو يكون ذو كعب ولا يتعدى طوله العشرة سنتيمترات، أما أكبرها فيسمى «كبير بأولاد» وهو مربع عدل وفي أركانه الأربعة فوانيس أخرى أصغر حجماً و{مقرنس»، وهو بشكل نجمة كبيرة متشعبة ذات 12 ذراعاً.وارتبطت أشكال الفوانيس ببعض الأحداث التي تأثر بها الصانع الشعبي، خصوصاً المرتبطة منها بالحرب ضد العدو.مثلاً، ثمة فوانيس على شكل الدبابة والطائرة والصاروخ، ومن بينها الخماسية الشكل والسداسية، وبعضها أُطلق عليه علامة النصر وهو على شكل العدد سبعة رمزاً لعلامة النصر. وفي السنوات الخمس الأخيرة انتشر في الأسواق المصرية خصوصاً والعربية عموماً لعب الصينية وأسيوية قبل قدوم شهر رمضان المعظم، بديلة للفانوس البلدي (الصاج) الذي يعتبر أحد معالم التراث المصري القديم منذ عهد الدولة الفاطمية. كذلك ظهرت أشكال جديدة ودخيلة من الفوانيس مستوردة من الصين وتايوان وهونغ كونغ وأندونيسيا، وهي مصنوعة من البلاستيك وتتخذ أحجام تبدأ من الصغير جداً والذي قد يُستخدم كعلاقة مفاتيح – إلى الأحجام المتوسطة والكبيرة نسبياً، وتُضاء جميعها بالبطارية ولمبة صغيرة، وتكون أحياناً على شكل عصفورة أو جامع أو غير ذلك من أشكال تجذب الأطفال، ومزودة بشريط صغير يُردد الأغاني والأدعية الرمضانية فضلاً عن بعض الأغاني الشبابية المعروفة للمغنّين الحاليين.نجم الكرةلجأ مصممو لعب الأطفال وفوانيس رمضان في مصر لابتكار شخصيات جديدة يحملها فانوس رمضان 2010 وكان المنتخب الوطني المصري هو فكرة الشهر الفضيل لهذا العام، وظهر النجم محمد أبوتريكة ساحر المنتخب الوطني والنادي الأهلي أحد أبرز شخصيات الفوانيس. والطريف أن تريكة ظهر فانوسه ملكاً على باقي الشخصيات أمثال الكابتن حسن شحاته ومحمد بركات وجدو حيث جاء الماكيت الخاص بأبو تريكة عملاقاً بدرجة كبيرة مقارنة بغيره.