من قال إن المشرع بريء؟

نشر في 10-02-2011
آخر تحديث 10-02-2011 | 00:00
 ضاري الجطيلي لم يمض زمن طويل، بل لم تنته قضية الميموني بعد، حتى ثبت لنا أن أغلبية المتعاطين معها من نواب وكتاب وناشطين كانوا يتاجرون بها استغلالاً لظرف سياسي مؤقت، وليس إيماناً بالمبادئ كما أزعجونا بصراخهم عن الحريات والكرامات، كما ثبت لنا أنهم ينتفضون للكرامات بعد موت أصحابها فقط، أما الأحياء فلا ضير في امتهان كراماتهم.

لقد وقعت بين يدي تفاصيل إحالة أربعة ضباط وفردين في الإدارة العامة للمرور إلى التحقيق بسبب سوء معاملتهم لثلاثة مواطنين مقبوض عليهم، إذ اعترفوا بالاستهزاء بهم ونزع ملابسهم وتحسس مناطق حساسة في أجسادهم وإطلاق عيار ناري لإرعابهم، وأكاد أجزم أن عدداً من النواب على علم بهذه القضية، خصوصاً هؤلاء المتربصين بوزير الداخلية السابق الشيخ جابر الخالد، كيف لا وقد تم نشر الخبر في «الراي» و»الجريدة» قبل قبول استقالته وقبل إغلاق قضية الميموني، ولكن ها قد مر أكثر من أسبوع على الخبر من دون أن نسمع أي تصريح ما عدا جمعية حقوق الإنسان، ما السر وراء صمت الجميع؟ سهلة، لأن المقبوض عليهم متهمون بالتشبه بالجنس الآخر، ولذلك فإن المؤمنين حقاً بحقوق الإنسان وكرامته محرجون، أما الانتهازيون المتاجرون بقضية الميموني فلسان حالهم هو «قلتعهم الجنوس»، مع العلم أنهم من رددوا، وهم محقين في ذلك، أن سوابق الميموني– قبل ثبوت زيفها– ليست مبرراً لامتهان كرامته، وأن كلام د. عبيد الوسمي الحاد ليس مبرراً لامتهان كرامته.

الإيجابي في القضية هو قيام «الداخلية» بإحالة هؤلاء العسكريين إلى التحقيق من تلقاء نفسها ومن دون ضغط، ولكن المثير أن الواقعة حدثت قبل أسبوعين فقط، أي هناك من رجال الأمن من لم تردعه قضية الميموني وما زال يجرؤ على امتهان كرامات الناس، ما يكشف عن أن المشكلة ليست فقط في الثقافة التي يحملها رجل الأمن تجاه القانون وكرامات الناس، وليست فقط في مباركة قيادات «الداخلية» لتلك الانتهاكات، بل إن الرسالة غير الإنسانية التي تحملها بعض التشريعات هي أيضاً جزء من المشكلة، فإذا رأى رجل الأمن المشرع يمتهن كرامة الإنسان بالتشريع، فلن يجد ما يمنعه من امتهانها بالتنفيذ.

لقد تم التحذير في أكثر من مناسبة من خطورة العبث التشريعي إرضاء لإيديولوجيات وأجندات خاصة، وتم التحذير من خطورة استغلال التشريع في استهداف شرائح معينة من المجتمع وقمعها، وخطورة فرض الوصاية على الناس وتحديد أسلوب حياتهم من خلال التشريع، لأن تشريعات كـ»منع التشبه بالجنس الآخر» و»تجنيس المسلم فقط» على سبيل المثال لا الحصر تحمل رسالة للمجتمع مفادها أن التدخل ما بين الإنسان وضميره أو معتقداته أو أسلوب حياته مباح، على الرغم من أن ذلك يدخل في الوجدانيات والسرائر.

المفترض من الدولة أن تصون خصوصيات الناس وحريتهم في اختيار معتقداتهم وأسلوب حياتهم، ولكن عندما تتدخل الدولة من خلال التشريعات في تلك الخصوصيات وتحدد للناس أسلوب حياتهم فإنها تشجع الفرد على التدخل في خصوصيات غيره، وهذا ما حدث عندما «قزرها» هؤلاء الضباط والأفراد على المتهمين لأن رسالة القانون الذي ينفذونه هي أن أسلوب حياة الإنسان تحدده له الدولة، وليس هو.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top