وزير الثقافة المصري د. عماد أبو غازي لـ الجريدة المجلس الأعلى للثقافة سيكون برلماناً للمثقّفين
الزائر لمكتب وزير الثقافة المصري الدكتور عماد أبو غازي داخل مبنى الوزارة في حي الزمالك في المهندسين سرعان ما يستوقفه كم الكتب المتنوعة التي تشغل حيزاً كبيراً من المكان، وتغطي مجالات عدة في الفكر والفن والأدب والتشكيل والمسرح، ورفوف زيّنت ببعض الورد ومكتب خشبي بسيط تراصت عليه كمية ضخمة من الأوراق والملفات والقرارات في انتظار توقيعه. وعلى عكس الرؤية التجريدية التي كانت تميز فن الوزير السابق فاروق حسني، يملك أبو غازي خيال المؤرخ وعقليّته إذ يعمل أستاذاً للتاريخ في الجامعة، ما انعكس على أدائه وتعاملاته بالوزارة. فتراه يرتب الأحداث ويتعامل معها وفق لحظتها مع وضعها في سياق التطورات الراهنة.بين رنات هاتف لا يهدأ واتصالات مع المجلس العسكري ورئيس الوزراء وموظفي ورؤساء قطاعات، التقت «الجريدة» أبو غازي وكان الحوار التالي.
منذ تولّيك حقيبة الثقافة، تتحدّث عن إعادة هيكلة الوزارة، ماذا تم حتى الآن؟أعلنت عن تولّي المناصب داخل الوزارة بالاقتراع لا التعيين، مع الاعتماد على الشباب. وقد التقيت في الأسبوعين الماضيين كثراً من ممثلي مختلف قطاعات الوزارة للوقوف على مشاكل تلك القطاعات المالية والفنية. كذلك، التقيت ممثلين عن الفنانين المستقلين في فرق المسرح والسينما المستقلة وناشطين في المجتمع المدني، واستمعت إلى تصوراتهم لمستقبل العمل الثقافي في مصر، ذلك لوضع خطة عامة للعمل الثقافي في الفترة المقبلة، فالثورات تفرز قياداتها كما تفرز كتابها ومبدعيها. ما هي أبرز ملامح تلك الخطة؟راهناً، أحاول تكثيف اللقاءات مع مختلف الأطياف والتيارات الثقافية لأن المثقفين هم الذين سيحددون تلك الملامح، لذا ألتقي بهم بكثافة لنصل إلى الشكل الأمثل الذي يجب أن تكون عليه وزارة الثقافة، لا سيما أنها جهاز حكومي له رؤية وفلسفة وينسّق بين المؤسسات كافة.ثمة تصوّر لفصل المجلس الأعلى للثقافة، على أن يموَّل من الدولة، وأن يشكَّل بطريقة مستقلة ليؤدي دوراً محورياً للتخطيط للثقافة، ويتحوّل إلى برلمان للمثقفين. كذلك، ثمة تصوّر لأن تتحوّل وزارة الثقافة إلى وزارة منتجة باستثمار قصور الثقافة في مختلف الأقاليم المصرية، وبإنشاء منافذ توزيع جديدة لإصدارات الهيئات التابعة للوزارة وغيرها. لكن لتحقيق ذلك، لا بد من تعديل التشريعات المرتبطة بالعمل الثقافي مثل قانون الوثائق، وقانون الرقابة على المصنفات الفنية. ثمة أيضاً تشريعات خاصة بالصناعات الثقافية كصناعة النشر والسينما تحتاج إلى تعديل لنرتقي بالمنتج الثقافي وتكون له القدرة على المنافسة، محلياً ودولياً.لكن أثير جدل واسع بعد الثورة حول إلغاء الوزارة!طالب البعض فعلاً بإلغاء وزارة الثقافة، فيما دعا البعض الآخر إلى توسيعها، وفضّل آخرون استقلال المجلس الأعلى للثقافة وتحويله إلى كيان تخطيط ورقابة مستقل يتم اختيار أعضائه بالانتخاب، ليكون برلماناً حقيقياً للمثقفين. أقول هنا إن موضوع إلغاء وزارة الثقافة لا يزال مطروحاً للنقاش للوصول إلى اتفاق على الشكل النهائي، يتم عرضه على البرلمان المقبل والحكومة الجديدة بعد الفترة الانتقالية.كيف ترى عملها في الفترة الانتقالية؟أسعى إلى إتاحة البنية الأساسية لقطاعات أوسع من المبدعين، وأرى أن مهمة الوزارة هي المساعدة في تنشيط الحالة الإبداعية بما يدعم فكرة بناء الهوية والشخصية المصرية ودعم بناء دولة ديمقراطية حقيقية تتميز بقبول لقيمة الحوار والاختلاف والمواطنة واحترام حقوق الإنسان، وتداول السلطة السلمي. وأوضح في هذا المجال، أنه على المدى القصير ستعود الوزارة إلى نشاطها الذي توقف خلال الثورة باستثناء قصور الثقافة، كذلك سنعمل على حل مشاكل العاملين وشغل الأماكن الفارغة، وهي مناصب رؤساء هيئة الكتاب والمجلس الأعلى للثقافة والأكاديمية المصرية في روما. ماذا عن المحيط العربي ومكانة مصر الثقافية؟ لم يحدث أي تراجع لدور مصر الثقافي، بل ظهرت مراكز ثقافية جديدة وبالتالي دخلنا تنافساً صحياً شكل حالة من الحيوية والتنوع. فوجود مراكز ثقافية في لبنان والكويت والسعودية وغيرها أفاد مصر وذهب بها إلى نوع من التفاعل الثقافي، ما أعطى قوة مضافة وزخماً حقيقياً للثقافة العربية. ولا ننسى أن كثيرين ممن شيدوا النهضة الثقافية المصرية، ليسوا مصريين.عموماً، لا بد من وجود تفاعل ثقافي عربي، وأؤكد أن الثقافة تشكّل قوة مصر الأساسية وهي القوة الداعمة لسياستنا الخارجية عربياً وإفريقياً.هل ثمة مشاريع في هذا السياق؟نعكف راهناً على تدعيم ومواصلة الأنشطة الثقافية ذات الطابع العربي، ومن بينها ملتقى الشعر العربي وملتقى الرواية العربية وملتقى الدراسات الأدبية والنقدية العربية، إضافة إلى مشروع رصد الحالة الثقافية، ونعد لإصدار العدد الأول منه. كذلك، ندرس مشروعاً للاهتمام بإفريقيا ثقافياً والتفاعل معها، تمثيلاً لبعد استراتيجي كان غائباً على رغم أهميته.نعكف راهناً على تدعيم ومواصلة الأنشطة الثقافية ذات الطابع العربي، ومن بينها ملتقى الشعر العربي وملتقى الرواية العربية وملتقى الدراسات الأدبية والنقدية العربية، إضافة إلى مشروع رصد الحالة الثقافية، ونعد لإصدار العدد الأول منه. كذلك، ندرس مشروعاً للاهتمام بإفريقيا ثقافياً والتفاعل معها، تمثيلاً لبعد استراتيجي كان غائباً على رغم أهميته.بعين المؤرخ، هل كنت تتوقع إحداث هذه التغييرات كافة بفعل ثورة يناير؟طالما توقعت حدوث ثورة نتيجة كم المتناقضات التي كان يعيشها المجتمع المصري. فدراستي للتاريخ علمتني أن للشعوب تصرّفات ليست محسوبة. إذ ثمة لحظات فارقة يحدث معها الانفجار، وهذا ما حدث في تونس، ثم في مصر. الثورة في مصر تعبّر عن مجتمع المعرفة بمعناه الحقيقي، وتختلف عن الانتفاضات وحركات الاحتجاج التي شهدتها مصر سابقاً وكانت أكبرها انتفاضة 18 و19 يناير 1977، فثورة 25 يناير كانت لها مطالب سياسية محددة، استشهد لأجلها المئات كي تتحقق الحرية والعدالة والكرامة.المثقّف يحترق إذا لامس أضواء السلطة، ما رأيك؟قضية علاقة المثقف بالسلطة تفرض نفسها دائماً في كل حديث للمثقفين، ودائماً ما تأخذ هذه العلاقة شكل الشد والجذب. أرى أنه طالما المثقف يستطيع إنقاذ مشروعه من داخل مؤسسات الدولة فلا مشكلة في ذلك لأنها مؤسسات للدولة وليست لنظام ما.كنت رئيساً للمجلس الأعلى للثقافة قبل اختياري وزيراً، وسبق أن اتخذت قراراً منذ بداية الثورة بضرورة أن أترك موقعي، وكان قراري نهائياً بعد أحداث 2 فبراير. لكن بعد اعتذار الفريق أحمد شفيق، قررت البقاء موقتاً خلال المرحلة الانتقالية.نبذة الدكتور عماد أبو غازي هو أستاذ الوثائق المساعد في قسم المكتبات والوثائق والمعلومات في جامعة القاهرة. تخرج في كلية الآداب قسم التاريخ عام 1976، وحصل على الدكتوراه في الوثائق عام 1995، وهو ابن الوزير السابق بدر الدين أبو غازي، وخال والده هو النحات القدير محمود مختار.ينتمي أبو غازي إلى الحركة الوطنية واليسارية. أدّى دوراً في الحركة الطلابية وانخرط فيها في السبعينيات، وحُبس في تلك الحقبة إبان عصر السادات. هو أيضاً صاحب تجربة ثرية في الحقل الثقافي، إذ يملك خبرة وظيفية عبر عمله في المجلس الأعلى للثقافة، واقترب من دهاليز وزارة الثقافة، ولمس عن قرب مواقع الخلل فيها. كذلك، تقلّد منصب وزير ثقافة مصر بعد محمد الصاوي الذي شغل المنصب لمدة أسبوعين فقط، وبعد اعتذار جابر عصفور في حكومة أحمد شفيق.