قلعة قايتباي... حامية الإسكندرية تطلب الحماية
الإسكندرية - حسن حافظ
تقف شامخة على أطراف البحر الهائج، شاهدة على تاريخ ماضٍ وحاضرٍ يعاش ومستقبل يولد، هي قلعة قايتباي حارسة الإسكندرية بقية فنارها القديم تقف كمعلم تاريخي بارز على شواطئ المتوسط، إلا أن القلعة الحربية تجابه خطرا أشد فتكا عليها من خطر الغزاة، فنحر البحر الذي يأكل في بدن القلعة الحجرية لم يعد مشكلة في ظل تصاعد التوقعات بزيادة منسوب البحر في السنوات القليلة المقبلة، مما يهدد القلعة ضمن شواطئ الإسكندرية كلها بالغرق والفناء وطوى صفحتها، كما طويت صفحة سابقتها أعجوبة الدنيا فنار الإسكندرية. قال د. عبدالحليم نور الدين أستاذ المصريات بجامعة القاهرة ورئيس جمعية الأثريين المصريين: "عندما توليت مهام منصبي كرئيس للمجلس الأعلى للآثار بعد زلزال 1992 الشهير، والذي أثر في الكثير من الآثار المصرية ومن ضمنها قلعة قايتباي فتم وضع مشروع لترميم القلعة ووضع دبش (قطع صخرية ضخمة) أمام القلعة لمواجهة نحر البحر ولا أعرف ماذا تم في هذا الموضوع بعد خروجي من منصبي؟ ولا أعرف إذا كان هناك مشروع أو دراسة قيد الإعداد حول مخاطر ارتفاع منسوب البحر على قلعة قايتباي". من جانبه، أكد الأثري محمد عبدالعزيز مدير الإدارة العامة لآثار الوجه البحري وسيناء أن الخطر الأكبر الذي يواجه القلعة حالياً هو ما تردد حول ارتفاع منسوب مياه المتوسط في السنوات القليلة المقبلة والذي لا بد أن يتم دراسته بشكل جدي لطرح حلول لهذه المشكلة، فالقلعة الآن لا مخاطر عليها من نحر البحر حتى الفجوات في جدار القلعة الشمالي، حيث عمليات نحر البحر التي تتزايد خصوصا في فصل الشتاء، وهو ما يؤدي إلى تآكل الصخرة المقامة عليها القلعة، كل هذا انتهى بعد الانتهاء من تنفيذ حاجز الأمواج ووضع قطع خرسانية ضخمة في الجزء الشمالي المواجه للبحر ووضع خطة صيانة دورية للمحافظة على مبنى القلعة. وأضاف عبدالعزيز: "أما فيما يتعلق بالمخاوف من ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط نتيجة للتغيرات المناخية فإن الأقرب للتنفيذ هو إقامة حائط صد أمواج لحماية قلعة قايتباي كالألسنة الرملية المستخدمة لتغيير مسار التيارات نحو ما تم تنفيذه في رشيد على الجهة الغربية من نهر النيل هناك، والمشكلة تكمن في اعتراض بعض الأثريين على هذا المشروع خوفا من تدمير الآثار الغارقة أمام قلعة قايتباي فمن الممكن أن يكون إنشاء الحاجز في منطقة تتجاوز حدود الآثار الغارقة، وهو ما تحدده الدراسات التي يقوم بها حاليا المجلس الأعلى للآثار". تواصل يعود تاريخ القلعة إلى زمن بعيد قبل أن تعرف الوجود، فكانت وريثة لأثر آخر فريد سبقها في الوجود عاصر النشأة الأولى لمدينة البحر الإسكندرية، فعندما وضع الإسكندر الأكبر خطط الإسكندرية الأولى سنة 322 ق.م وربط بين قرية "راقودة" الناعسة على شواطئ المتوسط وجزيرة "فاروس" الرابضة أمامها، ترك مهمة تنفيذ هذا المخطط لورثته البطالمة حكام مصر الذين عملوا على تحويل المدينة الجديدة التي تحمل اسم المؤسس إلى سرة العالم وكبرى مدنه، فدخلوا في صراع محموم مع أنفسهم من أجل تزيين المدينة بكل ما وصلت إليه قدرتهم، فظهرت الأعمدة الرخامية واكتست الأراضي بالرخام الأبيض اللامع وانبثقت الأرض عن قصور الملكية الجديدة وزينت المدينة بجوهرتها مكتبتها الشهيرة، وعلى الطرف الشرقي لجزيرة فاروس - التي أمست جزءاً لا ينفصل من المدينة - وهو موقع قلعة قايتباي الآن اختار البطالمة هذا المكان الساحر ليكون مقرا لمنارة تكون شاهدة على عظمة مدينة الإسكندرية التي وضع تصميمها المهندس سوستراتوس القنيدوسي، وافتتحت في عصر بطليموس الثاني فيلادلفوس سنة 280 ق.م إلا أن تعرض البناء الشاهق (120 مترا تقريبا) لأكثر من زلزال نال من تماسكها حتى قضى عليها زلزال سنة 777هـ/1375م في عهد سلاطين المماليك، ونتيجة لمخاطر هجمات القراصنة والأوروبيين كبقايا للحروب الصليبية قرر السلطان الملك الأشرف قايتباي سنة 882 هـ/ 1477م الاستفادة من أنقاض الفنار في زيادة تحصينات مدينة الإسكندرية، فقرر إنشاء ما عرف باسم برج قايتباي في نفس الموقع القديم لفنار الإسكندرية، وهو ما بات يعرف في يومنا هذا بـ "قلعة قايتباي" التي افتتحت رسميا في عام 884هـ/ 1479م لتصبح حجر الزاوية في دفاعات مدينة الإسكندرية بقية عصر المماليك وطوال عصر الحكم العثماني حتى سقطت القلعة في أيدي بونابرت عندما جاء غازيا لمصر لتفقد القلعة أهميتها الحربية مع فشلها في مواجهة فنون الحروب الحديثة التي طوت صفحة الحصون الصخرية، وعلى الرغم من تجديدات محمد علي باشا فإنها كانت محاولات ضد تطور الزمن وصيرورته كشفها هجوم الإنكليز القوي على المدينة سنة 1882م في الأحداث التي سقطت على أثرها مصر، لتخرج قلعة قايتباي في هذا التاريخ الأخير من كتب الحرب وتكتيكاته إلى متحف التاريخ وكتبه فتحولت القلعة إلى مزار سياحي يمتاز بعراقة تاريخية ومناظر خلابة تجعله محط زيارات المصريين ومن جاءها من خارج البلاد. وتكاد قلعة قايتباي تنفرد بوصفها أحد الحصون المصرية الباقية من العصور الإسلامية المحتفظة بمعمارها الأصلي بالإضافة إلى قلعة السلطان صلاح الدين الأيوبي عند طابا في سيناء وقلعة الجبل المعروفة خطأ بقلعة محمد علي، وتبلغ مساحة قلعة قايتباي 17550 متراً مربعاً وهي المساحة التي يحدها أسوار القلعة وبوابتها من الجهة الجنوبية، وهذه الأسوار عبارة عن سورين كبيرين، السور الخارجي وهو الأكبر استخدم كخط دفاع أول عن القلعة، أما السور الداخلي وهو الأصغر فقد استخدم كخط دفاع ثان، كما استخدم كثكنات للجند بتوفير مجموعة من الحجرات المتجاورة المحفورة في السور من الجهة المطلة على الساحة الرئيسية للقلعة، أما برج القلعة فهو مكون من ثلاثة طوابق يمتاز الطابق الثالث بوجود منظرة (نافذة) السلطان التي كان يظهر من خلالها ليتابع التدريبات العسكرية للجند في ساحة القلعة كما يوجد المطبخ السلطاني حيث كان يعد وجبات السلطان أثناء فترة إقامته، أما الطابق الثاني فبه عدد من الغرف، وبه بعض الاستحكامات العسكرية لمنع دخول المهاجمين كمناطق صب الزيت الحار على المهاجمين قرب بوابة البرج، أما الطابق الأول فيمتاز بوجود مسجد القلعة الذي يغلب على معماره البساطة والتقشف المناسب لحياة الجندية.